ما هو “التجانس” وأين تكمن أهميته؟


“التجانس”* هو القابلية على مشاركة الاشخاص أحاسيسهم والقدرة على تفهمهم وهو يختلف عن التعاطف والشفقة بمفهوميهما السائدين. ويتجسد التجانس في القدرة على رؤية الظروف التي يمر منها الآخرون انطلاقا من زاوية نظرهم هم.


بمعنى آخرة “هو أن تضع نفسك في مكان الإنسان الآخر وتحاول أن تفسر تصرفاته من خلال تجربته (خلفيته الثقافية) هو، لا من خلال تجربتك الإنسانية”**


مفهوم التجانس عمليا يتجلى بقوة في قولة يتداولها العرب فيما بينهم “التمس لأخيك سبعين عذرا, فإن لم تجد له عذرا فقل لعل له عذرا لا أعرفه”


التجانس يساعدك على تحقيق الاستقرار العاطفي والمرونة والقدرة على تجاوز الاختلافات وتحقيق الترابط الاجتماعي ونشر جو من الفرح والارتياح; بدل التشنج والاضطراب.


ويرى العديد من علماء النفس والاجتماع بالإضافة لبعض المستنيرين من علماء الدين والسياسيين أن التجانس هو أحد الحلول الناجعة لتحديات القرن الواحد والعشرين, ولهذا, قد يكون من الأفضل أن تُربي أبنائك على هذا الصفة ولما لا أن تُمرن نفسك على تعلمها إن لم تتلقى تربية تسمح لك تعلمها في الصغر. مع الإشارة أن تعلمها في الكبر يكون شيئا ما صعبا, لكنك حتما ستصل إن واصلت المحاولة وكانت نيتك نقية.

هنا بعض الخطوات الممكن اتخاذها لتنمية مهارة التجانس عند الأطفال الصغار:

1- امنح أبنائك دعما نفسيا وجسديا مستمرا:


أشارت الدراسات إلى أن الأطفال الذين لهم علاقة جيدة ويشعرون بالأمن مع آبائهم لهم قابلية على أن يهتمون بالأطفال الآخرين الذين يعانون بشكل يفوق الأطفال الذين تلقوا تربية عادية.

2-امنح ابنك المزيد من الحنان الجسدي:


حيث أثبتت بعض البحوث العلمية أن الأشخاص الذين يتلقون قبلا أو يتم عناقهم أو غير ذلك من الحنان الجسدي يشعرون أكثر من غيرهم بزيادة في نسبة الأسيتوسين (وهو هرمون يساعد على تقوية العلاقات ونشر مشاعر الاطمئنان والثقة في الجسد, ويُفرز غالبا خلال العلاقة الجنسية بين الأزواج). هذه الزيادة في الأسيتوسين تُنمي قابلية فهم ما يمر به الآخرون وتفهم ظروفهم.

3- تذكر أن ابنك هو شخص مستقل بذاته وبأن عقله مِلك له: احترم اختلافاته:


هذا التصرف سيساعد ابنك على أن يدخل في نقاشات تجعله يُدرك أن الحياة ليست أبيض أو أسود وبأن هناك طرقا عديدة لفعل الخير ويمنعه من أن يقوم بإسقاطات أو تعميمات خاطئة قد تُفقده تعاطفه مع الآخرين.
هذا سيساعده على تقبل اختلافات الآخرين ومشاعرهم ومعتقداتهم ويبقى متعاطفا معهم في نفس الوقت.

4- تبادل الأدوار مع ابنك:


في إحدى الدراسات, تم اختبار مجموعة من الأطفال وطلب الباحثون منهم أن يحاولوا لعب دور أشخاص أكبر منهم سنا (بأن يلبسوا نظارات وأن يمشوا بمساعدة عصا), وقد تبين أن أولئك الأطفال صاروا أكثر تعاطفا مع الأشخاص المسنين.
بإمكانك أيضا أن تُحاول طرح أسئلة على ابنك من قبيل : “بماذا ستحس إذا…”(كنت مسلما, هندوسيا, ملحدا, يتيما, ذا احتياجات خاصة, فقيرا, غريبا…)
غير أن لعب الأدوار يكون أكثر نجاعة.

5- أدخل “الآخر” في حديثك مع ابنك بشكل مقصود:


اسأل ابنك عن وجهة نظره في ما يُحسه الآخرون. تستطيع استعمال الكتب أو الأفلام أو أحداث من حياتكم اليومية وأن تسأل بانك عما يشعره الآخرون ولماذا؟ وعن ماهية التجارب والأحداث التي مروا بها وجعلتهم يتصرفون بتلك الطريقة؟
إحدى الدراسات أثبتت أن الأطفال الذين يتحدثون مع آبائهم عن مشاعر وأحاسيس شخصيات القصص التي يقرؤونها يكونون أكثر تعاطفا من الأطفال الذين يقرؤون الكتب بطريقة تقليدية.

6- تعاطف مع ولدك وبعدها (تذكر, بعد أن تتعاطف معه!!) علّمه كيف يتعامل مع مشاعره وأن يعالج المشاعر السلبية التي يمر بها:


الدراسات أثبتت أن الأطفال يكونون أكثر تعاطفا مع الآخرين حينما يكون آباؤهم متعاطفين معهم ويدعمونهم وينصحونهم في كل حالاتهم وليس فقط حينما تكون عندهم مشاكل.

7- أخبره أن : عندما تكون في حالة هدوء وترى شخصا يواجه صعوبات ومشاكل فإنه يصعب عليك أن تفهم ما يمر به ذلك الشخص


حينما يكون ولدك حزينا, استغل هذه الفرصة(طبعا, بعد أن تُشعره بأنك تدعمه وتتفهم مشاعره) لتخبره بهذه القاعدة المهمة.

8- تعاطف مع الآخرين في حضرة ابنك:


التربية لا تكون بالكلام فقط, بل بالأفعال. وعلماء التربية يؤكدون الآن أن أفضل أنواع التربية هي “التربية بالقدوة”, لأن الأطفال لهم قدرة على تقليد الأفعال أكثر من تطبيق الأوامر.
حاول أن تتعاطف مع الأشخاص الذين يكونون في حاجة للمساعدة حين يكون ابنك حاضرا, وإن لم تُتح لك الفرصة لذلك حاول أن تُظهر تعاطفك مع شخصيات الأفلام أو الكتب التي تقرؤها.

9- أخبر ابنك بتأثير مشاعره الحالية على ما يقوم به لاحقا:


حاول أن تُفسر لابنك كيف أن شعوره بأنه غبي حينما تحصل على نقطة متدنية في المدرسة أدى به لأن يُخبر أخته بأنها غبية.

10- حاول أن تؤكد لابنك على ما يجمعه بالآخرين:


الأطفال لهم قابلية على أن يتعاطفوا مع من يشبهونهم. إن كان ابنك منزعجا من أخته التي تُحدث الكثير من الضجيج, أخبريه بأنه حينما كان في نفس عمرها, كان يحب أن يقوم بإحداث ضجيج بواسطة سيارته الصغيرة.

11- علِّم ابنك الدوافع الاجتماعية بدل أن تحدثه عن العقوبات:


علمه أن ضرب الآخرين ليس أمرا جيدا للأنه “يسبب ألما لهم”. أخبره بما للسرقة من آثار على الآخرين بدل أن تقول له “المجرمون يدخلون للسجن”.

12- علِّم ابنك أن لكل شخص ظروفه وماضيه الذي يجعله يقوم بشيء ما:


أخبره بأن الآخرين يقومون بما يقومون به لأن لهم أسباب وتجارب وحاجات نفسية وجسدية ويمرون بحالات هم الوحيدون الذين يُدركونها.


قبل أن يقوم ابنك بإصدار حكم على اليتيم الذي سرق محفظته في الشارع, أخبريه بأنه لا مأوى له وبأنه يُحس بالغيرة بأن يرى أطفالا يمشون للمدرسة بينما هو يُمضي كل يومه يتسول ويتجرع معاناة تصرفات أناس لم يُربَّوا على التجانس لما كانوا صغارا.


قبل أن يبدأ ابنك في إظهار تقززه من أستاذته التي أسكتته دون سبب معين, أخبره أنه ربما كانت لها تجارب قاسية مع أطفال سمحت لهم بالتحدث خارج الدرس فصاروا مشاغبين بامتياز.