(( إذا اختلف أحدهم معي، فهل مهمتي هي تغيير رأيه؟ كلا! إذا اختلف أحدهم معي فان مهمتي هي أن أدعه يفعل ذلك))

أندرو ماتيوس

إن الهدف الغريزي لكل إنسان هو كسب أصدقاء جدد و التأثير في الآخرين وكسب حبهم والخروج بنتيجة طيبة من النقاش معهم والتعامل مع العلاقات الاجتماعية بطريقة تثمر النتائج المرجوة.

وتعد مهارة التفاوض إحدى مهارات "الذكاء الاجتماعي" البالغة الأهمية التي ينبغي إجادتها. وسيربط معظم الأشخاص كلمة التفاوض بعالم المال والأعمال، ولكنها كلمة لها نفس الأهمية في حياتنا اليومية و العائلية. والهدف من أية مفاوضات هو الانتهاء إلى اتفاق بين جميع الأطراف المشتركة حتى يسعد الجميع بالمحصلة النهائية. وينطبق هذا الأمر تماما على العلاقات المتوترة بين الآباء والمراهقين حول تحديد موعد تأخرهم خارج البيت تماما مثل التفاوض حول شروط الدفع والعمل بين الاتحادات والإدارة. ويشمل الذكاء الاجتماعي نفس الأمر. واليك هذه القصة المدهشة عن التفاوض والتعاون في عالم الحيوان:

قرر طاقم فيلم "التاريخ الطبيعي" تصوير فيلم عن شيء لم يتطرق إليه أحد من قبل وهو قضاء عام في حياة قطيع من الذئاب،من خلال تتبعه بالطائرات المروحية حتى يتسنى لهم التقاط مناظر عن بعد لهجرة الذئاب السنوية مع المصدر الرئيسي لغذائها وهو الأيائل.

وكانت أولى المفاجآت فيما يخص السلوك الاجتماعي للحيوانات عندما لاحظ طاقم العمل العلاقة بين قطيع الأيائل و الذئاب. لقد سلم الجميع بأن تكون الأيائل في أثناء الهجرة مجتمعة في جماعات مع بعضها البعض، وأن يتبعها قطيع الذئاب من خلفها، وكان من المسلم به أيضا أن يشن قطيع الذئاب "هجمات خاطفة"على الأيائل، وأنه سيهاجم أكثر الأيائل ضعفا ووهنا بشكل وضيع.

إلا أن الواقع كان مثيرا للدهشة: حيث كان قطيع الأيائل وقطيع الذئاب يرحلان "معا"! ولم يرحلا معا وحسب بل كان القطيعان "أصدقاء" بما تحمله كلمة أصدقاء من معنى! وفي نهاية بعض الأيام كان القطيعان يجريان و يلعبان معا بل ويجلسان معا للراحة.

ولم تكن تتغير تلك العلاقة إلا عندما تشعر الذئاب بالجوع، وحتى هذا الأمر كان هناك نوع من التفاهم فيه، فقد كان قائد قطيع الذئاب ،"أنثى" قوية، "تثبت" فجأة في مكانها مشيرة إلى ذئابها القناصة باقتراب بدء المطاردة، ثم تتجمع الأيائل بهدوء مع بعضها لتصبح أكثر قربا وتحتشد مع بعضها لتزيد كثافة عددها في انتظار إشارة البدء للذئاب. وبمجرد إعطاء إشارة البدء يجري كل شيء وفق نمط اجتماعي متفق عليه، حيث تختار الذئاب أيلا واحدا فقط ليكون هو هدفها وأحيانا يكون هذا الأيل هو أضعف الأيائل؛ على الرغم من أنه قد يكون عضوا بارزا في القطيع.

وكانت المطاردة تستمر لنحو عشر دقائق في العادة وكانت الذئاب تنجح في الغالب، و بمجرد أن يتم اختيار الهدف كان باقي القطيع يسترخي و يمارس حياته المعتادة ولم تكن الذئاب تنجح دائما في مسعاها، ففي حالة من بين كل خمس حالات تقريبا كان الأيل القوي والمرن يستطيع الهروب والرجوع إلى القطيع. فهل كانت الذئاب تستمر في المطاردة أو تختار أيلا آخر أقل مرونة؟ كلا! فلقد كانت تقبل "الصفقة" وتتفق على الاستمرار في الجوع لمدة يوم أو يومين آخرين. وحتى يحين موعد استعداد الذئاب للهجوم مرة أخرى كان قطيعا الذئاب و الأيائل يعيشان معا كأصحاب في رحلة واحدة، حيث كانت الذئاب تقوم بحماية الأيائل من الحيوانات المفترسة الأخرى بينما يقوم قطيع الأيائل بتوفير الطعام للذئاب بين الحين و الآخر. ولقد كانت كل تلك الأمور مثيرة للعجب، ولكن الأعجب لم يأت يعد!

ففي أحد الأيام، قال قائد طائرة فريق العمل في الفيلم إن قطيع الذئاب كان يتجه في الاتجاه العام نحو جثة أحد الأيائل الضخمة المعروفة بحيوان "الموظ "، وما أثار الطيار بشكل خاص هو أنه هناك حيوانان آخران يقتفيان أثر الجثة بحاسة الشم وكانا يتجهان أيضا نحوها من جهتين مختلفتين، وكان أحدهما دبا عملاقا رمادي اللون، وكان الآخر حيوان "الشره" و يعتبر حيوان "الشره" هو الحلقة بين حيوان" الراكون و"الغرير" بالرغم من صغر حجمه نسبيا إلا أنه معروف بشراسته في القتال حيث يمكنه اختراق أعتى الأكواخ الجبلية بيسر وسهولة باستخدام مخالبه وأسنانه القوية كما يمكنه قصم علبة أغذية إلى جزأين باستخدام أسنانه. مباشرة في المعركة وكانت أنثى الذئب قد انفصلت بالفعل عن القطيع لتتحر أمر الرائحة الفواحة وكان الطيار يتوقع بتلهف حدوث أقوى معركة بين الحيوانات على الإطلاق ثم تصويرها.

لقد كان ما أظهره الفيلم أمرا خارجا وغير متوقع على الإطلاق. لقد وصلت الحيوانات المحاربة بالفعل و علم كل منها بوجود الآخر، ولكن بدلا من اتخاذ موقف عدائي من بعضها والدخول مباشرة في معركة حياة أو موت،وقف كل واحد منها وألقى نظرة فاحصة على الآخرين وجلست الحيوانات الثلاثة في أماكنها و الثلوج تتساقط عليها، وانتظرت و أخذت في المشاهدة... وتحركت أنثى الذئب – مثل القطة التي تحوم حول طائر لاصطياده – في هدوء تام خطوة واحدة للأمام ثم توقفت وراقبت الحيوانين الآخرين وبعد أن تلقت إشارة تفيد بأن جميع الأمور تسير على مل يرام تحركت خطوة أخرى للأمام، وكررت هذه العملية ببطء حتى وصلت إلى الجثة.

وهناك أخذت ترقب الأمور مع الآخرين لتتأكد من أن الأمور تسير على ما يرام،وبطريقة مدروسة تماما لعدم القيام بأي حركة سريعة، أخذت الأنثى قضمة كبيرة من الجثة ثم عادت إلى مكانها الأساسي مرة أخرى بنفس الحركة الحذرة التي تشبه حركة القطة التي اقتربت بها من الجثة. و بمجرد أن انسحبت إلى موقعها الأساسي فعل الدب نفس ما فعلته تماما ! وهذا ما فعله حيوان "الشره" أيضا! وكرر الحيوانات الثلاثة نفس الإجراء مرة تلو الأخرى كل منها يأخذ دوره و يرقب الآخرين باستمرار و يأخذ كل منها "نصيبا متساويا" في كل مرة. لقد كانت تشبه رقصة اجتماعية بطيئة الحركة في فصل الشتاء!

ولكن لماذا كف أشرس وأعنف وأقوى الحيوانات المفترسة في مملكة الحيوان عن فرصة أخذ الغنيمة له وحده بالقوة كي يتوج كأعظم مقاتل على الإطلاق؟ لأن تلك الحيوانات – على عكس هؤلاء الذين كانوا يريدونهم أن يدخلوا في مثل هذه المعركة – كانت تتسم "بالذكاء الاجتماعي"! فقد كان كل منها على وعي باحتياجات الآخر وقوته، وذلك من خلال التجربة والقدرة الفائقة على قراءة" لغة الجسد". فقد كان كل منها يعلم أن لديه من القوة ومهارات القتال ما يمكنه من كسب تلك المعركة، وكان كل منها على يقين بأنه حتى إذا فاز في تلك المعركة فانه بالتأكيد سيصاب بجرح يمثل تهديدا مباشرا وذا أمد طويل على حياته.

لذا فقد اتخذت القرار الأذكى: وهو مراعاة احتياجات الآخر وتقسيم المورد الذي توفر لها بين ثلاثتها والحفاظ على طاقتها وعدم إهدارها و أخيرا الحفاظ على سلامتها بدلا من المخاطرة بالإصابة بجراح خطيرة. وبعد أن شبعت تلك الحيوانات يمكنك أن تشعر بها كما لو أنها أومأت برؤوسها دليلا على الرضا، وبعد ذلك استدارت في هدوء واتجهت إلى البرية من الطريق الذي جاءت منه وتملكت قائد الطائرة حالة من الصمت الرهيب بعد ما رأى شيئا أعظم مما توقعه في حديث التفاوض اختارت الحيوانات حلا يرضي جميع الأطراف حيث خرج كل منها بنتيجة مرضية.

ويحدث التفاوض الحقيقي عندما يحترم كل جانب الجانب الآخر، ويحترم وجهة نظره، ويدخل في خضم النقاش بايجابية. أمل إذا كنت عاقدا العزم على فرض الحل الذي قدمته – والحل الذي قدمته أنت فقط على وجه الخصوص – على الجانب الآخر إذا تطلب الأمر ذلك،فلا يعد هذا من قبيل التفاوض بل من قبيل الدكتاتورية. وإذا كان موقفك قويا و مؤثرا فانك سوف تتمكن من فرض حلولك، ولكن يمكنك التأكد من أن الجانب الآخر لن يسعد بها، وربما يبذل ما في وسعه لإحباطك في المستقبل. ولا يعد إضمار الاستياء من قبيل "الذكاء الاجتماعي"!








توني بوزان
قوة الذكاء الاجتماعي.
القسم السابع :المفوضات.
كيفية كسب الأصدقاء و التأثبر في الآخرين.
قصة مدهشة عن الحيوانات .ص 146
مكتبة جريرالطبعة الثانية2005
الكلمات المفتاحية: التفاوض- التعايش- التواصل- احترام الآخر- احترام حاجات الآخرين
أرسل بواسطة: شرقي نادية أمال
رابط القصة: http://trainers.illaftrain.co.uk/ara...l.thtml?id=698