مع الأبناء ابنوا جسور التواصل البناء

تساؤلات تطرح نفسها في مجتمع أضحت فيه لغة والحوار و التواصل في الأسرة لغة شبه معدومة بين الآباء و الأبناء حيث أصبح اهتمام الآباء بأبنائهم اهتماما مادياً قائماً على توفير كل المتطلبات الحياة المادية من مأكل ومشرب و ملبس و رفد بالكماليات من تلفاز و جهاز نقال و انترنت و التي أصبحت في عصرنا الحالي مطلباً أساسياً مما أسهم في تفشي لغة الصمت و انعدام لغة الحوار حتى أصبح الحوار و التواصل في وقتنا الحاضر عملة نادرة ومن المؤسف أن نلمس اتساع فجوة الصمت لتكبر شيئا فشيئا مشيدة سوراً عالياً من أسوار العزلة يحول دون تواصل الآباء بأبنائهم .

و ها هي دوائر الاستفهام تفتح فوها تستغيث تتطلب إجابة و تلتمس منا لحظة صراحة نقف بها مع ذواتنا نحاسبها متسائلين من المسئول ؟

فبرأيكم من المسئول عن نشأة هذه فجوة الصمت هذه ؟ أهم الآباء أم الأبناء ؟ وهل بالإمكان ردم هذه الفجوة في وقت تتجاذب فيه أبنائنا تيارات عدة تلطم بهم في موج الانعزال والغياب ؟ و هل بإمكاننا هدم سور الصمت وبناء جسراً من الحوار الهادف و التواصل البناء ؟

فمن الملموس في عصرنا الراهن شكوى الآباء من صمت أبنائهم ؟ و اللجوء إلى أصدقائهم و إغلاق أبواب غرفهم و كأن البيت فندق من فنادق الدرجة الأولى يوفر لهم الطعام و الشراب و كل الخدمات الأساسية كما نجد تذمرهم من إدمان أبنائهم من الجلوس لفترات طويلة حول الانترنت و الماسنجر انشغالهم بالألعاب الالكترونية و الفضائيات.

و على الضفة الأخرى ترد إلينا استغاثة بعض الأبناء و لسانهم ينطق بحالهم حيث يتذمرون من تسلط آبائهم فهم لا يستمعون إليهم، ولا إلى مناقشاتهم، فيفرون من منهم بسبب لهجتهم و التي اصطبغت بصبغة الأمر الناهي حيث يفرضون عليهم آرائهم و يلغون ذواتهم متحكمين بقدراتهم و رغباتهم بحكم دورهم كآباء أو أمهات،...

أسرة تفتقرمطرقة و السندان نحصد أسرة تغيب عنها لغة الحوار ؟أسرة تفتقر إلى وسائل الاتصال ، فمن المسئول و من أسباب انعدام الحوار ؟ و هل للحوار و التواصل أهمية عظيمة تدفعنا للبحث عن حلول لهذه الأزمة التي بدأت تتفاقم في مجتمع طغت فيها الماديات ؟ و ما الحلول المقترحة و الوصايا التي تساعدنا في ردم فجوة الصمت و فتح نوافذ الحوار و أبواب الاتصال بين أفراد الأسرة ؟

بداية لا يغيب عن أذهاننا إن الحوار الأسرى من أهم وسائل الاتصال بين أفراد الأسرة فهو طريقة من طرق غرس المحبة و وسيلة من وسائل زرع المودة و الألفة و عاملاً أساسياً في تعزيز العلاقة الأسرية فعبر الحوار نتمكن من إزالة حواجز العزلة و كسر أسوار الوحدة ، و بناء جسور من الحب و التفاهم ، من شأنها أن تعمل على توطيد العلاقة الأسرية فمما لا شك فيه إننا بحاجة ماسة للتواصل مع أبنائنا فلذات أكبادنا و هم بحاجة إلينا للاستماع لهم وغرس الثقة في نفوسهم فالحوار دعامة أساسية من دعائم استقرار الأسرة و تماسكها و عاملاً أساسياً في بناء الشخصية المتوازنة للأبناء واللبنة الأساسية لبناء مجتمع إيجابي أفراده متحابين متعاونين منتجين لا يغيب عن أذهاننا إن دور الأب و الأم دوراً رئيسياً و مهماً في نشأة الحوار فهما اللذان يدفعان الأبناء نحو الحوار إما إيجابياً لاستخدامهم الحب والتفاهم و الحنان وسيلة للاتصال بأبنائهم أو سلبياً لاستخدامهم السيطرة و الشدة و الصرامة التنفير في معاملتهم مما يفرز العزلة و الانطواء و الصمت و بالتالي البعد عن محيط الأسرة و الانعزال عنها و التقوقع على النفس .

و من هنا أوجه رسالة لك عزيزي الأب عزيزتي الأم مؤكدة على إن الأسرة هي اللبنة الأولى في المجتمع وهي المسئولة عن التربية بكافة أنواعها و أشكالها و لكي تنجح الأسرة في تحقيق أهدافها لابد من أين يكون الحوار صادقاً هادفاً بناء قائماً على أسس و رؤى سليمة ولكي تنجح الأسرة في تحقيق أهدافها لابد من أن يكون هناك تفاهم بين أفرادها.

و في البدء سنتناول ما أسباب انعدام لغة الحوار بين أفراد الأسرة

من وجهة نظري أن من الأسباب الأساسية التي ولدت لغة الصمت بين أفراد الأسرة:-

- الحراك الاقتصادي و ما أفرزه من اختلاف في منهجية الحياة الاجتماعية الأسرية حيث إن عمل الأب و الأم و انشغالهما بطلب الرزق يستدعي غيابهما لساعات طويلة خارج المنزل ومن هنا يغيب الحوار فهو نتيجة حتمية لغياب الالتقاء الأسري.

- التطور التكنولوجي و المعرفي في و سائل الاتصال و التقنيات الحديثة من انترنت و ماسنجر وغيرها و التي تجذب اهتمام الأبناء حيث يقضون ساعات طوال بجانبها

- التسلط المباشر من الآباء واستبدادهم بآرائهم و سيطرتهم على أبنائهم و التدخل في رسم مستقبل أبنائهم.

هذه بعض الأسباب و حتما لديك عزيزي المتصفح أسباب كثيرة نضعها هنا حيث منبر الحوار الهادف

يؤكد علماء النفس على إن الحوار الأسري أهم وسائل الاتصال الفعالة والتي تحقق نتائج نفسية وتربوية ودينية واجتماعية وإيجابية و هو الوقود لإطفاء كل المشكلات بحيث يمثل الدعامة الأولى لتعز ثقة الأبناء بأنفسهم و السمو بذواتهم و تمكينهم من اتخاذ قراراتهم بكل قناعة و حكمة

و نظرا لأهمية الموضوع و رغبة في المساهمة في حل هذا الأزمة التي أخذت تتفاقم فإننا نضع هنا بعض الحلول و الوصايا و التي نأمل أن تساهم في حل هذه الأزمة كما نأمل منكم إخواني القراء أخواتي القارئات المبادرة بالمشاركة في طرح بوجهات نظركم و آرائكم من أجل التقليل من تلك الفجوة و إيجاد معبراً للتفاهم بين الآباء و الأبناء من أجل بناء أسرة سعيدة و إعداد جيلاً بناءّ و مساهمة في بناء مجتمع الخير و الرخاء و العزة العطاء مجتمع الإمارات فعليك أيها الأب السامي أيتها الأم السامية

- البعد عن التسلط و الاستبداد و جعل الكلمة الطيبة هي وسيلة التواصل فهي مفتاح كسب القلوب و هي حبل التواصل في كل الدروب فقد قال المصطفى عليه الصلاة و السلام : ( ما كان الرفق في شيء إلا زانه و ما نزع من شيء إلا شانه ) فليكن حديثكم مع أبنائكم حديثا طيبا كالعسل في مذاقه ينبض بالرفق و الكلمة الطيبة فما أروع آباء جعلوا سلطتهم على أبنائهم سلطة ديمقراطية ترتكز على النصح و الإرشاد و التوجيه بعيدة عن التسلط و الشدة و إصدار الأوامر يتيحون الفرصة للأبناء للتعبير عن ذواتهم و رغباتهم دون خوف أو تردد لتثمر علاقتهم الأسرية بالحب و التفاهم بين أفراد الأسرة

- أيها الأب أيتها الأم عليكم الاحتراس من النقد المباشر للأبناء و الذي يتخذ التجريح و التهكم و السخرية قالبا له فلتتجنبوا انتقادهم و توبيخهم بشكل مباشر و ليكن النصح و الإرشاد و التلميح منهجكم .

- أيها الآباء أيتها الأمهات امنحوا أبنائكم الفرصة للتعبير عن رغباتهم و أطلقوا العنان لهم لاختيار تخصصاتهم في مجال الدراسة و العمل و التي تجعلهم مسئولين عن أقوالهم وأفعالهم، و اتخاذ قراراتهم و أن استدعى الأمر منكم التدخل فلتكونوا ناصحين و موجهين ومرشدين.

- أيها الآباء اجعلوا الجو المحيط بأبنائكم جوا وديا دافئا بعيدا عن التسلط و الشدة و الصرامة؛ جوّا يسوده فهم المشاعر وتقديرها وتنميتها، و الإنصات لحديثهم و اقتناص فرصة الإجازات و المناسبات للخروج بهم في رحلات ترفيهية تاركين لهم فرصة المشاركة في الاختيار

- لتراعي أيها الأب أيتها الأم طبيعة أبنائكم الحوارية ، لأن كل شخص يختلف عن غيره في أسلوب التحاور ، وتلعب خبرتكما عاملاً مهماً في التعرف على هذه الطبيعة من ناحية الحلم وسعة الأفق ، وسعة الصدر ، والاستعداد للحوار ، والقدرة على التحمل ، وبناء عليه يتم تحديد الأسلوب المناسب في الحوار مع الأبناء.

ختاما نخلص إلى أن الحوار عاملا أساسيا في توطيد العلاقات و بناء الشخصية المتوازنة حيث يسهم في استقرار و تماسك الأسرة التي تعد اللبنة الأساس لبناء مجتمع إيجابي

كما يعزّز الحوار استراتيجيات بناء العلاقات الإيجابية بين الوالدين والأولاد و يؤكّد الاحترام المتبادل بينهم و تقبل الآراء من جهة أخرى إلى جانب إنه يعزز ثقة الأبناء

بأنفسهم ويؤكد ذواتهم وينمّي استقلاليتهم، ويشجعهم على اتخاذ قراراتهم بأنفسهم وهذا من أهم الأهداف كما ينمي مهارة المبادرة و يساعد على التغلب على الخوف الاجتماعي و التردد و الخجل معززا مهارات الأبناء في فن الإصغاء و تقبل الآراء بصدر رحب.