كيف تكون مفتاحا للخيرمغلاقا للشر

لفضيلة الشيخ عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر حفظه الله

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرورأنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه أجمعين .

أما بعد :
روى ابن ماجه في سننه ، وابن أبي عاصم في السنة وغيرهما من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" إن من الناس ناس مفاتيح للخيرمغاليق للشر، وإن من الناس ناس مفاتيح للشر مغاليق للخير فطوبى لمن جعل الله مفتاح الخيرعلى يديه وويل لمن جعل الله مفتاح الشر على يديه " وهذا الحديث العظيم له نظائر كثيرة في سنة النبي صلى الله عليه وسلم تؤكد على معناه وتقررمدلوله ومضمونه منهاعلى سبيل المثال ما خرجه الترمذي رحمه الله في سننه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال مرّالنبي صلى الله عليه وسلم على نفر جلوس فقال :" ألا أنبؤكم بخيركم من شرّكم فسكت القوم فأعادها النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثا فقالوا بلى يا رسول الله أخبرنا بخيرنا من شرنا فقال صلى الله عليه وسلم :" خيركم من يرجى خيره ويؤمن شره وشركم من لا يرجى خيره ولا يؤمن شره " ونظير أيضا هذا الحديث حديث أبي موسى الأشعري في الصحيحين وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" مثل الجليس الصالح ومثل الجليس السوء .." وهو حديث مشهور يأتي ذكره في موضعه من هذه المحاضرة . معاشر الإخوة الكرام ، إن كل مسلم حريص على سعادة نفسه ، وفلاحها وفوزها في الدنيا والآخرة عندما يسمع هذا الحديث العظيم أعني حديث أنس وكذلك أشباهه من الأحاديث الدالة على مضمونه لا شك أن قلبه يتحرك شوقا وطمعا وتهتز نفسه رغبة في أن يكون من مفاتيح الخير وأن لا يكون مفتاحا للشر لا شك أن هذا المطلب لدى كل مسلم ، ما من مسلم إلا ويحب لنفسه أن يكون مفتاحا للخير ، وأن لا يكون مفتاحا للشريحب لنفسه أن يكون من أهل طوبى لا أن يكون من أهل الويل ، وهوالعقاب الشديد والنكال الأليم الذي أعده الله تبارك وتعالى لمفاتيح الشر مغاليق الخير، والنفس أيها الإخوة عندما تتوق لهذا الأمر وتطمع فيه لابد من مجاهدتها لتحقيق الأسباب وإيتيان بمقاصده وغاياته حتى يكون العبد مفتاحا للخير مغلاقا للشر فعلا ، وواقعا ،وعملا ،وتطبيقا ولا يكفي في ذلك مجرد التمني أو مجرد التحلي بل لابد من فهم لحقيقة الأمر وقيام به على التمام والكمال مع طلب العون في ذلك واللّجوء الكامل في تحقيق ذلك إلى الله سبحانه وتعالى . ثم أيها الإخوة نأتي إلى الشروع في المقصود ألا وهو كيف تكون مفتاحا للخير؟ الحديث عن هذا السؤال الكبير العظيم المهم الذي نحتاج إليه جميعا يكون في نقاط عديدة لعلها تجمع أطرافه أو مهماته وربما نبدأ ببعض الأمور لكن ما سأسيرإليه من نقاط عديدة في هذا الباب هي أبرز ما يكون في هذا الموضوع العظيم ألا وهو كيف تكون مفتاحا للخير وسأعرضها في نقاط مرتبة واحدة تلو الأخرى .

الامر الأول :

أن نعلم وكلنا نعلم ذلك أن الفتّاح هو الله سبحانه وتعالى وهو جلّ وعلاّ خير الفاتحين والفتّاح اسم من اسمائه جلّ وعلا ويجب على كل مسلم آمن بالله عز وجل وآمن بأسمائه الحسنى ومنها اسمه تبارك وتعالى الفتّاح أن يحسن التقرب إلى الله تبارك وتعالى والتعبد له بأسمائه عملا بقوله (( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها )) ودعائه تبارك وتعالى بأسمائه الذي أمرنا به يتناول دعاء العبادة ودعاء المسألة ، يتناول دعاء العبادة بفهم الإسم ومعرفة مضمونه واثبات الصفة التي دل عليها الاسم ومن ثم تحقيق التعبد والتقرب إلى الله تبارك وتعالى لما يوجبه ويقتضيه الإيمان بالاسم ، واسم الله تبارك وتعالى الفتّاح هذا الإسم العظيم قد ورد في القرآن العظيم في موضعين الأول قول الله سبحانه وتعالى في ذكر دعاء شعيب عليه السلام : (( ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين )) والموضع الثاني في قوله تبارك وتعالى (( قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو خير الفاتحين )) واسمه جلّ وعلا الفتاح يدل على ثبوت صفة الفتح له جلّ وعلا وهذه الصفة العظيمة تتناول معالم ذكرها أهل العلم هي مدلول هذا الاسم ألا وهي تبارك وتعالى فتحه بين عباده بشرعه وفتحه جلّ وعلا بين عباده بجزاءه وفتحه تبارك وتعالى بين عباده بأحكامه القدرية قال تعالى ( ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم )) فهو تبارك وتعالى الفتّاح ولهذا الخطوة الأولى في هذا الباب أن يلجأ من أراد لنفسه أن يكون مفتاحا للخير إلى الفتّاح سبحانه وإلى خير الفاتحين جلّ وعلا متوسلا إليه متدللا بين يديه طامعا في نواله جلّ وعلا صادقا معه سبحانه والله عز وجل لا يخيب عبدا ناداه ولا يرد مؤمنا أمل فيما عنده ورجاه جل وعلا فهذه الخطوة الأولى الفتح كله من الله جل وعلا فتحه عليك بالعلم النافع فتحه عليك بالعمل الصالح فتحه عليك بالأخلاق الفاضلة كما قال بعض السلف قال : إن هذه الأخلاق وهائب وإن الله تبارك وتعالى إذا أحب عبده وهبه إياها والله عز وجل قسم بين العباد الأخلاق ، والأرزاق والأعمال والأعمار وكل شيء منه جلّ وعلا ولهذا يكون الأمر الأول في هذا الباب اللّجوء الكامل إلى الله عز وجل لا يمكن أن تنال علما أو تكسب فهما أو تحقق خلقا أو تقوم بعبادة أو غير ذلك من الأمور إلا إذا فتح الله لك . وكم هو جميل هنا كلمة قالها مطرّز ابن عبد الله ابن الشخير من العلماء التابعين رحمه الله تعالى قال كلمة عجيبة قال : لو أخرج قلبي وجُعل في يساري وجيء بالخيرات كلها وجُعلت في يميني لم أستطع أن أجعل شيئا من هذه الخيرات في قلبي إلا أن يكون الله الذي يضعها . فالأمر بيد الله تبارك وتعالى من قبل ومن بعد ولهذا أحيانا يسمع الإنسان مواعظ ،وأشياء نافعة جدا له في دينه ودنياه ويسمع من أبواب الخير وأبواب البر وأبواب الفلاح ولكن نفسه تجنح وتجمح ويقل منه العمل والعطاء والتوفيق بيد الله لا حول ولا قوة إلا به جلّ وعلا .