الامر الثاني :

أن نعلم أن أعظم مفاتيح الخير وأجلّها على الإطلاق توحيد الله جلّ وعلا وإخلاص الدين له سبحانه وتعالى والتوحيد هو مفتاح كل خير وهو مفتاح الجنة وقد جاء في حديث راوه الإمام أحمد رحمه الله في مسنده عن معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" مفتاح الجنة لا إله إلا الله " وهذا الحديث في سنده مقال لكن معناه حق صحيح لا ريب فيه وله شواهد كثيرة ودلائل عديدة في سنة النبي صلى الله عليه وسلم لا أطيل بذكرها لكن من أوضحها ما خرجه البخاري ومسلم من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" ما من عبد يتوضأ فيبلغ الوضوء أو فيسبغ الوضوء ثم يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء " فالتوحيد مفتاح الجنة ومن لم يأتي بهذا المفتاح الذي هو التوحيد لا يدخل الجنة ولهذا قال الله سبحانه وتعالى عن الكفار : (( لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط )) الجنة لا يمكن دخولها إلا بالتوحيد وقد قال عليه الصلاة والسلام :" لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة " ، ولا إله إلا الله هي كلمة التوحيد وهي مفتاح الجنة كما تقدم لكن هذا المفتاح لا يتحقق عمله ولا يتحقق دخول العبد الجنة به إلا إذا حقق شروط هذه الكلمة ولهذا ذكر الإمام البخاري رحمه الله تعالى في كتابه الصحيح عن وهب بن منبه وهو من العلماء التابعين أنه سئل ، قيل له أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة ؟ قال : بلى ولكن ما من مفتاح إلا وله أسنان فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك وإلا لم يفتح . مشيرا بذلك إلى شروط لا إله إلا الله التي لا ينتفع بلا إله إلا الله إلا إذا حققت وأتي بها كما جاءت في كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وهي شروط سبعة ذكرها أهل العلم وبسطوا أدلتها في كتب التوحيد لا أطيل بشرحها لكنها : العلم بمعناها نفيا وإثباتا المنافي للجهل ، واليقين المنافي للشك والريب ، والصدق المنافي للكذب ، والإخلاص المنافي للشرك والرياء ، والمحبة المنافية للبغض والكره ، والإنقياد المنفي للترك ، والقبول المنافي للرد علم يقين وإخلاص وصدقك مع محبة وإنقياد وقبول لها والشيخ العلامة حافظ الحكمي رحمه الله في منظومته المستطابة سلم الوصول جمع هذه الشروط في أبيات جميلة وشرحها شرحا وافيا قال رحمه الله : وبشروط سبعة قد قيدت وفي نصوص الوحي حقا وردت فإنه لا ينتفع قائلها بالنطق إلا حيث يستكملها العلم واليقين والقبول والإنقياد فادري ما أقول والصدق والإخلاص والمحبة وفقك الله لما أحبه . فإذا هذه الكلمة العظيمة كلمة التوحيد التي هي مفتاح الجنة يجب على من أراد أن يكون مفتاحا للخير على نفسه وعلى الآخرين أن يحقق التوحيد لله .وأن يحقق الإخلاص لله جل وعلا وأن يكون مبتغيا في عمله وطاعاته وقرباته كلها وجه الله عزّوجل يتقرب إلى الله بعبادته ويتقرب إلى الله عزّوجل بالإحسان إلى الناس وطيب المعاملة لهم ( إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا )) يعمل الأعمال ويأتي بها لا يريد بها إلا نيل ثواب الله عزّ وجل وطلب موعوده العظيم الذي أعده الله تبارك وتعالى لعباده المخلصين هذا الأمر الثاني من الأمور .

الأمر الثالث :

العلم النافع المستمد من كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم العلم أساس لابد منه ليكون العبد مفتاحا للخير، ومن لم يكن عنده علم نافع كيف يميز بين مفاتيح الخيرومفاتيح الشر كيف يميز بين الحق والباطل كيف يميز بين السنة والبدعة كيف يميز بين الهدى والضلال كيف يتقي باطلا وهو لا علم له وقد قيل قديما كيف يتقي من لا يدري ما يتقي ،ولهذا من أراد لنفسه أن يكون مفتاحا للخير فاليحرص على العلم النافع وقد جاء في حديث رواه البيهقي في سننه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من غدا يطلب علما يتعلمه فتح الله له به بابا إلى الجنة " والحديث في سنده مقال لكن يغني عن ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي الدرداء وغيره أنه عليه الصلاة والسلام قال :" من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة " وهو بمعنى الحديث السابق . من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة فمن أراد لنفسه أن يكون مفتاحا للخير عليه أن يحرص على العلم النافع ويعتني به عناية دقيقة وقد سمعنا فيما تلاه الشاب النبيل في القراءة التي في مقدمة هذه الكلمة قول الله عز وجل ( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة )) والبصيرة هي العلم النافع فمن لم يكن عنده علم نافع كيف يميز بين حق وباطل وهدى وضلال (( أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أم من يمشي سويا على صراط مستقيم )) (( أفمن يعلم أن ما أنزل إليك من ربك الحق كمن هوأعمى إنما يتذكر أولو الألباب )) (( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون )) فالعلم أساس عظيم وأصل كبير في هذا الباب لابد أن يعتني به العبد ليكون بذلك من مفاتيح الخيرمغاليق الشر، وعندما لا يكون العبد متحليا بالعلم ربما دخلت عليه أمورا كثيرةهي من الضلالات والبدع والأهواء وهو يحسب أنه يحسن صنعا ولا أطيل في بيان ذلك لكن أروي فيه قصة مشهورة رواها الدارمي بإسناد حسن وهي قصة النفر الذين اجتمعوا في المسجد وقام عليهم رجل يقول سبحوا مائة فيسبحون ، هللوا مائة فيهللون فوقف عليهم عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وقال : لقد فتّم أصحاب محمد علما أو أنكم مفتتحوا باب ضلالة إحدى أمرين إما أن عندكم علم أفضل من علم الصحابة أو إنكم قد افتتحتم باب ضلالة فماذا قالوا ؟ قالوا : والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير قال : وهل كل من أراد الخير أدركه إذا لا يدرك الخير إلا من عرف الخيرإلا من عرف العلم إلا من عرف الحق إلا من عرف السنة ، ولعلي أختم هنا هذا الأمربما جاء عن عبد الله ابن مسعود نفسه رضي الله عنه قد رواه الإمام أحمد في مسنده قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم علم فواتح الخيروخواتمه وجوامعه إذا إذا أرادت أن تكون مفتاحا الخير فتعلم مفاتيح الخير وخواتم الخير وجوامع الخير التي اشتمل عليها كلام أهل الخير وقدوة الخير محمد ابن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه .