أهلاً بك عزيزي الزائر, هل هذه هي زيارتك الأولى ؟ قم بإنشاء حساب جديد وشاركنا فوراً.
  • دخول :
  •  

أهلا وسهلا بكـ يا admin, كن متأكداً من زيارتك لقسم الأسئلة الشائعة إذا كان لديك أي سؤال. أيضاً تأكد من تحديث حسابك بآخر بيانات خاصة بك.

صفحة 2 من 5 الأولىالأولى 1234 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 11 إلى 20 من 42
  1. #11
    موقوف
    تاريخ التسجيل
    Jan 2009
    الدولة
    السعودية
    المشاركات
    292
    معدل تقييم المستوى
    0

    Smile الأستاذ محمد بدرة على إذاعة صوت الخليج 13

    الحلقة الثالثة عشرة
    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم، على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أعزائي المستمعين ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد ...



    فهذه هي الحلقة الثالثة عشرة من حلقات برنامج: [التنمية البشرية بين المادية والروحانية] ..... وقد وصلنا في الحلقة الماضية إلى الحديث عن حقيقة الإنسان وجوهره ... بين هذه المخلوقات ... نحن نلاحظ أن الإنسان هو الكائن الوحيد بين كل الكائنات التي نراها من حولنا يتمتع بالعقل الذي يميزه عن باقي الحيوانات العجماوات .... فالإنسانُ يتكون من مركبات ثلاثة (الجسد ... والغرائز النفسية التي يشترك فيها مع كافة الحيوانات ... والروح القابعة في كيانه) ... هذه الروح هي غيرُ الروح التي يتمتع بها سائرُ الحيوانات، هذه الروح تشعُّ على الدماغ فيتشكلُ العقل، وتشع على القلب فينبضُ القلب بالمشاعر والوجدانات التي لا تشاركه فيها باقي الحيوانات، وتشع هذه الروح على الجسد فتحيلُه حركة ونشاطاً؛ فتعلمُ أن هذا الإنسانَ ينبض أمامك بالحياة ... فمهما شعتْ روحُ الحيوان على دماغه لا نجد لها عقلاً، وإنما نجد لها غرائزَ تسير وفقها وعلى هداها ...

    ولنلاحظْ كيف بيّن الحق ـ جل وعلا ـ هذا التكريمَ الذي كرّم به الإنسانَ، فقال عن أبينا آدمَ عليه السلام ـ مخاطباً وآمراً ملائكته بالسجود له ـ: { فإذا سويته } أي آدمَ { ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين }، ونلاحظ هنا كيف أن الحقَّ ـ سبحانه وتعالى ـ نسب هذه الروحَ إلى ذاتِه العلية تشريفاً وتقديساً، فقال: { روحي }، وياء النسبة هنا تدل على التكريم والتشريف ـ كما يقول علماء العربية ـ بسر هذه الروح التي كرم الله بها الإنسان ... كرم الإنسان ... وصار صالحاً لتلقيَ الخطاب وصالحاً لإقامةِ الحضارة الإنسانية المثلى، قال تعالى: { إني جاعلٌ في الأرض خليفة }، وقال أيضاً: { هو الذي أنشأكم من الأرضِ واستعمركم }، أي كلفكم بعمارتها....

    وما هو الإسلام ؟ ... باختصار هو مائدةٌ غنيت بكل ما يصلح لهذا الكائن البشري من غذاء ودواء، فيها طعامٌ للجسد؛ لينموَ ويصلحَ شأنُه، وفيها طعامٌ للغرائز؛ لتعتدلَ وتقضيَ هذه المهمة الإنسانية المنوطة بها، وفيها غذاءٌ للروح ... وإن شئت قلت: (غذاءٌ ودواء للعقل) ... وإن شئت قلت: (غذاءٌ ودواء للقلب) ... وإن شئت قلت: (غذاء ودواء للشعور) ... وإن شئت قلت: (غذاء ودواء للسلوك). لكنِ المطلوبُ أن يأخذَ كلُّ مركَّب من مركبات هذا الإنسان غذاءَه الخاص به، دون أن يطغى ويكبرَ هذا الجزءُ على حساب الأجزاءِ الأخرى ... ويجب أن يكونَ للروح أيضاً غذاؤها؛ ليقودَ هذا المركِبَ الكامل إلى برِّ الأمان. قال تعالى: { قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً }.

    نحن حقاً لا يمكن أن نتوصلَ إلى ماهيّةِ الروحِ وحقيقتِها، ولكننا نستطيعُ أن نتعرّفَ على آثارِ هذه الروحِ المتجليةِ علينا، وقصةُ هذه الروح ... قصةُ أشجان، هي من عالمٍ غيرِ عالمِ المادة ... من عالمِ الأمر كما وضعها الله تعالى في القرآن الكريم، أتى بها من عالمِ الملإِ الأعلى وأُهبطت بأمرٍ من الله تعالى إلى هذا القفصِ الجسدي لتُحبَسَ فيه إلى حين، وتخوضَ هذه التجربة البشرية { إنا عرضنا الأمانة على السمواتِ والأرض والجبال فأبينَ أن يحملنها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً }، فالروحُ هي سرُّ الإنسانِ وجوهرُه، وهي المخاطبُ والمكلفُ والمعاتب والمحاسب ... وهي التي سمّاها القرآنُ على اعتباراتٍ تارة: (النفس)، وتارة: (القلب)، وتارة: (العقل)، وتارة: (الروح)، وتارة: (الإنسان). فكيف كانت التنمية البشرية في جيلِ الحضارة الإنسانيةِ لمسمّى الإنسان على ضوءِ مـا ذكرناه عن الروح ؟ .... هذا ما سنبحثه في الحلقة القادمة ـ إن شاء الله تعالى ـ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    http://annajah.net/arabic/show_article.thtml?id=3031



  2. #12
    موقوف
    تاريخ التسجيل
    Jan 2009
    الدولة
    السعودية
    المشاركات
    292
    معدل تقييم المستوى
    0

    Cool الأستاذ محمد بدرة على إذاعة صوت الخليج 14

    الحلقة الرابعة عشرة
    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله حمداً كثيراً كما أمر، والصلاة والسلام على خير البشر، وعلى آله وصحبه أجمعين، صلاة وسلاماً متلازمين إلى يوم الدين. أعزائي المستمعين ... إخوتي وأخواتي .... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد ...


    فهذه هي الحلقة الرابعة عشرة من حلقات برنامج: [التنمية البشرية بين المادية والروحانية] ..... وقد حط بنا المطاف في الحلقة الماضية عند سؤال طرحناه وهو: كيف كانت التنمية البشرية في الجيلِ الذي أسّس للحضارةِ الإسلامية على ضوء ما ذكرناه بأن الروحَ هي سرُّ الإنسان وجوهرِه، وهي الآمرةُ في كيانِه، والباقي لها خدم وعون ...


    قلنا: هذه الروحُ هبطت من عالم الملإ الأعلى ... عالمِ طهرٍ ونقاء ... قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ كلّ مولودٍ يولد على الفطرة، فأبواهُ يهودانِه أو ينصرانه أو يمجسانه ]، ولم يقل أو يسلمانه... لأنه على الفطرة، ولو خليت الروحُ وما كانت عليه لم تحتج لأي عناءٍ على طريق الاستقامةِ والهدى والدين ... لكنْ لما أُنزلت هذه الروحُ إلى عالم الملك ... إلى عالم الشهادة كما بيّن ذلك القرآنُ الكريم اختلطت بها غرائزُ النفس، وصارتِ الغرائزُ النفسية مع الروحِ تسمى بالنفسِ الإنسانية ... تماماً كما لو أتينا بكأسِ ماءٍ عذب رقراق وألقينا فيه شيئاً من الأتربة، يتغيرُ الماء بهذا الوافدِ عليه ... لكنه يصبح معه كتلة واحدة.

    هذه الأتربة هي بمثابةِ الغرائز النفسية، وهذا الماءُ الصافي هو بمثابةِ الروح، وأصبح اسم المركب كله النفس ... مع أخذ العلم بأن الغرائزَ النفسية وُجدت في الإنسان لحكمةٍ بالغة ... فميلُ الذكر للأنثى هو لحفظ بقاءِ العنصر البشري ... والجوعُ لقيام الجسدِ والحفاظ عليه... وهكذا فالصفاتُ النفسية ... يُطلب منها أن يكون الإنسان على حدِّ الاعتدال لا يُفرِط ولا يُفرِّط، وعند الاعتدالِ في هذه الصفات يكون الإنسانُ عندئذٍ على خُلقٍ حسن، فالإنسانُ ذو هيئةٍ ظاهرة له، وله هيئةٌ باطنة ... أما هيئتُه الظاهرة فقوامُها في الوجه مثلاً أربعةُ أركان ... العينان والأذنان والفمُ والأنف ... فلو افترضنا أن رجلاً ما أوِ امرأة كان غاية في الجمال أو كانت غاية في الجمال ... ثم طرأ معه أو معها طارئٌ ـ والعياذ بالله ـ خسرَ معه ركناً من هذه الأركان الأربعة، كأن قُطع أنفُه أو ذهبت عينه، فما الذي يبقى من هذا الذي يسمى جمالاً ...

    إذن أُوْلى درجات الحسْن الذي لا حسْن دونه أن توجدَ هذه الأركانُ الأربعة وباعتدال، ثم تأتيَ بعد ذلك الزيادةُ في درجات حسن الوجه ... وكذلك للهيئة الباطنة للنفس أربعةُ أركان. هذه القوى هي: قوة العقل - قوة الشهوة - قوة الغضب - وقوة العدل: أربعة قوى: ـ عقل ـ شهوة ـ غضب ـ عدل ... هذه القوى في باطن النفس البشرية هي بمثابة أركانٍ لهذه الهيئة الباطنة للإنسان ... كما أنّ للهيئة الظاهرة للإنسانِ أركاناً أربعة؛ هي قوة العقل وقوة الشهوة وقوة الغضب وقوة العدل، فلو اِجتثت أية قوة من هذه القوى من الإنسان ... لو نقص أي ركن من هذه الأركان الأربعة ... أو لو تضخم كثيراً أي ركن من هذه الأركان الأربعة: العقل والشهوة والغضب والعدل، لو تضخم أو تلاشى لكان هناك تشوهٌ وقبح في الهيئة الباطنة للنفس الإنسانية، وسنشرح ما تعنيه هذه الأركانُ الأربعة، وكيف اعتدالُها في الحلقةش القادمة ـ إن شاء الله تعالى ـ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


    http://annajah.net/arabic/show_article.thtml?id=3034



  3. #13
    موقوف
    تاريخ التسجيل
    Jan 2009
    الدولة
    السعودية
    المشاركات
    292
    معدل تقييم المستوى
    0

    Cool الأستاذ محمد بدرة على إذاعة صوت الخليج 15

    الحلقة الخامسة عشرة
    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين ... الرحمن الرحيم ... مالك يوم الدين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أعزائي المستمعين ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد ...



    فهذه هي الحلقة الخامسة عشرة من حلقات برنامج: [التنمية البشرية بين المادية والروحانية] ..... وقد قلنا في الحلقة الماضية أن الإنسانَ ذو هيئةٍ باطنة كما هو ذو هيئة ظاهرة، ولهيئتِه الباطنة أربعةُ أركان هي: قوة العقل وقوة الشهوة وقوة الغضب وقوة العدل ... والحقيقة أن هذه الأركانَ الأربعة للهيئة الباطنةِ لنفس الإنسان هي التي إن اعتدلت وجمُلت؛ كان الإنسان ذا خلقٍ حسن، وهي التي إن قبُحت وانحرفت ذات اليمين أو ذاتَ الشمال؛ ضلت وساءَ خلقُ الإنسان. وإن أيَّ عمل أو سلوكٍ يتجلى من الإنسان إنما هو صادر عن خُلقِه المستكِن في نفسه، وليس دائماً شكلُ السلوك ينبئُ عن حقيقة الخُلق؛ فقد تجد إنساناً سخياً في دفعِ المال، لكنْ لعلة غيرِ صفة الكرم؛ حتى يقالَ إنه كريم ... وقد ورد في الحديث الشريف أنه يؤتى برجلٍ عالم تعلّم وعلّم دينَ الله في الدنيا ... يقول يارب ... نشرتُ دينَك ... علّمت الناس، فيأتيه الجواب ...


    إنك علمت: ليقالَ وقد قيل ... أي ليقال إنك عالمٌ، وقد قيل ... ويؤتى برجل آخرَ ... يقول يارب ... جاهدت في سبيلك ... فيأتيه الجواب ... إنك قاتلت ليقالَ إنك شجاع، وقد قيل ... إذن فالخُلق الحسَن هو صفة مستكنة في النفس قبل أن تكونَ سلوكاً ... فلنبدأْ بشرح القوةِ الأولى من القوى الأربعة التي هي أركانُ الهيئةِ الباطنة للنفس: القوة الأولى هي قوة العقل ... ويقال لها أيضاً قوة العلم ... وهي ملَكة وقوةٌ مكّن اللهُ الإنسانَ منها ... كي يستطيعَ سياسة أمورِه في الدين والدنيا ... فلا تجدُ إنساناً مكلفاً لم يُمتّعْ بهذه الملَكة وهذه الصفة إلا إنساناً ذا قصورٍ عقلي اقتضت حكمةُ الله أن يكونَ كذلك ... والمطلوبُ من الإنسان أن ينمّيَ هذه الملكة ... هذه الصفة ... هذه القوة، وتبدأ مسؤولية تنميتِها على الوالدين في المنزل، ثم بعد ذلك على عاتقِ المعلم والمعلمة في المدرسة، ويشترك كل من له علاقة بصياغة مفاهيم الإنسان عما حوله من الكون والإنسان والحياة ... يساهم مساهمة ما في صياغة وتنمية هذه القوة العاقلة ... حتى إذا بلغَ الإنسان أشُدَّه صار التكليفُ ملقىً على عاتقه، ولا يَعذره عاذر في تقصيره في رعايتِه لهذه القوة لهذه الصفة لهذه الملكة التي وكله الله إياها ... فبعد أن كانت هذه الملكة للتكرار فقط .. للحفظ فقط .. للتلقين فقط .. يكون التمييزُ بين الأشياءِ ثم شيئاً فشيئاً يكتملُ عقدُ هذه الملكة عند كل مكلف ... ويتفاوتُ الناسُ بعد ذلك في تنميتهم لقوةِ العقل أو قوة العلم كما قلنا ... ونحن هنا لا نتكلم عن فروقاتٍ في الذكاءِ قضى الله ـ سبحانه وتعالى ـ أن يتفاوتَ الناسُ بها { ليتخذَ بعضهم بعضاً سُخرياً } كما قال ربنا جل وعلا ...

    ولكننا نتكلمُ عن قوةِ العقل وقوة العلم ... وليس عن الذكاءِ، فقد تجدُ إنساناً ذكياً جداً، ولكنه لم يستخدمْ ذكاءه هذا فيما ينفعُه ... لا يدرك من ذكائه هذا ... إلا شقاءً ومصائبَ عليه وعلى من حوله ... ذكيٌّ جداً لكنه لا يدرسُ في مدرسته ... ما نفعُ ذكائه ... ذكيةٌ جداً ... لكنْ لا تستغلُ ذكاءها إلا بالإيقاع بين الناس ... إلا بالنميمةِ بينهم ... ذكيٌّ جداً لكن لا يستغل ذكاءه إلا في كيفيةِ غشِّ المجتمع بالبضائع الفاسدة ليتوصلَ بذلك للربح المادي ... ثم يقول لك: (حلال على الشاطر) ... نعم حلال إذا كان بطريق حلال ... وقد تفردتِ التنمية الإسلامية ... وإن شئتَ قلت: (التربيةُ الإسلامية) ... وإن شئت قلت: (علمُ السلوك في الإسلام) ... وإن شئت قلت منه القرآن ... تفرد بصياغة قوة العقل وصيانتها ...

    ونتابع شرحَ قوةِ العقل هذه في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى ... والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


    http://annajah.net/arabic/show_article.thtml?id=3037



  4. #14
    موقوف
    تاريخ التسجيل
    Jan 2009
    الدولة
    السعودية
    المشاركات
    292
    معدل تقييم المستوى
    0

    Wink الأستاذ محمد بدرة على إذاعة صوت الخليج 16

    الحلقة السادسة عشرة
    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين ... الرحمن الرحيم ... مالك يوم الدين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أعزائي المستمعين ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد ...



    أيها الأخوة والأخوات... فهذه هي الحلقة السادسة عشرة من حلقات برنامج: [التنمية البشرية بين المادية والروحانية] ..... قلنا في الحلقة الماضية أن الله متّعَ الإنسانَ بأربعةِ قوىً تشكل له الهيئة الباطنة للنفس وباعتدال، هذه القوى الأربع ... التي هي قوة العقل وقوة الشهوة وقوة الغضب وقوة العدل ... باعتدالها يتشكلُ حسْنُ الخُلق عند الإنسان ... الذي هو المفتاحُ الحقيقي والنواةُ الأولى لتشكيلِ الحضارة الإنسانية المثلى التي متّع الله بها أجدادَنا في ما مضى، ...

    باعتدال قوةِ العقل تتشكل الحكمة عند الإنسان ... وهي الوسيطة ... وإفراطُ هذه القوة ... يتولد عنه الخبثُ والمكر والخديعة ... وتفريطُ هذه القوة ... يتشكل عند الإنسان الغباوة والحمق والبلادة ... وقلة الخبرة في الحياة .. والسطحية في الأمور ... وعدم التبصر والطيش ... فترى الانسانَ الحكيم يضعُ الأمورَ بموازينِها ... يتصرّف التصرّفَ اللائق، وكلما اعتدلت هذه القوة قوةُ العقل ... كلما اعتدلت واستقامت أكثر ... وكلما كان صاحبُها ذا حكمةٍ أكثر ... والحقيقة أن نورَ البصرِ كنورِ البصيرة، نورُ البصر يحتاج إلى نور من جنسِه يتحدُ معه عملية الرؤيا في حدقة العين ... فلو أن إنساناً دخل كهفاً مظلماً لن يرى ـ ولو كان بصره حاداً ـ إن لم يكن هناك نورٌ يرى من خلاله .... فلا بدّ من وجود نورٍ في البصر ونور في البيئة والمحيط حتى تتمَّ عملية الإبصار، وكذلك نورُ البصيرة ... الذي هو العقل ... لا بدَّ من نور يناسبه من خلاله يتبصر ... هذا النور هو العلم ... وأولُ علم ... كان في هذه الدنيا ... علمُ الوحي ... هو الذي يمكن أن يخبرَك بما يهمُّك مما حصل ماضياً ... أو يخبرُك بما سيأتيك غداً ... من الذي يستطيع أن يعرِّفَ الإنسانَ على رحلته التي قضاها ... قبل أن يولد ... عن نشأته عن مهمته عن مستقره ... إلى أين يذهب ... ما الذي بانتظاره ... ما هو الموت ... ماذا بعد الموت ... لا يستطيعُ أن يقوِّمَ هذا ويدلَّ عليه ويطمْئنَ العقلَ إلى أنه أتاه حقيقة إلا الوحي الصادق ...

    ولذلك أمر الإسلامُ أبناءه بداية أن يتحققوا بما يعتقدونه، ورسم لهم قصةَ النشأةِ ونهايةَ القصة ... الرحلة بكل فصولها ... لا تتخلف ... وكان هناك الخطابُ الإلهي للإنسان: { ولا تقفُ ما ليس لك به علم ... إن السمعَ والبصر والفؤاد ... كلُّ أولئك كان عنه مسؤولاً } ... إن الإسلامَ لم يُردْ من الإنسان أن يقيمَ اعتقادَه بالدين الحنيف نفسِه إلا على أساس العلم ... فكم أكرم بذلك الإنسانُ ... ولطالما حاججَ القرآنُ بشكل منطقي الذين يبحثون عن الحقيقة بشكلٍ منطقي وبحوارٍ رائع ... انظر عندما يقول لهم: { لو كان فيهما آلهة إلا اللهُ لفسدتا }، انظر عندما يعدد الخلق ... وأنواعَه وإعجازه ثم يقول: { فتبارك الله أحسنُ الخالقين }، انظر عندما يقول: { ألم ترَوا أن الله سخّر لكم ما في السموات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمّه ظاهرة وباطنة ومن الناسِ من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير }، ويقول أيضاً: { هو الذي جعل لكم الأرضَ ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقِه وإليه النشور } .... كل ذلك ليدلَّه على الاحتكام ... للعلم على الاحتكام ... للتدبر ... على التروي في أموره ... وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم مرة لسيدٍ في قومه ... [ إن فيكَ لخصلتين يحبهما الله ورسوله الأناةَ والحلم ] ...


    خلاصة القول: إن قوة العقل ... إذا اعتدلت هدتْ صاحبَها إلى الحكمةِ والتبصُّر، وإن أفرطت أوصلتْ صاحبها على المَكر والخديعة ... وإن فرّطت أوصلت صاحبها إلى الحمق والغباوة والطيش، وإلى اللقاء في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


    http://annajah.net/arabic/show_article.thtml?id=3040



  5. #15
    موقوف
    تاريخ التسجيل
    Jan 2009
    الدولة
    السعودية
    المشاركات
    292
    معدل تقييم المستوى
    0

    Cool الأستاذ محمد بدرة على إذاعة صوت الخليج 17

    الحلقة السابعة عشرة
    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين ... حمداً طيباً مباركاً فيه ... والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أعزائي المستمعين ...السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد ...


    فهذه هي الحلقة السابعة عشرة من حلقات برنامج: [التنمية البشرية بين المادية والروحانية] ..... وما زلنا نشرح الهيئة الباطنة للنفس الإنسانيةِ التي باعتدالها وتنميتها على هذا النحو يتكوّنُ حسْن الخُلق ... الذي هو مفتاح الحضارة الإنسانية المثلى التي كلف الله عبادَه بإنشائها على وجه الأرض ... وقد قلنا أن أركانَ الهيئةِ الباطنة للإنسان أربع: قوة العقل ... وقوة الشهوة .... وقوة الغضب ... وقوة العدل ...

    وقلنا أن قوةَ العدل ... أو قوة العلم ... هي التي باستقامتها تتشكل الحكمة ... وبإفراطها يتشكل الخبث والمكر ... وبتفريطها يتشكل الحمق والغباوة في النفس البشرية ... ويتفرع عن ذلك صفاتٌ كثيرة هي بمثابة الفروع لها ... قال تعالى: { ومن يؤتَ الحكمة فقد أوتيَ خيراً كثيراً } ... وقد حرص الإسلامُ على إقامةِ القاعدة العريضة لقوة العلم لكلِّ الناس، ثم يتفاوتون باجتهادِهم وبذلهم في سبيل تحصيل التفاصيل ... والعلمُ: وهو معرفة الأمور على ما هي عليه في الواقع. لذلك حرص الإسلامُ على توفير القاعدة العريضة للعلم التي لا يمكنُ للإنسان الوصولُ إليها من خلال مجهودِه الفكري ... وخلاصة الأمرِ أن العلومَ والمعارفَ الجزئية لا تتمُّ على وجهِها الصحيح ... إلا إذا أسّست هذه المعرفة ضمنَ قاعدة واسعةٍ من العلم ...

    مثال: أنا مهما تخصصتُ بمعرفةٍ مدينة ما على الخارطة؛ لا يمكن أن تأتي معرفتي بثمرتِها المرجوة منها .... ولا يمكن أن أستخدمَ معلوماتي هذه إلا في نطاقٍ عام من موقع هذه المدينة في أي بلد، وأي قطر في أي قارة يقع، وهذه القارة تقع على الأرض ...هذه المعلوماتُ البسيطة تعطي لتخصصي بعداً آخرَ من المعرفة يستوي فيه ... ويتحققُ عندئذٍ قولُه تعالى: { إنما يخشى اللهَ من عبادِه العلماءُ } ...

    فإن العلمَ الذي يورثُ الخشية هو هذا العلمُ الذي يكون ضمن المعرفةِ الإنسانية، كالإطارِ الجامع لجزئياتِ هذه المعرفة ... وهذا قد تجلى في القرآنِ بشكل واضح ... وسنأخذ بعضَ المعارفِ والعلومِ التي تشكّل عند الشريحةِ الأوسع ... القاعدةِ الأكبر من الناس علوماً ومعارفَ لا يمكنُ أن يحصلَّها الإنسانُ إلا من خلال الوحي، سنأخذ مثالاً على هذه التنميةِ المعرفية (التي تتعلق بالتفكير بدايةً قبل الشعور والسلوك) ... تعريفُ القرآنِ للإنسانِ بعناصر الحضارة التي هي (الإنسان – الكون - الحياة) ... عندما تتعرّف الشريحة الأوسعُ من الناسِ فكرياً على عناصر الحضارة فهم يصبحون حضارياً بشكلٍ كبير ومعجِز قادرين على التعاملِ الحضاري والنهضةِ بحضارة هذه الأمة ... فنحن نعلمُ أنه لكي يعمَّمَ مفهومٌ حضاريٌّ ما ... يجب أن يقتنعَ به معظمُ الناس ... يجب أن يُذاعَ على كل الناس، وقد كان القرآنُ ينمّي مُتبعيه ... ويعرّفهم على هذه القاعدةِ العريضة العلمية للحضارة الإنسانية التي ينبغي أن تشملَ جلَّ أبناءِ الحضارة إن لم نقل كلَّهم ... لا بدّ أن تكون أيُّ معرفة ... أي عملية تعليمية ... أيُّ عملية تربوية ... تلحظُ عدمَ وجودِ أيِّ تعارضٍ أو تشاكس في العمليةِ العلمية. ومشكلتُنا اليوم أننا نعاني كثيراً من هذه التناقضاتِ والاضطراباتِ المعرفية التي تؤدي في المحصلة عند الطلاب ... وأبناءِ المجتمع إلى عدم الاستقرارِ النفسي ...


    مثال: يدخل أستاذُ مادة التربيةِ الإسلامية إلى الفصل ليقرأَ للطلابِ قِسطاً من آياتِ الله عن قصةِ نشوءِ الإنسان ... وأنه خلقه من تراب ... ومن طين ... إلى آخر ما يعرفه كلُّ مسلم ... ثم يدخل أستاذُ البيولوجيا .... ليمليَ عليهم النظرية الداروئية ... نظريةَ النشوءِ والارتقاء، وأن الإنسانَ تدرج في الخلق بطفرةٍ تحوّلَ فيها قردٌ من ملايين السنين إلى الإنسان ... هذا مثال لحالةٍ من حالاتِ التناقض والتشاكس ... وهناك أمثلة كثيرة ... طبعاً أنا لا أبالي بأي حوارٍ حول أيةِ فكرةٍ أو نظرية ... لكن أن توضعَ في إطارِها الصحيح ... فلا أعرِّضُ الطفلَ للجراثيم قبل أن ألقحَه بلقاحِ المناعة من هذه الأمراض ... كيف أعتني بالجسد ... العنايةُ بالعقول وبجوهرِ الإنسان أهمُّ وأعظم ... وكما أن الأطباءَ يقومون بخدمةِ ورعاية الأجسادِ وتحصينِها، كذلك المربُّون يقومون بواجبِ تحصين العقولِ وحمايتها، وإلى اللقاء في الحلقات القادمة إن شاء الله تعالى والحمد لله رب العالمين.

    http://annajah.net/arabic/show_article.thtml?id=3043



  6. #16
    مشرف المدربون المعتمدون الصورة الرمزية Ibtihal Alzaki
    تاريخ التسجيل
    Jul 2008
    الدولة
    سودانية الجنسية مقيمة في دولة الإمارات العربية المتحدة
    المشاركات
    1,621
    معدل تقييم المستوى
    34

    افتراضي

    خبر أسعدنا كثيرا ،سلسلة مفيدة إن شاء الله ، أدامك الله علما ونفع بك الأمة


    التعديل الأخير تم بواسطة Ibtihal Alzaki ; 19-Sep-2009 الساعة 10:28 AM
    كلما أدبني الدهر أراني نقص عقلي
    وإذا ما ازددت علماً زادني علماً بجهلي



    ^______________^ ودمتم سالمين

  7. #17
    موقوف
    تاريخ التسجيل
    Jan 2009
    الدولة
    السعودية
    المشاركات
    292
    معدل تقييم المستوى
    0

    Smile الأستاذ محمد بدرة على إذاعة صوت الخليج 18

    الحلقة الثامنة عشرة
    بسم الله الرحمن الرحيم
    أعزائي المستمعين ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد ... فأحمدُ إليكمُ الله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبالإخلاص لوجهه تؤتي أكلَها وتتنامى خيراتها، وأصلي وأسلم على حبيب رب العالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


    وصلنا إلى الحلقة الثامنة عشرة من حلقات برنامجكم: [مفاهيمُ في التنمية البشرية بين لأصالة والمعاصرة] ..... وقد قلنا فيما مضى أن التنمية البشرية في تراثِ الحضارة الإسلامية على الصعيد الفكري والمعرفي أتت نسجَ شبكةٍ عريضة واسعة. أتت لتشملَ كلَّ الناس، مما يؤهلهم بعد ذلك أن يسعَوا بدورهم لتقديم ما لديهم حسب مهاراتِهم وتخصصاتهم ضمن هذه الشبكة المثلى.

    الإنسان كما قلنا هو عنصرٌ من عناصر الحضارة ... اهتمَّ القرآنُ بالإنسانِ ما لم يهتمَّ بكائنٍ آخرَ فنزلت أولُ آيةٍ على خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم: تشرح له أصلَ وجودِه: { اِقرأ باسمِ ربك الذي خلق خلق الإنسانَ من علق } ... وخاطبَ القرآنُ الناسَ جميعاً بقصةِ نشأتِهم فوقَ هذه الأرض، وكيف خلقَ اللهُ أباهم آدمَ عليه السلام، ومنزلته بين سائر مخلوقاته. والتكريمُ الذي حصل عليه حتى على ملائكته ...

    والواقع لدى التأملِ في هويةِ الإنسان وكيف أتت في ديننا، وبالتالي رُبيَ عليها الفردُ المسلم ونمّيَ ذاتياً على أساسها هو أمام صورتين ... صورةٍ تشدُّه إلى الأعلى ... وصورةٍ تشدُّه إلى الأسفل؛ كأن تشجع المدرسة الطالبَ للتفوق ... وبالوقت ذاته تتوعدُه على تقصيره ... الصورةُ الأولى، بل الحقيقة الأولى أن يركز البيانُ الإلهي في القرآنِ بأساليبَ شتى على أن الإنسانَ مخلوقٌ تافه، أصله الأولُ من تراب؛ قال تعالى: { فإنا خلقناكم من تراب }، وأصله الثاني بالتوالد؛ قال تعالى عنه: { ثم من نطفة }، بل أكثر من ذلك يقول تعالى: { من ماء مهين } ... { فلينظر الإنسان مم خلق خلق من ماءٍ دافق يخرج من بين الصلب والترائب } ...

    ويقول أيضاً: { قتل الإنسانُ ما أكفره من أي شيءٍ خلقه من نطفة خلقه فقدّره ثم السبيلَ يسره } ...

    { إنا خلقنا الإنسانَ من نطفةٍ أمشاجٍ نبتليه ... فجعلناه سميعاً بصيراً } ...
    ثم وإن طالت به الحياةُ سيعودُ إلى أرذلِ العمُر { لكي لا يعلمَ بعد علمٍ شيئاً } ...
    فإن أيَّ متأملٍ لتعريف الهويةِ لتعريف الذات ..... يذل ويطامن ... وينمحي منه الكِبرُ والشموخ والأنفة ... بل على العكس ... لن يعاند ... لن يخاصم ... هذا علاوة على عدم وقوعِه في شركِ التخمينات وإضاعةِ الوقت بها فيما يتعلق بنشأته ... وبنظرياتٍ ما أنزل اللهُ بها من سلطان ... لا تغني عن الحق شيئاً، ثم يضعه أمامَ حقيقتِه الثابتة التي ذكرناها سابقاً في الحلقات الماضية ... بأنه المخلوقُ المكرّم على سائر المخلوقات ... وأن اللهَ أسجدَ إليه ملائكتَه ... متمثلاً في شخص أبيه آدم عليه السلام ... وقد شرّفه الله بالخلافةِ ليقومَ ببنيان الحضارةِ على أسسِ العدالة ...


    وقلنا أنه الكائن الوحيدُ الذي شرّفه الله بالعقل والتفكيرِ والقدرة على إدارةِ الأمور قال تعالى: { وعلم آدمَ الأسماءَ كلها }، نعم علمه الله كلَّ الأسماء { ثم عرضهم على الملائكةِ فقال أنبئوني بأسماءِ هؤلاء إن كنتم صادقين قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم }، وقال تعالى: { علم الإنسان ما لم يعلم } ... وقال أيضاً { ولقد كرّمنا بني آدم } ... وقال أيضاً: { وفضلناهم على كثيرٍ ممن خلقنا تفضيلاً } إذن ... فالله عزّ وجلّ عرّف الإنسانَ بقصةِ نشأته وأعلمه أنه مخلوقٌ تافه من حيث النشأة، قال تعالى: { هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً } ...

    فهو لا شيءَ بالنسبة حتى لوجودِه من ماءٍ مهين ... من تراب ... من طين لازب ... ثم عرّفه بأنه قد نفخَ فيه من روحه وأعلن أنه كرّمه ... ثم جمع بين الأمرين في قوله: { لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم .... ثم رددناه أسفل سافلين ... إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات } ... إلى اللقاء في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.



  8. #18
    موقوف
    تاريخ التسجيل
    Jan 2009
    الدولة
    السعودية
    المشاركات
    292
    معدل تقييم المستوى
    0

    Smile الأستاذ محمد بدرة على إذاعة صوت الخليج 19

    الحمد لله رب العالمين ... وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أعزائي المستمعين ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد ...



    فهذه الحلقة التاسعة عشر من برنامجكم: [التنمية البشرية بين المادية والروحانية] ..... وقد قلنا في الحلقة الماضية أن الإنسانَ في ذاتِه عبد مملوك لله تعالى خُلق من ضَعف، وينتهي إلى ضعف ... ولكنه نظراً للرسالةِ التي حمّله الله إياها يتمتعُ بصفاتٍ نادرة خصّه اللهُ بها...

    وعن ذلك قال تعالى: { إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً } ... أورث الله الإنسانَ العقلَ والتفكير، وسخّر له كثيراً من الحيوانات والمخلوقات ... وغرس في كيانه حبَّ الذات ... والأنانية ... حبَّ التملك ... حريةَ اختيار الأشياء ... زوده بالطاقة والقوة ... والتخطيطِ والترتيب ... والقدرةِ على اتخاذِ القرار بعكس ما تقتضيه الغريزة ... وهذا أمر لا يتوفر في باقي المخلوقات ... والواقعُ أن هذه الصفاتِ التي تمتعُ بها الإنسانُ هي فيوضاتٌ من صفاتِ الربوبية ... أنعم الله بها على الإنسان ... ليستعينَ بها على القيام بمهمته ... هذه المهمةُ هي في قوله تعالى: { هو أنشأكم من الأرضِ واستعمركم فيها } ...
    وحاصل هذه التبصرةِ والرؤية عن عنصر الحضارةِ الأبرز (الإنسان)؛ أن الإنسانَ الذي يعيشُ وهو لا يدركُ إلا ضعفَه وعجزَه وتفاهته وهوانَه، وهو أنه ... مع مرورِ الوقتِ يركنُ إلى الضعفِ والذل والهوان ... ويكون ضحيةً لأي طغيان ... ويستخفُ به الناس ... وتراهُ لا يعرف كيف ينقلُ نفسَه من حالِ ذلها هذا ... ذلك لأنه يعيش فيه ... في داخلِه ... وتراه عاجزاً ... عن القيامِ بأي خدمةٍ إنسانية ... وعاجزاً عن القيامِ بأي بنيانٍ حضاري ... يعيش على هامشِ الحياة ... وأيضاً من عاش ... وهو لا يعرفُ من ذاتِه إلا صفاتِ التكريمِ التي في كيانه ... وما يعطيه الحقَّ بأن يبسطَ نفوذه وسلطانَه على كل ما حوله وما دونه ... حريٌّ به أن يسكرَ بنشوة تلك الصفاتِ التي هي فيوضاتٌ من صفاتِ الربوبية ... ثم يبسطَ قهرَ ربوبيته الزائفة على سائر المستضعفين ... وهنا يكمنُ التطرُفُ في حالة الإنسانِ الأول ... إلى الذلِّ والمهانة ... والخضوعِ، وفي حالة الإنسانِ الثاني إلى الصلفِ والتجبُّر. وانطلقتِ القصةُ كلها من أنه لم يفهمْ هويتَه بشطرَيها الأرضي والعلوي ... وبالتالي لن يعيَ مهمته الحضارية الملقاةَ على عاتقه ... ونلاحظُ أن القَصصَ القرآني كثيراً ما ذكر هذه الحالة الإنسانية ... قال معبراً عن حالةِ فِرعونَ وكبْرِه وحالِ قومه معه: { فاستخفَّ قومَه فأطاعوه } ... فهو يرسمُ صورةً لاستخفافِ فرعونَ بالناسِ وتكبرِه عليهم ... وذلك لشعوره بتكريمِه ... وعدم الانتباهِ للشطرِ الأول من حقيقتِه التي تتمثلُ بتفاهته وضعفِه ... وكذلك قومُه يرسمون صورةً أخرى أطاعوه من خلالها ... هي استشعارُهم لحقيقةِ ضعفهم ومهانتهم ... وعدم انتباهِهم للشطر الثاني من حقيقتهم التي تتمثلُ بتكريمِ الإنسان ... وفيوضاتِ صفات الربوبية التي متّعه الله بشيءٍ منها ... فما فسدت هذه الأرضُ يوماً بسببِ كوارثَ طبيعيةٍ ... ولا بسوءٍ ألمَّ بها من هياجِ الحيواناتِ والوحوش ... وإنما استشرى بها الفساد ... يوم تاه بنو آدم عن هويتهم بشقّيها ... فتألّه الأقوياء ... وذلَّ الضعفاء ... وخرج بذلك كل فريقٍ عن حدودِ إنسانيته، الأول نحو التعالي والتجبرِ على الأرض ... والعتوِّ والطغيان ... والثاني نحو الخنوعِ والخضوع وتقبلِ الهوان ... فتقطعت سبلُ التعاون ... وظهرتِ الحروب ... وكثرتِ الضغائنُ بين الناس ... وكثرَ الحسدُ والحقد وهكذا دائماً في الماضي ...

    والحاضر ... وفي المستقبل ... في الغرب ... والشرق ... وفي الشمال والجنوب ... هكذا دائماً هي قصةُ الفساد ... يتعددُ شكلُ الفسادِ ويتنوّع ... إلا أن جذورَه هي هذا الضياعُ عن الهوية ... إذن أول تنميةٍ بشرية كانت للجيلِ الذي بنى وأسس للحضارةِ الإسلامية ... كانت تعريفَه بهويته، وإلى اللقاء في الخلقة القادمة إن شاء الله تعالى، واسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    http://annajah.net/arabic/show_article.thtml?id=3048



  9. #19
    موقوف
    تاريخ التسجيل
    Jan 2009
    الدولة
    السعودية
    المشاركات
    292
    معدل تقييم المستوى
    0

    Smile الأستاذ محمد بدرة على إذاعة صوت الخليج 20

    الحمد لله وحده ... والصلاة والسلام على من لانبي بعده ... وعلى كل مؤمن اتبع هديَه. أعزائي المستمعين ... إخوتي وأخواتي ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد ...



    فهذه الحلقة العشرون من حلقات برنامجكم: [التنمية البشرية بين المادية والروحانية] ..... وقد شرحنا في المرةِ الماضية كيف عرّف القرآنُ الكريم الإنسانَ بهويتِه ... كيف كانت تنميتُه الفكرية المعرفية عن الإنسانِ وهويته .... ولننتقلِ اليوم إلى تعريفِ العنصر الثاني من عناصرِ الحضارة، وهو الحياة ... والتي نعبّر عنها عادةً بالعمُر ... ومن المعلوم أن أشدَّ ما يتعلق به الإنسانُ من دنياه إنما هو عمرُه ... أي حياته التي يتعلق بها ... والإنسانُ يعمل ويكدحُ في سبيلِ رزقٍ أو بناءِ دارٍ أو من أجلِ كساء ... أو التلذذِ بطعام ... كلُّ ذلك يعدّ سبباً للعناية بعمرِه وحياتِه ... بغية أن يبقيَ على حياته أكبرَ قدرٍ ممكن ... قال تعالى: { وجاءت سكرةُ الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد }...



    والواقع أن الحياةَ أقدسُ رأسِ مالٍ يملكه الإنسانُ على الإطلاق ... فالغريزة منطبعة على حبِّ البقاءِ في أصل النفس الإنسانية ... وخلقَ الله الحركاتِ المنعكسة اللاإرادية لتأمينِ المزيدِ من الحمايةِ للحياة الإنسانية كالحركة الانعكاسية التي تعملُ بدون أي قصد ... فعرّف القرآنُ الإنسانَ على حقيقةِ العمرِ الذي يتمتعُ به من حيث البدايةُ والنهاية ... والأحداث التي تنتظر الإنسانَ بعد الحياة ... فبعد جوهرِ الإنسان يأتي أهمية الحياةِ أو العمر الذي هو رأسُ مال الإنسان، قال تعالى: { إنما الحياة الدنيا لعبٌ ولهو ... وزينة وتفاخر بينكم ... وتكاثرٌ في الأموال والأولاد } ... ويقول أيضاً: { لا يغرّنك تقلبُ الذين كفروا في البلاد متاعٌ قليل ثم مأواهم جهنمُ وبئس المهاد }، ويقول أيضاً: { قل متاع الدنيا قليل والآخرة خيرٌ لمن اتقى ولا تظلمون فتيلاً }، ويقول أيضاً: { ولكم في الأرضِ مستقرٌّ ومتاع إلى حين }.



    فيسلط الضوءَ كثيراً عن تفاهةِ هذه الحياة الدنيا ... وصغرِها وقصر طولِها، يقول تعالى: { ويوم يحشرهم كأنْ لم يلبثوا إلا ساعة من نهار }، ويقول تعالى: { كلا بل تحبون العاجلة } ... كل ذلك تعريفٌ على تفاهةِ هذه الدنيا ... وقصرها ... ولو بقي القرآنُ لا يذكرُ إلا هذا الجانبَ من الحياةِ الإنسانية ... ولا يعترفُ إلا بهذا الجزء منها ... لكان الإنسانُ لا يقيم وزناً لحياته ... ولا يهتم بساعاتِ عمرِه ... الذي يمر به، ولكان الإنسانُ لا يرعى حياتَه ... مادامت بهذه التفاهة ... وربما فكّر بإنهائها والخلاصِ منها ... وربما قال ما ينتجُ عن التافه من الأمور هو تافهٌ أيضاً ... لكنِ القرآنُ لم يقتصرْ على هذا الجانب، بل عرّف الحياة الإنسانية: { من قتل نفساً بغير نفس فكأنما قتل الناسَ جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً }، وقال أيضاً: { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة }، وقال أيضاً: { من عمل صالحاً من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ فلنحيينَّه حياة طيبة } ... وقال أيضاً: { ولكم في القصاصِ حياةٌ يا أولي الألباب }، { ولا تنس نصيبَك من الدنيا وأحسنْ كما أحسن الله إليك } ... بل أكثر من ذلك، فقد رخّصَ الله للإنسانِ للحفاظِ على حياته عند الإكراه ولو أدّى به أن ينطقَ كلمة الكفر: ( ... إلا من أكره وقلبُه مطمئنٌ بالإيمان } ... وحذّره بأن يزهقَ روحه مهما كانت المخاطرُ والبلاءات التي به، ولا يجوز له أن يقدِم على الافتخار ... كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم.



    والحقيقة أن المعنى الأول ... الذي يشيرُ إلى قصرِ الحياةِ وتفاهتها هو الذي ينبِّه إلى المعنى الثاني ... أن الحياة هي رأسُ ماله الذي عليه استثمارُه، وأن معنى الحياةِ الطيبة هو الذي ينبهُه لكي لا ينفرَ منها ولا يتعلقَ بها ... فلو لم يعرّفِ الإنسانَ ضالةَ الحياة التي يمرُّ بها لما أفادَه شيئاً علمه بأنه رأسُ مالٍ عظيم متّع اللهُ به الإنسان ... ولو لم يفهمْ أيضاً معنى القدسيةِ فيها وحرفتَها لما فهمَ من معاني تفاهتِها سوى التخلصِ منها لأي ضيقٍ يصيبُه أو محنةٍ تنزلُ به، وإلى اللقاء في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    http://annajah.net/arabic/show_article.thtml?id=3049



  10. #20
    مشرف عام المدربون المعتمدون
    تاريخ التسجيل
    Oct 2007
    الدولة
    سوريا
    المشاركات
    229
    معدل تقييم المستوى
    15

    Smile الأستاذ محمد بدرة على إذاعة صوت الخليج 21

    الحمد لله رب العالمين حمداً طيباً مباركاً فيه ... ملء السموات وملء الأرضين ... والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه. أعزائي المستمعين ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد ...



    فهذه الحلقة الحادية والعشرون من حلقات برنامجكم: [التنمية البشرية بين المادية والروحانية] ..... وقد ذكرنا في الحلقة الماضية أن تعريف القرآنِ التنموي لحقيقة هذه الحياة ... ولجناحَي هذه الحقيقة ... أن الحياةَ تافهة قصيرة ... وبنفسِ الوقت هي رأسُ ماله الذي يقدِم بها غداً على الله تعالى ... فكان من نتيجةِ هذه الرؤية المتكاملة ... لا المتشاكسةِ كما يظن الناظرُ بشكل سطحي ... كان من نتيجة ذلك أن رسم من تلقَوا هذه التنمية واصطبغوا بها من الرعيل الأول ... رسموا حضارة إنسانية مثلى ... الخنساء شاعرة من شعراءِ العرب منذ الجاهليةِ قبل الإسلام، فراحت تملؤ الدنيا صراخاً وعويلاً ونحيباً لفقدها أخيها ... وراحت تندبُ وتحزن عليه وحدّثت نفسَها بالانتحارِ، وقالت:

    ولولا كثرةُ الباكين حولي على إخوانهم لقتلتُ نفسي



    فلما شرّفها الله بالإسلام ... وأقبلتْ إلى القرآنِ تُصغي ... وتتعرّف على حقيقةِ الدنيا بشطريها كما قلنا، وأنها معبَرٌ لمستقر ... وكان لها أربعة أبناء ... فلما كانت حربُ القادسية ... دفعتْ بهم جميعاً إلى المعركةِ وقالت لهم توصيهم: ( يا بَنيَّ ! إنكم أسلمتم اللهَ طائعين، وهاجرتم مختارين، واللهِ الذي لا إله إلا هو إنكم لبنو رجلٍ واحد وامرأةٍ واحدة، ما خنتُ أباكم ولا فضحت خالكم، وقد تعلمون ما أعدّ الله للمجاهدين، امضوا إلى قتال عدوكم مستبصرين، وبالله على أعدائه مستنصرين ) .... وبعد أنِ انجلت غبارُ المعركة؛ جاءها النبأ بمقتل واستشهادِ أبنائها الأربعة ... فكيف استقبلتِ الخبر ؟!! تلك التي ملأتِ الدنيا عويلاً على مقتلِ أخيها صخر .... لم تزد على قولها: ( الحمد لله الذي شرّفني بقتلهم جميعاً، وأرجو اللهَ أن يجمعني بهم في مستقر رحمته ) .... وهكذا كان حالُ جميعِ الذين ضحَّوا بحياتهم من أجل المثل القدسية العليا ... وهذا سر اللغز في الفتح واستبسال المسلمين فيها ... فاستبسال المسلمين في القتال من أجل الهدف الأكبر الذي تم اليقين به ... على حين أن مصدر استبسال عدوهم ... لم يكن إلا حرصهم على تلك الحياة وشدة تعلقهم بها .... والخوف على ما استمرؤوه من نعيمها ولذائذها ... وشتان بين من يقاتل مستهينا بالحياة وما فيها ... ومن يقاتل متعلقا بالحياة ومتاعها وهكذا تمت تنمية ذلك الجيل ...



    بدؤوا بداية فصححوا مفاهيمهم المغلوطة عن معنى الحياة الدنيا ... بعد أن صححوا مفهومهم حول ذواتهم ...وبدؤوا يتعاملون مع هذه المفاهيم على وهم ... كما قال تعالى عن أولئك الذين لم يعوا هذه الحقائق ( يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا)... صورة مقابلة أخرى في حالة أخرى واحد من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمه عمران بن حصين رضي الله عنه ... أصاب هذا الصحابي مرض ألزمه الفراش اثنين وثلاثين سنة... وأي فراش إنه قد اضطجع لمرض الم به في ظهره على سرير من سعف النخيل ... جريد النخل... ضجعة واحدة اثنين وثلاثين سنة لا يتحرك قبيل وفاته دخل عليه أخوه العلاء ...فبكى العلاء فبكى العلاء عندما رأى أخاه عمران... فقال عمران المريض المصاب للعلاء ما الذي يبكيك يا أخي ... قال هذه الحالة التي أنت عليها منذ أكثر من ثرثين سنة ... وقد أصبح مهزولا ضعيفا مجموعة عظام يغطيها الجلد... فأجابه عمران ... إن أحبه إلى الله أحبه إلي أليس الله هو الذي اختار لي هذه الحالة ... إذن أنا صابر بل أنا شاكر لم يكن ضجرا من هذه الحياة التي يحياها ... لم يكن مكتئبا بل قال (إن أحبه إلى الله أحبه إلي) ... ما الذي يجعل عمران بن حصين يضن بحياته ... يصبر رغم كل الصعوبات ... فهمه لحقيقة الحياة ... الخنساء تضحي بحياة أولادها الأربعة ... وعمران يعانق الحياة كأنه شاب في ريعان شبابه ... هذا ما يورثه فهمهم للحياة الدنيا ... حقا الدنيا مزرعة الآخرة أو كما قال صلى الله عليه وسلم ... وإلى اللقاء في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


    http://annajah.net/arabic/show_article.thtml?id=3051



صفحة 2 من 5 الأولىالأولى 1234 ... الأخيرةالأخيرة

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 110 111 112 113 114 115 116 117 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 144 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 177 178