تعتبر تربية الأبناء اهم الواجبات التي يفترض أن يتم تأديتها على اكمل وجه من قبل الأبوين، فهي الرسالة الجديدة والهدف السامي الذي يسعون إلى تحقيقه بنجاح وتفوق ، وقد يكون للبعض هذا هو شغلهم الشاغل ومسؤوليتهم العظمى التي يعكفون على انجازها طوال حياتهم بعد ارتباطهم مع بعضهم البعض.

إذا لم نكن عشنا أي نوعٍ من تضحيات الأبوين فلا بد أن نكون قد سمعنا بتلك الأم التي تخلت عن دراستها أو عملها وتفرغت لتربية أبنائها وذلك الأب الذي ضحى بالغالي والنفيس ودأب يعمل ليلاً ونهاراً لتوفير سبل الحياة الكريمة لأبنائه، إلى جانب هذا وذاك فإن الأبوين كانوا يقومون بمجالسة أبنائهم ومحاورتهم بشكل مستمر حيث يسعى الوالدين بترسيخ تعاليم الدين والقيم الأخلاقية العالية في نفوس أبنائهم منذ الصغر من خلال هذه الجلسات الحوارية والنقاشية وان لم يتم التحضير لها بشكل مسبق ، فقد يكتفي الأب والأم برؤية أبنائهم مجتمعين لينهالوا عليهم بوابلٍ من النصائح والإرشادات سواء من ناحية تعاليم ديننا الإسلامي بشكلٍ عام أم من الناحية الأخلاقية بشكلٍ خاص وغيرها من النواحي.

هذا ما كان يحدث قبل عشرون عاماً أما الآن فقد إختلف الأمر لدى بعض العوائل – وليس الكل – فهناك الكثير من البيوت قد تعرف مسؤوليتها وتتحملها، وأخرى قد لا تعي شيئا فقد نجد هنالك نوع من الحوار بين الأبوين والأبناء ولكن في الغالب يكون هذا الحوار تأنيبياً جراء احد المشاجرات التي جرت في المدرسة مع الأبن والتي لاتختلف العبارات فيها عن : لماذا لم تقم بضربه أنت أيضاً ؟ الفتى الذي قام بضربك ليس أفضل منك بل انت أفضل منه .. إياك أن تكون جباناً في المرات المقبلة ورد له الصاع صاعين !! وان كان الأمر مع الإبنة فهو سيان وإن إختلف مجرى الحوار التأديبي هذا .
لعل المشكلة لا تكمن فقط في مثل هذا العمر الذي بدأ به الأبناء بالتعلم والإدراك ، فقد بدأت عندما تركت الأم ولدها برفقة الخادمة الأجنبية سواء كان لفظ اجنبية يعني – اجنبية الديانة او اجنبية اللغة او اجنبية بجنسيتها – فهي إذاً غريبة وإن إختلف معنى هذه الكلمة فكيف لنا ان نتركها مع أطفالنا لساعاتٍ طويلة فتصبح اقرب إليهم من والدتهم وتكون أول من يتوجهون له عند تعرضهم لأي مكروه مع مرور تقدمهم في السن، وان كانوا قد تعرضوا لجرحٍ بسيط !

كذلك الأب يسعى برأيه إلى توفير حياة ناعمة تفيض رفاهية ورغداً على أبنائه فهو لا يتردد بتوفير جهاز الكمبيوتر اللوحي – الآي باد – لطفله فور إتمامه الأربعة أعوام !! وهذا ما نلاحظه فعلاً في بعض العوائل والأسر وقد يفعل الأب هذا الأمر بعفوية ظناً منه بأن مثل هذا الجهاز هو وسيله للعب والترفيه ونسي بأنه سلاح ذو حدين، ولم يعلم هذا الأب بأن لعبة السلم والثعبان ستكون أحب إلى ولده إن قام بإقتنائها إليه وأن شاركه اللعب فيها لبضع دقائق.

قد بات من المتوقع ان نرى ابنائنا قد إكتسبوا أياً من السلوكيات التي لا تمت لعوائدنا وقيمنا بصلة وليس لنا ان نستبعد الأمر مادامت الخادمة تقضي وقتاً مع أبنائنا أكثر من الوقت الذي نمضيه نحن معهم ، وليس من الغريب أيضاً أن نلاحظ أن أبنائنا قد تعلموا مايضرهم ولا ينفعهم من الطبائع والعادات المكتسبة من المواقع الإلكترونية ونحن نقف امامهم مكتوفي الأيدي لأننا لم نتابعهم ولم نراقبهم منذ باديء الأمر.

في الواقع لايوجد ما يدعو للفخر عندما يتصرف أحد ابنائنا بشكل غير لائق أمام اقرانه في المدرسة بسبب ما تعلمه من الخادمة من عادات سيئة وما الفائدة عندما نعض على أصابع الندم بعد أن تعرض فلذات اكبادنا للهلاك بسبب إستخدامهم السيء لوسائل التكنولوجيا.

اليوم اصبح هنالك عناصر دخيلة تشاركنا وبمليء إرادتنا في تربية أبنائنا لذا فـإن من الضروري أن نقوم بمراجعة أنفسنا مادام ابنائنا مايزالون في طور التعليم والإدراك والفهم، كما يجب ان نفكر بمصلحة هؤلاء الأبناء قبل كل شيء وبمستقبلهم بشكل أساسي، ولكون العائلة هي أهم مؤسسة تربوية في المجتمعات يتعلم في أحضانها النشء تعاليم الدين وتتأصل من خلالها مبادئ الأخلاق في نفوس الأبناء ، لذا فإنه يتحتم علينا - نحن الأباء - مراعاة ابنائنا والتقرب منهم بشتى الطرق، وان نكون لهم القدوة الحسنة والمثل الأعلى، فهم يتبعون ويقلدون تصرفاتنا وصفاتنا في معاملاتنا المختلفة، و ينبغي علينا ان نمنحهم المزيد من الوقت للحوار والمناقشة وان كانوا صغاراً، فلديهم ما لا يعد من الأسئلة التي تدور في مخيلاتهم الصغيرة التي لاتعي الآلية التي يجري بها العالم من حولهم، هم كذلك بحاجة إلى أن نكون اشبه بأصدقاءٍ لهم، نشاركهم أدق تفاصيل حياتهم ونستمع إلى احاديثهم المطولة والدقيقة في شرح ما جرى معهم خلال يومهم في المدرسة.

وفي الختام ينبغي أن لا يغيب عن أذهاننا أن تدريب الأبناء على الإستماع والمناقشة والتحاور سيمكنهم من التعبير والإصرار على آرائهم ، كما إنه يثري أسئلتهم وينميها ومن ثم سيكون سبباً في إحداث إنطلاقة فكرية مستنيرة بالنسبة لهم، وبالتأكيد فإن الحوار سيزيد من ثقة أبنائنا بأنفسهم ويمكنهم من إتخاذ القرارت الصائبة في المستقبل، لكن من الضروري ان يتم تفادي بعض المعوقات التي تجعل الأبناء ينفرون من التحاور مع والديهم مثل الإسراف في توبيخهم ولومهم خاصة ً أمام بعضهم البعض وتجريحهم بالإضافة إلى عدم إتاحة الفرصة لهم للدفاع عن وجهات نظرهم وعدم إحتواهم ، فمصاحبة الأبناء والإندماج معهم وتشجيعهم على إبداء رأيهم تساهم في تشكيل شخصياتهم، ومشاركتهم إهتماماتهم وميولهم وألعابهم تقربهم من والديهم أكثر فأكثر مما يجعلهم ينعمون بحياة ملؤها السعادة والطمأنينة.