الحياة تكرر نفسها إلى أن تتعلم
تظل الحياة تكرر نفسها إلى أن تتعلم

هناك شخص نعرفه يعانى من صعوبة في النهوض من نومه للذهاب للعمل كل صباح. ليس ذلك لأنه يكره العمل- بل على العكس- وليس ذلك لأنه يكره التوتر المصاحب للاستعجال أو تأخره عن العمل أو الاستماع إلى شكوى زوجته أنه سوف يتأخر. لكن لا شيء يتغير، بصرف النظر عما يشعر به في الصباح وما تقوله زوجته. ستظل الحياة تكررنفسها إلى أن يتعلم. يتعلم ماذا؟ يصعب على شخصن آخر أن يجيب عن ذلك. ربما يجب أن يتعلم أنه إذا خلد إلى فراشه مبكراً،فسوف يستيقظ بسهولة أكبر. ربما يجب أن يتعلم أن عليه أن يقلل مدة حمامه الصباحي إلى عشردقائق، أويقلل وقته الضائع إلى خمس دقائق، أوأن يضبط منبهه على موعد أبكر. لكن ما يمكن أن نقوله إنه سيظل يمارس نمطه غيرالمريح إلى أن يتعلم كيف يتوقف عنه.
ما التعلم؟ هل هو تعليم؟ توجيه؟ دراسة؟ تمرين؟ حفظ؟ كل هذه الأنشطة تسهل عملية التعلم، لكنها ليست تعلمًا٠ التعلم كما سوف نرى- هوالمعرفة والمهارة المكتسبة التي نحصل عليها- بوعي أوبدون وعي- والتيتغير سلوكياتنا. إذا لم نفعل الأمور أولم نستطع فعلها بشكل مختلف نتيجة لتعليمنا ودراستنا,فماذا تعلمنا؟ ربما نعرف أكثر (أحيانًا يُسمى اكتساب المعرفة)، وربما نشعر بشكل مختلف (يسمى أحيانًا الوعيالعاطفي), لكن دون الممارسة, ودونفعل الشيءالذي تعلمناه بشكل حقيقي، هل نكون تعلمنا شيئًا حقًّا؟
معظم ما نتعلمه يهدف إلى منحنا المعرفة- الحقائق والمعلومات التي يعتقد المعلمون والعلماء والمؤرخون أنها صحيحة في الوقت الذي ينقلونها فيه. وقد نشعر نحوهذه المعلومات بانبهار أو ملل. وربما تعتمد استجابتنا لها على اهتماماتنا والمناخ التعليمي والمعلم في الوقت الذي نتلقاها فيه. إذا كنت مثلنا، فربما كان التعليم الذي يأخذ شكل الحفظ من أجل النجاح في الاختبارات غيرساروممل ويثير ضغوطًا سلبية. وعندما تتبصرفيه لاحقًا، لاتجده تعليمًا على الإطلاق؛ حيث لا تستخدم أوتذكرمنه اليوم إلا القدرالقليل. وعندما تتأمل في تعليمك أو توجيهك أوتمرينك أو دراستك، هل تراها مجرد طقوس أكثرمن كونها تعليمًا؟ ما القدر الذي تتذكره أوتستخدمه من التعليم الرسميالذي تلقيته؟
مع أنك تعرفنا كمؤلفين، فإن لنا "وظائف" أخرى: "جويل" طبيب, و"ستيفن"مهندس كيميائي- محصلة ما لدينا جميعًا هي عشرسنوات من الدراسة الجامعية والدراسات العليا في العلوم التجريبية. وكل ما نتذكره هوطريقة التفكير العلمي وحقائق علمية قليلة (بعضها نكتشف أحيانًا أنه لم يعد دقيقًا)،وحوالي ٥٠ مصطلحًا يبدو أنها تجاوزت الكتب التي تعرفنا من خلالها على هذه المصطلحات في أول مرة، ويبدو الآن أنها تنطبق على الأنشطة اليومية.
ونظراً لكوننا معلمين ومستشارين، فقد أتيحت لنا فرص كثيرة لتبحث في التعلم الذي يحصل عليه الآخرون. من بين آلاف الأشخاص الذين ناقشنا معهم موضوع التعلم, يقدر معظمهم أنهم قادرون على تذكر حوالي نصف ما تلقوه في مرحلة التعليم الابتدائي، وربع ما تلقوه في مرحلة التعليم الثانوي، والقليل مما اكتسبوه في المرحلة الجامعية والدراسات العليا بمد عام أواثنين من استكمالهم للتعليم (وهى حقيقة مخيبة لآمالنا، نحن أساتذة الجامعة). ألا يجب أن تكون هذه النسب معكوسة، مع زيادة نسبة التعليم المكتسب من المرحلة الجامعية؟ ربما لا، فالتعلم عملية تراكمية غالبًا؛ فلن يكون من الممكن أن نقرأ الكتب المدرسية الخاصة بالمرحلةالثانويةإذا لم نتعلم كيف نقرأ ونكتسب بعض المفردات اللغوية القوية في مرحلة التعليم الابتدائي، ولا كنا سنفهم مناهج التفاضل والتكامل التيدارسناها في الجامعة لوأننا لم ندرس الجبرفي التعليم الثانوي.
غالبًا ما تقدم النظم التعليمية المعلومات بطريقة تأخذ شكل الطقوس، لأن مشاركة المعرفة واكتسابها من خلال تلقينها وتقييمها بشكل جماعي أسهل من ممارسة الخبرات والأنشطة التي تحفز التعليم الفردي، وبالنسبة للكثيرين منا، ركزت النظم التعليمية على الحفظ. إن حفظ الحقائق مهم لنقوم بوظائفنا فيالمجتمع، لكنه عمل شاق. وعندما يصبح التعليم عملاً شاقًّا، نتوقف عن الاستمتاع به ونبدأفي التفكيرفيه على أنه جزء منفصل من الحياة، فنبدأ في فقد ما تعلمنهاه في صغرنا- وهوأن كل يوم مليء بفرص اكلم التي بمكن أن تكون مثيرة وتشحن طاقتنا، ومن ثم نبدأفي التعامل مع التعليم على أنه عمل-شيء نجبرعلى القيام به لمدة معينة من اليوم ثم نتركه وراءنا عندما نعود إلى منازلنا.
الحياة أكثر حكمة منا

لحسن الحظ، فإن الحياة أكثرحكمة منا أثناء معظم فترة تعليمنا الرسمي، وعندما تريد لنا الحياة أن نتعلم شيئًا ما، فإنها تتطلب أن نفعل الأشياءعلى نحومختلف. فإذالم نفعل، فإن الحياة ستكررالدرس إلى أن نفعل ذلك؛ حيث إن الحياة تظل تعطينا الدروس بإصرار.
قد يفسر البعض وجهة نظرنا نحوالتعلم بأنها تعنى أن كل تجارب الحياة هي أحداث نأخذ شكل التعليمات، وأنك بجمع أكبر قدر ممكن من الخبرات، ستصبح أفضل تعليمًا- وليس الأمر بهذه الصورة بالضرورة.
فإلى أن نربط بين الخبرات وتجد الأنماط المشتركة بينها، أونضع الخبرات في سياقات إضافية إلى تلك التي وقعت فيها هذه الخبرات، ليس من المرجح أن يحدث التعلم. إن دورنا في عملية التعلم أكثرنشاطًا بكثيرمن مجرد حفظ الحقائق وجمع الخبرات. إننا نقررباستمرارما الخبرات التي نسعى لاكتسابها وما الأسئلة التي نسألها. وما المواقف التي نكتشفها، ثم نحاول أن نجيب عن السؤال؛ "ما الذي يعنيه هذابالنسبة لي؟" .
وقد تسأل: "ما السبب في أن التعليم لا، يساعد الناس أيضًا على ربط خبراتهم لتحقيق تعلم أعمق؟" . لانعرف الإجابة على وجه اليقين؛ فالتعليم الرسمييمكن أن يساعد الناس على تكوين رؤاهم الداخلية؛ لكن لا يبدوأن هذا ما يريد أن يفعله معظم المعلمين في نظم التعليم الرسمي ولاهذه النظم نفسها٠ تبدوالنظم التعليمية من الصف الخامس وصولاً إلى بعد التعليم الثانوي أكثرتركيزًا على نقل الحقائق والمعرفة المرتبطة بمجالات معينة عن تطوير عملية التبصرالشخصي.
كانت هذه خبرتنا, فما هي خبرتك؟