عضو مميز
- معدل تقييم المستوى
- 33
التفويض - التفويض بالمسؤولية
لقد خضت منذ بضع سنين، تجربة شائقة في مجال التفويض مع أحد أبنائي. كان هناك اجتماع الأسرة، وكانت رسالتنا في الحياة معلقة على الجدار لضمان تناغم خططنا مع قيمنا، وكان الكل حاضراً، قمت بوضع سبورة كبيرة حيث كتبنا عليها الأهداف, وبعد ذلك سألت عن متطوعين لأداء المهمة.
"من يريد أن يدفع قيمة الرهن؟". ولحظت إنني الوحيد الذي رفع يده عالياً.
"من يرغب في سداد التأمين؟ نفقات الطعام ؟ تكاليف السيارة ؟ وقد بدا أنني المحتكر الوحيد لكل هذه المجالات.
"من يرغب في تغذية الطفل الرضيع الجديد؟ "وهنا كان بعض الاهتمام، غير أن زوجتي كانت الوحيدة التي تتوفر لديها التي تتوفر لديها المؤهلات المطلوبة.
ومع الاستعراض المتتالي للمهام، واحدة بعد أخرى، ظهر سريعاً أن الأب والأم قد استحوذا على ما يربو عن ستين ساعة من العمل الأسبوعي. وبهذا التصور الذهني الكامن في العقول، أخذت بعض المهام الأخرى منحى آخر أكثر ملاءمة.
لقد تطوع ابني ستيفن، ابن السابعة، للاعتناء بساحة المنزل، وقبل أن اعهد إليه بهذه المهمة، شرعت في تطبيق عملية تدريبية شاملة. لقد طلبت منه أن يضع صورة واضحة في ذهنه عما يجب أن تكون عليه الساحة المعتني بها جيداً، وعليه فقد أخذته لمشاهدة ساحة منزل جاري. قلت له، "انظر يا بني كيف تبدو ساحة جارنا خضراء ونظيفة؟ إن هذا هو ما نريد تحقيقه: الخضرة والنظافة، والآن تعال لنلقي نظرة على ساحتنا. هل ترى تلك الألوان المختلطة؟
إن هذا ليس مناسباً إنها ليست خضراء. إن ما نريد تحقيقه هو الخضرة والنظافة. فكيف لك أن تجعلها خضراء؟ هذا أمر متروك لك. إنك حر في أن تفعل ذلك بأي طريقة شئت، باستثناء أن تطليها باللون الأخضر، غير أنني سأخبرك ما سوف افعل بها لو فوض هذا الأمر اليّ.
"ماذا كنت ستفعل يا ابتي؟"
"كنت سأشغل رشاشات الماء، ولقد تفضل أنت أن تستخدم الدلاء أو الخراطيم، إن ذلك ليس مهماً بالنسبة لي. إن كل ما يهمنا أن يكون اللون اخضر، هل اتفقنا؟.
"اتفقنا"
والآن دعنا نتحدث عن "النظافة"، يا بني، النظافة تعني عدم وجود أية نفايات فيما حولنا – لا أوراق، أو خيوط، أو عظام، أو عصى، أو أي شيء يشيع الفوضى في المكان. سأبلغك عما يجب علينا أن نفعله. دعنا ننظف نصف الساحة الآن وشاهد الفرق ". ومن هنا أحضرنا كيسين من الورق في تنظيف جانب من الساحة. "والآن انظر إلى هذا الجانب، وانظر إلى الجانب الآخر، هل تلاحظ الفرق؟ إن هذا هو ما نسميه النظاف ".
صرخ ابني قائلاً "انتظر، هناك بعض الأوراق خلف هذه الشجيرة.
"حسناً، إنني الم ألاحظ تلك الصحيفة هناك، إن لديك نظراً حاداً يا بني .
"والآن قبل أن تقرر ما إذا كنت يتقبل القيام بهذه المهمة أم لا، دعني أخبرك ببعض الأشياء، طالما أنك ستقوم بهذه المهمة ، فلن أقوم بأي شيء منها بعد الآن. لقد أصبحت مهمتك أنت. إننا نسميها التفويض بالمسئولية. إن التفويض بالمسئولية يعني "مهمة في محل ثقة". إنني أثق في أنك ستؤدي المهمة، أن تجعلها تتم، وأين من سيكون رئيسك؟
"أنت، يا أبي"
"لا، ليس أنا، أنت الرئيس، عليك بأن تكون رئيس نفسك، هل يحب أن يزعجك أبواك طوال الوقت؟"
"لا أحب ذلك".
"ونحن لا نحب ذلك أيضاً، إن ذلك يسبب شعوراً بالمرارة احيانا، أليس كذلك؟ لذا عليك أن ارأس نفسك. والآن، من تحزر أن يعاونك".
من؟
"أنا، أنت رئيس"
"هل أكون كذلك؟"
"نعم، غير أن وقتي لمعاونتك محدود حيث أكون في الخارج احيانا وعندما أكون هنا، عليك أن تخبرني كيف يمكن أن أساعدك. سأفعل أي شيء تطلبه مني".
"حسناً".
"والآن، أحزر من سيحكم على عملك؟" .
من؟
"أنت تحكم على نفسك"
"نعم، سنقوم كلانا بالتجول في الساحة مرتين في الأسبوع، وعليك أن تشرح لي ما تم إنجازه. والآن كيف ستقيم نفسك؟"
"الخضرة والنظافة"
"هذا صحيح"
وعلى مدار أسبوعين كنت اضطلع بتدريبه مع هاتين الكلمتين حتى أحسست أنه مستعد للقيام بالمهمة, وأخيراً جاء اليوم الموعود.
"هل اتفقنا يا بني؟"
"اتفقنا"
"ما هي المهمة؟"
"الخضرة والنظافة"
"ما هي الخضرة؟"
نظر إلى ساحتنا، التي بدأت تزدهر، ثم أشار ناحية جارنا وقال "إن ذلك لون ساحته".
"ما هي النظافة؟"
"عدم وجود مخلفات".
"من الرئيس؟"
"أنا الرئيس"
" من مساعدك؟"
"أنت، عندما يكون لديك وقت"
"من القاضي؟"
"أنا القاضي. وسوف نتجول مرتين في الأسبوع وسأريك كيف يتبدل حالها"
"وما هو الهدف الذي نسعى إليه؟"
"الخضرة والنظافة"
في ذلك الوقت لم اشر البتة إلى أي مكافأة، غير أنني لم أكن لأتردد برهو في منح علاوة لهذا التفويض بالمسئولية. أسبوعان وكلمتان. وأيقنت أنه مستعد.
ثم جاء يوم سبت... ولم يفعل شيئاً، الأحد.. لم يفعل شيئاً، يوم الاثنين.. لاشيء أيضاً، وعندما شرعت في الدخول إلى سيارتي للتوجه إلى عملي يوم الثلاثاء، ونظرت إلى الساحة الصفراء التي يتناثر بها الركام وشمس يوليو الحارة تسطع من كبد السماء قلت لنفسي "لاشك أنه سينظفها اليوم". وذهبت ألتمس الأعذار له.. فيوم السبت هو اليوم الذي عقدنا فيه اتفاقنا، والأحد.. إن الأحد مخصص لأشياء أخرى.
غير إنني لم استطع أن أبرز شيئاً ليوم الاثنين . والآن حل يوم الثلاثاء. من المؤكد أنه سيعمل اليوم. إن هذا هو فصل الصيف، ماذا لديه من عمل سوى ذلك؟
وطوال اليوم لم أكن أطيق صبراً للإنتظار حتى يحين موعد العودة إلى البيت لأرى ماذا حدث ، وعند التفافي لدى زاوية المنزل، واجهتني نفس الصورة التي تركتها في الصباح، وكان ابني هناك.. ولكن في الشارع حيث يلعب. لم يكن الأمر مقبولاً، لقد تملكني الغضب وأيقظني مسلكه من الوهم الذي سادني بعد أسبوعين من التدريب ومن كل تلك الالتزامات, لقد بذلنا في هذه الساحة الكثيرة من الجهد والمال، وانتابتنا إزاءها مشاعر الفخر، ثم هكذا أرى كل ذلك يذهب أدراج الرياح، ومما زاد من الألم أن ساحة جاري كانت تزهو بالجمال والتنسيق، وبدأ الوضع مسبباً لي الكثير من الحرج.
لقد كنت مستعداً لأن ارجع إلى مبدأ التفويض الأمر يا بني، اذهب هناك والتقط تلك النفايات تواً وإلا !..." لقد كنت أعلم أن بإمكاني الحصول على البيضة الذهبية بتلك الطريقة. ولكن ماذا عن الأوزة ؟ ما الذي سيحدث لالتزامه الداخلي ؟لذا، فقد رسمت ابتسامة مصطنعة على شفتي، وصحت به عبر الشارع، "هيا يا بني، كيف تسير "الأمور أجاب" على خير حال"
"كيف تبدو الساحة الآن؟ "كنت أعلم أني قد نقضت اتفاقناً في اللحظة التي تلفظت فيها بذلك. لم تكن تلك هي الطريقة التي وضعناها للمحاسبة، لم يكن هذا ما اتفقنا عليه.
وهكذا وجد هو المبرر لخرق الاتفاق أيضاً" حسناً يا أبي".
كظمت غيظي وانتظرت إلى ما بعد الغداء ثم قلت: "يا بني، دعنا ننفذ ما اتفقنا عليه. هيا نتجول في الساحة معاً وعليك أن تريني ماذا يتم فيها في إطار تفويضك بالمسؤولية".
وعندما شرعنا في دخولنا البوابة، ارتجفت ذقنه، واغرورقت عيناه بالدموع، وعندما وصلنا إلى منتصف الساحة قال لي في أنين مكتوم.
"إنه أمر عسير جداً يا والدي"
قلت في نفسي
ما هو ذلك العسير جداً؟ إنك لم تفعل شيئاً البتة؟"
غير أنني كنت اعرف ما هو الشيء الصعب – الإدارة الذاتية - الإشراف الذاتي. هكذا قلت له، "هل أستطيع أن أقدم لك أية مساعدة؟"
قال وهو يرشف من أنفه، "هل تفعل ذلك يا أبي؟"
"ماذا كان اتفاقنا؟"
"لقد أخبرتني أنك ستساعدني إذا كان لديك وقت".
"إن لدى وقتاً الآن"
وعند ذاك ركض مسرعاً إلى داخل المنزل ورجع حاملاً كيسين فارغين، ناولني احدهما قائلاً، "هل ستلتقط هذه المخلفات؟. مشيراً إلى ما تراكم منها منذ حفل الشواء مساء السبت، ومضى قائلاً: "إنها تصيبني بالغثيان". لقد فعلت تماماً ما طلب مني أن أقوم به، وكان هذا هو الوقت الذي ابرم فيه اتفاقنا داخل قلبه. لقد أصبحت ساحته، وأضحت مسؤوليته.
وفي غضون فصل الصيف بأكمله، لم يطلب مني المعاونة غير مرتين أو ثلاث مرات فقط. لقد اخذ بالعناية بالساحة ورعاها حتى أصبحت أكثر اخضراراً وأشد نظافة عما كانت عليه طوال فترة مسؤوليتي عنها، وقد زاد عليّ ذلك بتوبيخ إخوته وأخوته إذا تركوا وراءهم مجرد لفافات قطع اللبان على البساط الأخضر. إن الثقة هي أعلى أشكال الحوافز الإنسانية، إنها تخرج من الناس أفضل ما لديهم. غير أن الأمر يقتضي وقتاً وصبراً، ولا يحول دون ضرورة تدريب وتطوير الأشخاص لرفع أهليتهم إلى مستوى تلك الثقة.
المرجع: العادات السبع للناس الأكثر فعالية
اسم الكاتب: ستيفن ر. كوفي
دار النشر: مكتبة جرير
سنة النشر: 2004
رقم الطبعة: السادسة
رقم الصفحة: 245-251
كلمات مفتاحية: تخطيط - أهداف – أولويات – الالتزام الداخلي – الإدارة الذاتية
أرسل بواسطة: محمد طه
رابط القصة: http://trainers.illaftrain.co.uk/ara...l.thtml?id=143
المفضلات