بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله و الصلاة و السلام على من بعثه الله نبياً و رسولاً ليخرج الناس من الظلمات إلى النور و بعد , فإن الله سبحانه و تعالى لما خلق الخلق جعل الإنسان من أكرمهم يقول تعالى(و لقد كرمنا بني آدم )الإسراء 70.

و ميز الله الإنسان عن غيره من المخلوقات بالعقل الذي جعله أكرم ما في الإنسان , و يمكن لنا أن نقول: أن أكرم شيئٍ خلقه الله في الإنسان هو العقل.
و العقل هو الهدف المشترك و الذي تتم عليه و حوله و فيه جميع الأفكار المختلفة كل يستهدفه للسيطرة عليه, فمن ملك العقل ملك الإنسان, فهو موضع الصراع و النقطة الملتهبة وساحة القتال و أرض المعركة , ونتيجة هذه المعركة إما أن يهتدي العقل إلى فكر قويم يصلح و يعمر أو أن ينتكس إلى فكر ضال يدمر و يخرب.

ولأهمية العقل و مكاتنه العظيمة يقول الدكتور يوسف القرضاوي :و المحققون من علماء الأمة رأوا الوحي و العقل هاديين للخلق إلى الحق.

يقول الإمام الراغب الأصفهاني:

"لله عز و جل إلى خلقه رسولان , أحدهما : من الباطن و هو العقل , و الثاني : من الظاهر و هو الرسول , و لا سبيل لأحد إلى الانتفاع بالرسول الظاهر مالم يتقدم الانتفاع بالرسول الباطن , فالباطن يعرف صحة دعوى الظاهر , ولولاه لما كانت تلزم الحجة بقوله , ولهذا أحال الله من يشكك في وحدانيته و صحة نبوة أنبيائه على العقل ، فأمره بأن يفزع إليه في معرفة صحتها. فالعقل قائد و الدين مدد , ولو لم يكن العقل لم يكن الدين باقيا, و لو لم يكن الدين لأصبح العقل حائرا , واجتماعهما كما قال تعالى (نور على نور )النور: 35".



أهمية الفكر في صياغة و تشكيل العقل



ولإن الفكر هو الذي يسيطرعلى العقل و هو موطنه الأصيل , و هو غذاؤه, فإني لا أتصور إنساناً بلا فكر, و حتى و إن قال قائل: أنا بلا فكر فهو في الحقيقة قد اختار أن يكون غوغائيا بلا مبدأ.
و لما كانت السيطرة على الفكر تستلزم السيطرة على العقل , و السيطرة على العقل تستلزم السيطرة على الإنسان , و هذا واضح من خلال الغزو الفكري من خلال ما يسمى " بالعولمة " التي تعمل على صهر العالم في بوتقة فكرية معينة، كما أنها تعتبر قمة التطور التي وصلت إليها الرأسمالية، حيث تسعى إلى استبدال المال المحلي برأس المال العالمي، وما يترتب على ذلك من انقلاب في علاقة الإنسان بواقعه وبالآخرين من جهة، وبتاريخه وميراثه الثقافي أو الحضاري أو الفكري من جهة أخرى.
وقد أطلق "هربرت ماركوز" على هذه الحضارة الجديدة "حضارة الإنسان ذي البعد الواحد" .

و قد أظهرت هذه السيطرة على فكر الإنسان في الوطن العربي بشكل خاص , السيطرة الفعلية على الموارد الطبيعية من خلال القوة الفكرية المسيطرة على العالم , و التي تمتلك أن تحرك الحياة كيفما شاءت.

و العولمة تعتمد على محورين رئيسين هما: التجارة العالمية , و الإعلام الذي يحمل الثقافة و الفكر.و هذه هي أدوات التأثير للعولمة و أدوات الانتشار.

و يمكن أن نعتبر أن العولمة فكر استعماري يغزو جميع جوانب الحياة ,و يسعى للسيطرة عليها أن لم يكن نجح في ذلك بالفعل , لذلك فإني أرى أن السيطرة على الفكر تؤدي إلى السيطرة على العقل و من ثم الإنسان و بالتالي على الحياة بكل جوانبها و إمتلاك كل موارد القوة, و هذا أمر يحتاج إلى إعداد و صناعة قوة مقاومة فكرية لهذا المظهر من مظاهر الإحتلال المعاصر و الذي يعتبر رأس الحربة فيه هو الفكر ,و الهدف هو العقل و بالتالي الإنسان , لذلك فإن الفكر لا يقابل إلا بالفكر.
لذلك كانت هذه المحاولة لسد هذه الثغرة الخطيرة.
****

هذه مقدمة لموضوع بعنوان " صناعة الفكر " سيرى النور بعد أيام قليلة أهديه إلى كل مستشرف همام , أضع فيه أهمية صناعة الفكر , شروطها و ضوابطها , ومنطلقاتها , ومرتكزاتها , و أولويات صناعة الفكر , و الهدف , و أدوات صناعة الفكر.

ولذلك لما رأيت الخلط الواضح في بعض الأمور عند أصحاب القلوب الملذوعة في الفكر ,, أهديه لكل السائرين حتى تكون المسير على هدى و نور

فكونوا على الموعد ,, و إلى أن يحين اللقاء ,, أسألكم الدعاء