من لا يعرف المدرب العالمي كين بلانشار نقول له إنه صاحب أكبر شركات التدريب في العالم، ومؤلفا لاثني عشر مؤلفا في علم الإدارة والتدريب وهي من أكثر الكتب مبيعا في العالم، وقد ترجمت إلى خمس وعشرين لغة على رأسها كتابه الشهير " مدير الدقيقة الواحدة" .



لقد دارت كتب بلانشار على فكرتين أساسيتين شكلتا خلاصة خبرته ومسيرته العملية والعلمية هما :



1. فاجئ موظفيك متلبسين بعمل إيجابي وكافئهم عليه.

.2 تجاهل أعمالهم السلبية ولا تعلق عليها.



ولكل من هاتين الفكرتين دور محدد في تدريب البشر. فالفكرة الأولى تؤدي أوتوماتيكيا إلى تثبيت العمل الإيجابي في بيئة العمل وتأكيد حرص الموظفين على تكراره. وتؤدي الفكرة الثانية إلى تقليص دور الأعمال السلبية في بيئة العمل. كما تؤكد عدم انشغال الإدارة بها.



فكين بلانشار لم يسبق له أن زار السيرك من قبل. فكان يعتقد أن السيرك هو مجرد مكان خاص بالترفيه والتسلية لا غير. ولذلك لم يقبل الدعوة لزيارته إلا على مضض. وقبل الذهاب إلى السيرك مكرها كان منشغلا بفكرة جديدة يضمنها كتابه الجديد حول التدريب. ولم يكن يعلم أن هذه الزيارة المكرهة للسيرك هي من ستقذف بالفكرة في رأسه بل ستكون هذه الزيارة هي نفسها موضوع الكتاب الجديد.


فكان أعظم اكتشاف أثناء زيارة السيرك هي الأشياء الكثيرةالمشتركة بين تدريب الحيتان في السيرك وتدريب الناس في قاعات التدريب.


فإذا كان بلانشار قد أسس كتبه أو مشروعه العلمي على فكرتين اثنتين فقط. فإن زيارة السرك ستكون سببا مباشرا لإضافة الفكرة الثالثة والتي هي: التحويل redirection وتعني تحويل الطاقات التي تستخدم في الأعمال السلبية لتستخدم في الأعمال الإيجابية.




هذه هي الفكرة الجديدة التي رآها تطبق من طرف المدربين في السيرك.
جلس بلانشار دون حراك، كأي متفرج عادي يشاهد العرض الذي تقدمه الدلافين والحيتان. ولم يخف انبهاره بقفزاتها الرائعة والاستعراضات المدهشة التي كانت استجابة لمجرد إشارة من طرف المدرب. وعند انتهاء العرض استغرق كين في تفكير عميق متسائلا: " كيف تمكن المدرب من إقناع هذه الحيتان المفترسة بأداء هذه الحركات المنظمة؟"




تسمر بلانشار في مكانه باحثا عن جواب. وبقي وحيدا في المدرج يرقب المدرب وهو يطعم الحيتان والدلافين مكافأة لها على أدائها المتميز. وهنا قفزت الفكرة إلى ذهنه فكرة الكتاب الجديد. فاقترب من المدرب وأخرج من جيبه ورقة من فئة مائة دولار وقال له:



سأعطيك هذه النقود إن أخبرتني بالسر؟

فنظر إليه مدربالحيتان باستغراب قائلا: أي سر؟



فقال كين: السر في أن هذه الحيتان تفعل ماتأمرها به. هل تسيطر عليها بشحنات كهربائية أم تتركها تجوع إذا لم تنفذ ما تريده منها ؟؟؟..أم أنك.. فقاطعه المدرب فورا بغضب قائلا: أعد هذه النقود إلى جيبك فأنا لاأستخدم هذه الأساليب في تدريب حيتاني.


فاستدرك بلانشار سوء التصرف واعتذر وعبربأنه لا يقصد الإساءة وإنما هو متخصص في تدريب الموظفين. وتشغل باله فكرة كتاب جديد وعبر عن اعتقاده في أنه وجدها هنا في السيرك وبالضبط عند مدرب الحيتان..وبلباقة طلب المساعدة من مدرب الحيتان.

وكان الدرس الأول



بعدما ابتسم مدرب الحيتان أو كاد ينفجر من الضحك قال: حسنا، في البداية عليك أن تعرف أن التدريب بالإكراه والعنف لا يؤتي ثماره مع الحيتان. فالحوت يستطيع أن يفترس مدربه في لحظة. والعنف لايؤدي سوى إلى الخوف. والخوف يشل حركة الحوت. فإذا شعرت الحيتان بالخوف فلن تؤدي أيامن الاستعراضات التي رأيتها اليوم.


ففهم بلانشار أن أول خطوة في التدريب الحقيقي هي إزالة الخوف.

ثم بادر بلانشار بسؤال آخر قائلا:" ماذا إذن لو أخطأ الحوت ولم يتعلم الدرس أو لم يؤد الحركات التي تريد تلقينها له؟ ألا تعاقبه؟


ضحك المدرب قائلا: فلتجب أنت عن هذا السؤال. هل ترى أن الحوت مثلا، وأشار إلى أحد الحيتان الضخمة في الماء. فتحرك حوت ضخم نحوه وفتح فاه. فقال أترى هذا الفك. تصور أن هذاالحوت أخطأ في تعلم الدرس الذي ألقنه له. فهل تعتقد أنني سأعاقبه أو أضربه مثلا. ثم أبقى معه في الماء لأعيد تدريبه؟ أعتقد أن أي شخص لديه قدر بسيط من الحكمة والعقل لن يفعل ذلك.




1.انقلاب تدريبي.



أسر بلانشار في نفسه بأنه يوشك أن يتعلم شيئا جديدا مما شجعه على هذا الحوار المفيد ولذلك استمر في طرح أسئلته فقال للمدرب: ماذا تفعل مع الحيتان التي لا تستجيب ولا تريد أن تتعلم؟




فأجاب: أنا لاأنظر للمسألة من هذه الزاوية. وأستغرب أنك مهموم فقط بالتعامل مع الذين لا يستجيبون للتدريب. يبدو أنكم يا مدربوا البشر تعملون في الاتجاه الخطأ. فأنتم تهدرون طاقاتكم وأوقاتكم في التعامل مع من لا يستجيبون للتدريب. وكأن فيكم رغبة خفية للتهرب من مسؤولية التدريب. أنتم تحاولون أن تداروا فشلكم في التدريب بمعاقبة من لا يستجيبون للتدريب. وبهذا الشكل تظنون أنكم تعطون العالم رسالة فحواها:" أننا كمدربين لم نفشل في التدريب، ولكن المتدربين هم الذين يفشلون،. وتخدعون أنفسكم بتصديق هذه الرسالة وذلك بتركيز جهودكم على وسائل معاقبة المقصرين"




شعر بلانشار بالحرج وحاول الدفاع قائلا: " أعتقد أن التعامل مع المقصرين بالنسبة لي كمدرب هي مسألة بحث عن منهج لتقويم السلوك ليس إلا، وهذا فرع من علم التدريب" وبدا على السيد كين أنه لم يكن مقتنعا بهذا الكلام تمام الاقتناع.
فبادره مدرب السيرك قائلا: "دعني أسألك: هل تبحث عن استراتيجية لمكافأة المتميزين، أم تبحث عن أساليب لمعاقبةالمقصرين؟"


2- بداية التغيير في الاتجاه الصحيح.



بداية التغيير أن كينبلانشار، مدرب البشر، تحول إلى متدرب وتلميذ عند مدرب السيرك ومروض الحيتان. وهويجد في ذلك حلاوة ومتعة التعلم ، وإن كان هو من هو في التدريب والخبرة والتجربة.
واستطرد مدربنا في طرح سؤال آخر قائلا: " وكيف إذن تدرب هذه الحيتان على أداء الحركات بالشكل المتميز الذي رأيته؟"

فأجاب: " عندما تأتينا حيتان جديدة لا ندربها على أية حركات. فما الذي سيجعل حوتا لا يعرفك يطيعك ويفعل ما تريده منه؟"




أجاب بلانشار بأن هذا صحيح ولكن يبقى السؤال هو إذن كيف يدربها علىالطاعة؟

مما جعل المدرب يسترسل في الجواب قائلا: ندربها على الطاعة عن طريق بناءالثقة. فالحوت يحتاج لأن يثق بك. فأنا لا أستطيع أن أدرب حوتا قبل أن أحظى بثقته أولا. ولبناء الثقة أنا لا أكلف الحوت بأية أعمال في البداية. كل ما هنالك هو أنني أصنع الفرص لتوطيد وبناء الثقة بيننا. أعوده أولا على أن يشعر بالأمان فلا أؤذيه ولا أضربه، حتى يقتنع."



فاستغرب بلانشار وسأل سؤالا غريبا وكأنه لم يفهم شيئا: يقتنع بماذا؟
فأجابه مدرب السيرك: يقتنع بأني لا أريد أن أؤذيه، وإنما أقصدالمحافظة عليه والاعتناء به. وبهذا يتخلى الحوت عن دفاعاته ضدي ومقاومته نحوي،ويبدأ في الاستجابة.

3- قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين.

فسأل بلانشار: وكيف تبدأ مرحلة استجابة الحوت وتطويع إرادته لما تريد؟
فقال مدرب الحيتان: " بعد بناء الثقة، أطعم الحوت بعناية وأتأكد من أنه شبعان قبل أن أقفز إلىالماء لألعب معه"
فعبر كين عن استغرابه حول مسألة اللعب هاته.
فأجابه المدرب: عندما يلعب الحوت معك ويحب أن يبقى بجانبك فإن هذه أول دلالة على أنه أصبح جاهزاليستجيب لما تريد منه. خلال جلسات اللعب يمكنك تدريب الحيوان على ألعاب جديدة في كل مرة. عليك فقط أن تقدم له مكافأة مناسبة في كل مرة يقوم فيها بحركة صحيحة، بحيث يفهم بأن هذه هي الطريقة التي تريده أن يتصرف بها. أما العقوبات. فهي محظورة تمامافي عملنا. لأنها تدمر الثقة التي استثمرنا الكثير في بنائها. نحن لا نتعامل إلا في المكافآت وحدها..المكافآت وحدها كفيلة بأن تجعل أعند الحيتان راغبا في التعلم والتدريب والأداء المتميز"

تابعوا بقية المقال .....