إن* سؤال* الديمقراطية،* بما* هو* سؤال* الحرية* والمواطنة* والتعددية* والتسامح،* يرتبط* أساساً* بمسألة* السيادة* والاعتراف*: سيادة* الشعب* عبر* هيئاته* وممثليه،* وارتقاؤه* إلى* مستوى* المسؤوليات* الوطنية،* والاعتراف* الدستوري* بالحقوق* الأساسية* للمواطن؛* سواء* على* مستوى* تداول* السلطة،* أم* على* مستوى* ممارسة* المواطنة* ضمن* التنظيمات* والمؤسسات* والهيئات* غير* الحكومية،* التي* تأخذ* اسم* المجتمع* المدني،* حيث* يكون* الفرد* بمثابة* ذات* حقوقية* أمام* الدولة*.
وهنا* سيتحدد* رهان* الديمقراطية* في* أمرين* أساسيين* هما*: الحرية* والحداثة*. فالحرية* ترتبط* بوضع* الفرد* كمواطن،* أي* كمسؤول* عن* حسن* سير* المؤسسات* التي* تحترم* حقوق* الإنسان،* والتي* تسمح* بتمثيلية* الأفكار* والمصالح،* ولذلك* قامت* الديمقراطية* على* مبادئ* الاعتراف* بالحقوق* الأساسية* للمواطن* التي* يجب* على* السلطة* احترامها،* وبالتمثيلية* الاجتماعية* للحاكمين* ولسياستهم،* والوعي* بالمواطنة* والانتماء* إلى* جماعة* تستند* إلى* قوة* الحق*.1
أما* الحداثة،* فهي* ذات* ارتباط* وثيق* بالديمقراطية،* وذلك* لاعتبارين* على* الأقل*:
*> أولهما،* أن* العناصر* المكونة* للديمقراطية،* والمتمثلة* في* الوعي* بالحقوق،* وتمثيلية* القوى* السياسية* والمواطنة،* تلتقي* بسهولة* داخل* المجتمعات* الحداثية،* أكثر* مما* تلتقي* داخل* المجتمعات* التقليدية* الخاضعة* للسلطة* الفردية* ولعنفها*.2
*> ثانيهما،* أن* الديمقراطية* كنظرية* وكممارسة،* تعد* نتاجاً* للمشروع* السياسي* الحداثي* "إذ* لا* يمكن* التفكير* في* العمل* الديمقراطي،* خارج* الأرضية* الفلسفية* والسياسية* الحداثية* المؤطرة* لهذا* العمل*. وتكفي* مراجعة* كيفيات* تشكل* التجربة* الديمقراطية* في* تاريخ* الفكر* والممارسة* السياسية* في* الغرب،* لنتأكد* من* المواكبة* الحاصلة* ضمن* هذا* التاريخ،* بين* المرجعية* الفلسفية* والحداثية* وتجلياتها* في* الفضاء* السياسي* والاجتماعي* والثقافي،* كفضاء* ديمقراطي*".3
وإذن،* كيف* تتحدد* العلاقة* بين* الفلسفة* والديمقراطية؟* وبأي* معنى* تعتبر* الفلسفة* ودرسها* كوجه* من* أوجه* الثقافة* الديمقراطية؟* وقبل* ذلك،* ما* هي* الديمقراطية* وما* هي* سماتها؟
1*. في* ماهية* الديمقراطية
لقد* لاحظ* المفكر* النمساوي* كارل* بوبر* (K.Popper*)،* في* نص* له* بعنوان* "ملاحظات* حول* النظرية* الخاصة* بالدولة* الديمقراطية* وممارستها*"،* أن* الأصل* اليوناني* لمفهوم* الديمقراطية،* الذي* يعني* سلطة* الشعب،* قد* وجه* اهتمام* الباحثين* في* المجال* السياسي* إلى* نظرية* أشكال* الدولة،* وإلى* الكيفية* التي* تتم* بها* إدارة* شؤون* هذه* الأخيرة*. فالمسألة* تتعلق* إذن* بمعرفة* كيف* يتم* تسيير* الحكم* وكيف* يتم* اختيار* الحاكمين*. وهو* الأساس* الذي* انبنت* عليه* الديمقراطية* الأثينية،* وأيضاً* الديمقراطيات* الغربية* التي* ينتظر* منها* الدفاع* عن* الحرية* الفردية،* ضد* كل* أشكال* السلطة،* باستثناء* شكل* واحد* وهو*: السيادة* وسلطة* القانون*.4
الديمقراطية* إذن،* هي* اختيار* حر* للحاكمين* من* طرف* المحكومين،* ولا* وجود* لسلطة* شعبية* قابلة* لتسميتها* ديمقراطية* ما* لم* تكن* ممنوحة* ومجددة* عن* طريق* الاختيار* الحر*.
ويشير* المفكر* الفرنسي* ألان* تورين* (A.Touraine*) في* هذا* الصدد،* وضمن* مؤلفه* ما* هي* الديمقراطية* حكم* الأكثرية* أم* ضمانات* الأقلية؟* إلى* أن* هناك* تكاملاً* بين* أبعاد* الديمقراطية* الثلاثة،* وهي*: احترام* الحقوق* الأساسية،* والمواطنة،* والصفة* التمثيلية* للحكام*.
فالديمقراطية* تفترض* بالدرجة* الأولى* أن* يكون* الحكام* ذوي* صفة* تمثيلية،* أي* أن* تكون* هناك* قوى* مجتمعية* فاعلة،* بحيث* يكون* فاعلوها* السياسيون* ممثلين* لها*. ولما* كان* المجتمع* المدني* مؤلفاً* من* قوى* مجتمعية* فاعلة* ومختلفة،* فإن* الديمقراطية* لا* يمكنها* أن* تكون* تمثيلية* إلا* إذا* كانت* تعددية*.
أما* الصفة* الثانية* للمجتمع* الديمقراطي،* فهي* أن* يكون* الناخبون* مواطنين،* وأن* يعتبروا* أنفسهم* كذلك*. وأخيراً،* ينبغي* أن* تكون* سلطة* الحاكمين* محدودة،* وذلك* بفعل* وجود* الانتخابات* وأيضاً،* وعلى* الأخص،* بحكم* القوانين* التي* ترسم* حدود* ممارسة* السلطة*.5
إن* القاسم* المشترك* بين* هذه* الأبعاد* يتمثل* في* الحرية* بما* هي* تكافؤ* في* الفرص* بين* الأفراد* والجماعات* ومحاسبة* للحاكمين* وإقرار* الحقوق* السياسية* والمدنية* للمواطنين*.
فالنظام* السياسي* الديمقراطي،* يرتبط* بفكرة* الحرية،* ولا* يمكن* لمثل* هذا* النظام* أن* يكتسب* مشروعيته،* ما* لم* يرتكز* على* مبادئ* الاقتراع* العام* والسيادة* الشعبية* والسلطة* الشرعية*. لذلك،* فإن* الديمقراطية* تتماهى* في* وعي* المواطن،* مع* مطلب* تدعيم* الحريات* السياسية* واحترام* الحقوق* الإنسانية،* أكثر* مما* تتماهى* مع* إقامة* نظام* الليبرالية* الاقتصادية*.6
إن* هذه* الأهمية* التي* تكتسبها* الحرية* كقيمة* وكمبدأ،* وارتباطها* بالديمقراطية* بما* هي* سيادة* لإرادة* الأغلبية* وكإقرار* بالتعددية* وباللامركزية،* تدفعنا* إلى* إبداء* بعض* الملاحظات* بخصوص* مفهومين* اقترنا* بالديمقراطية،* وهما*: الديمقراطية* الأثينية،* ومفهوم* الشورى*.
فالديمقراطية* الأثينية* لم* تكن* ديمقراطية* ليبرالية،* لأنها* لم* تكن* تقر* بتعددية* المذاهب* والعقائد،* بل* إنها،* وكما* يشير* إلى* ذلك* الباحث* والسياسي* الفلسطيني* عزمي* بشارة* في* بحث* له* بعنوان* مدخل* إلى* معالجة* الديمقراطية* وأنماط* التدين،* لم* تكن* ديمقراطية* بالمعنى* الحديث* للكلمة،* ليس* بسبب* وجود* العبيد* في* أثينا* فحسب،* بل* لأن* مجتمع* أحرار* أثينا* لم* يكن* مجتمعاً* ديمقراطياً* بالمعنى* الحديث* الذي* تطور* إليه* مفهوم* الديمقراطية،* لأنه* لم* يتوفر* فيه* فصل* بين* الحيز* العام؛* أي* بين* الدولة* والمجتمع،* وبين* الحيز* الخاص*. فالفرد* في* إطار* المدينة* الدولة* (Polis*) مواطن،* وهو* لا* شيء* خارج* مواطنته*. لذلك،* لم* تكن* الحقوق* والواجبات* من* لواحق* المواطن* الفرد* أو* الشخصية* الفردية،* وإنما* كانت* تشكل* تحقيق* الدولة* ذاتها* من* خلال* المواطن*.7
ولتجسيد* هذا* الوضع* المفارق،* يمكن* الاستشهاد* بوضع* المرأة* في* المجتمع* الأثيني* الديمقراطي،* وتحديداً* بوضع* "المرأة* الحرة*" التي* كانت* وظيفتها* الأساسية* تنحصر* في* إدارة* المنزل* وتربية* الأطفال،* بحيث* لم* يكن* مسموحاً* لها* بمغادرة* بيت* الزوجية،* كما* لم* تكن* لها* حقوق* في* المجالات* السياسية* أو* الحياة* العامة،* ولم* تكن* لها* علاقة* بالآداب* والثقافة،* وكان* مركزها* القانوني* أدنى* من* الرجل،* إذ* لم* يكن* باستطاعتها* الشهادة* أمام* المحاكم،* أو* أن* تكون* طرفاً* في* عقد* قانوني*.8
على* مستوى* آخر،* فإن* مفهوم* سلطة* الشعب* المتداول* في* المجتمع* الأثيني،* كان* عرضة* للالتباس*. وفي* هذا* الإطار،* ينقل* كارل* بوبر* عن* ثيوسديد* (Thycidide*) قوله،* إن* بركليس* (Periclès*)،* وهو* أحد* ممثلي* الديمقراطية* الأثينية،* اعترف* بندرة* الأشخاص* القادرين* على* تصور* مشروع* سياسي*. ولذلك* عوض* مقولة* "سلطة* الشعب*" بمقولة* "الحكم* من* طرف* الشعب*"،* التي* تعني* في* التباسها،* إمكانية* إصدار* أفراد* منعزلين* لقرارات* سياسية* باسم* الشعب*. وسيعلق* بوبر* على* ذلك* قائلاً*: «لا* يمكن* للقرارات* المتخذة* سلباً* أو* إيجاباً،* أن* تصدر* عن* عدد* أكبر* من* الناخبين*. ولهذا* السبب* تبدو* عبارة* مثل* "المبادرة* الشعبية*" خادعة،* وتحيل* على* ما* هو* دعائي؛* إذ* يتعلق* الأمر* عموماً* بمبادرة* بعض* الأفراد،* التي* يتم* إخضاعها* في* أحسن* الأحوال* للتقييم* النقدي* للشعب*".9
أما* بالنسبة* لمفهوم* الشورى،* فقد* ارتبط* بما* اصطلح* عليه* بعض* المنظرين* العرب* والمسلمين* بالديمقراطية* الإسلامية*. ويشير* المفكر* المغربي* محمد* عابد* الجابري* في* هذا* الصدد،* إلى* أن* مفهوم* الشورى* في* المرجعية* التراثية* هو* سلوك* يجمع* بين* الاستبداد* والعدل،* فهو* يقوم* بديلاً* عن* الاستبداد* الذي* يمارسه* الحاكم* الظالم*. "فحينما* يريد* تجنب* الظلم،* يقوم* الحاكم* باعتماد* المشورة* أو* الشورى* التي* تعني* طلب* رأي* أهل* الحل* والعقد* من* الفقهاء* والعلماء* وأكابر* القوم* قبل* الإقدام* على* أي* عمل*. والمشورة* أو* الشورى* بهذا* المعنى* لا* تلزم* الحاكم،* إنه* يستشير،* ولكن* القرار* في* نهاية* الأمر* له* وحده،* سواء* أكان* القرار* عملاً* بما* أشار* به* أهل* الشورى* أم* عملاً* بخلافه*".10
للمتابعة تستطيع تحميل الملف المرفق
المفضلات