مدربون معتمدون
المدربون المعتمدون
- معدل تقييم المستوى
- 34
لفت انتباهي بطريقة غريبة قول الإمام الراغب الأصفهاني:
"لله عز و جل إلى خلقه رسولان , أحدهما : من الباطن و هو العقل , و الثاني : من الظاهر و هو الرسول , و لا سبيل لأحد إلى اِلانتفاع بالرسول الظاهر مالم يتقدم الانتفاع بالرسول الباطن , فالباطن يعرف صحة دعوى الظاهر , ولولاه لما كانت تلزم الحجة بقوله , ولهذا أحال الله من يشكك في وحدانيته و صحة نبوة أنبيائه على العقل ، فأمره بأن يفزع إليه في معرفة صحتها. فالعقل قائد و الدين مدد , ولو لم يكن العقل لم يكن الدين باقيا, و لو لم يكن الدين لأصبح العقل حائرا , واجتماعهما كما قال تعالى (نور على نور )النور: 35".
ان ماقاله الإمام الراغب الأصفهاني رائع في بلاغته، رائع في قوة تفسيره ليس لفكرة وانما لحالة واقعية أعتقد بأن معظم الناس استشعروها دون أن يتمكنوا من استيعاب عمقها وأبعادها، بالطبع أنا أعني حالة الشعور الرائع بنعمة العقل وروعة الرسالة دون التمكن من ايجاد ذلك الرابط الذي تحدث عنه الإمام الراغب الأصفهاني في هذه العبارة الفلسفية العميقة لأقصى درجات العمق، وتفسيرها بذلك التبسيط البليغ الذي جعلها سهلة الفهم على أي قارئ استشعر الحالة(حالة الشعور الرائع بنعمة العقل وروعة الرسالة).
الأهم من ذلك أن الموضوع بالعموم ينبه الى خلل خطير وهو أننا كأمة عربية واسلامية لاتزال مع الأسف غير جاهزة لمواجهة غزو العولمة، وحتى شبه عاجزة عن ايجاد رؤية واضحة جماعية لمشروعها الحضاري الفكري القادر على مواجهة العولمة، تماماُ مثلما هي شبه عاجزة عن ايجاد مشروع نهضوي يثبت للعالم أن للعروبة والاسلام قدرة هائلة على تحقيق تقدم علمي موازي لما حققه الغرب، وكذلك تحقيق عدالة اجتماعية وانسانية لم تتمكن العولمة من ارسائها لأن العولمة أساساً تعمل وباسم الديموقراطية على الغاء الديموقراطية وجعل البشرية جمعاء تفكر وتعيش بالطريقة الغربية وبدقة أكثر بالطريقة الأمريكية، مع دأبها الشديد بكل وسائلها المضللة على اظهار كل من لايواكب العولمة بصورة المتخلف عن الحضارة والعاجز عن هضمها وتمثلها، وهذه العولمة تصل في ترويج هذا النهج و أيضاً باسم الديموقراطية الى درجة استباحة حقوق كل من لايرغب بالانضواء تحت لوائها باللجوء لكوكتيل من الحروب النفسية والفكرية والعسكرية و.......وبالتالي يمكن تلخيص رسالة العولمة بأن كل من يتخلف عن اللحاق بها ( وبغض النظر عن الأسباب) عليه أن يدفع أفدح الأثمان، في كل مناحي حياته، وفي الحقيقة فان العولمة تشبه الى حد كبير الشيوعية في أيام انتشارها حيث كانت الشيوعية تعتبر أن الدكتاتورية شيئ منبوذ وبغيض في الوقت الذي تدعو فيه الى تطبيق وارساء حكم دكتاتورية البروليتاريا أو مامعناه دكتاتورية الطبقة العاملة، واليوم تعمل العولمة بكل الوسائل على أمركة البشرية وعلى نشر مايسمونه مبادئ الحرية التي يجب أن تعني بالنسبة للبشرية جمعاء(حسب رأيهم) أن الانسان السوي والناجح والذي يستحق الحياة هو فقط وفقط وفقط من يفكر ويعيش على الطريقة الأمريكية والا فهو متخلف الفكر وارهابي السلوك وجبت محاربته بكل الوسائل(كل الوسائل سواء كانت شرعية أو غير شرعية) حتى يتوب عن كل مايعتقده ويؤمن به، ويعود الى رشده ويصبح عولمياً بكل المقاييس، وبذلك فقط يصبح انساناً أو مجتمعاً (((حراً تقدمياً))) يستحق الحياة، واِلاَ....
والآن هل هناك من يستطيع أن يقول لنا (كأبناء أمة يفترض بأنها واحدة) أين نحن من كل ذلك، وأين سيكون أبناؤنا وأحفادنا اذا استمرت الأمور على حالها؟ هل سيكونون أبناؤنا وأحفادنا برابطة الدم أم بموروثهم الثقافي؟ وهل سيأتي علينا ذلك اليوم الذي سيفرض علينا فيه أن نتعامل معهم حسب ماتأمرنا به العولمة والا فالمقاطعة؟ وهل نعتقد جميعاً بأن الحلول موجودة أو يمكن ايجادها، وعلينا الاتفاق عليها وعلى كيفية تطبيقها؟ وهل وهل ....ولاأدري كم من الأسئلة بات من واجبنا الديني والأخلاقي والتاريخي أن نصوغها ونجيب عليها حتى نشعر بأننا على الطريق القويم الذي نرسمه نحن وليس الذي يرسمه لنا الآخرون.
شكراً للأخت سالمة على طرح هذا الموضوع الرائع وللأخت صليحة على هذه المشاركة الغنية.
المفضلات