مقدمة:
الحمد لله الكريم المنان .. الرحيم الرحمن .. خلق الإنسان .. علمه البيان ، والصلاة والسلام على سيد ولد عدنان .. نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان .
أيها الأحبة الكرام .. أهلاً وسهلاً بكم .
فاتحة الكلام ..هذه الحادثة المؤثرة لسيد الخطباء محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. ها هو يعودُ من غزوة حنين ، ويعطي الأموال الجزيلة للمؤلفة قلوبهم من سادات قريش وقبائل العرب ، ويترك الأنصار فلم يعطهم منها شيئاً .
وجد الأنصار في أنفسهم، حتى كثرت فيهم القالة .. وينتشر الخبر .. فيدخل سيد الخزرج سعد بن عبادة رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول : يا رسول الله ، إن هذا الحي قد وجدوا عليك في أنفسهم لما صنعت في هذا الفيء .. فقال صلى الله عليه وسلم : فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة .
ينطلق سعد فيجمع الأنصار ، فيدخل عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ، ويخطُبهم خُطبة مؤثرة مبكية ، تأخذ بمجامع القلوب . انتصب صلى الله عليه وسلم قائماً ، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال : ((يا معشرَ الأنصار ، ما قالةٌٌ بلغتني عنكم ، وجِدَةٌ وجدتموها في أنفسكم؟
ألم آتكم ضُلالاً فهداكم الله ؟ وعالةً فأغناكم الله ؟ وأعداءً فألف بين قلوبكم ؟.
قالوا : بَلِ اللهُ ورسولُه أمَنُّ وأفضل .
قال : ألا تجيبونني يا معشر الأنصار ؟.
قالوا : وبماذا نجيبك يا رسول الله ، ولله ولرسوله المن والفضل .
قال : أما والله لو شئتم لقلتم ، فلصَدَقتم وصُدِّقتم .. أتيتنا مكذَّباً فصدقناك ، ومخذولاً فنصرناك ، وطريداً فآويناك ، وعائلاً فآسيناك .
أوجدتم في أنفسكم يا معشر الأنصار في لُعاعةٍ من الدنيا تألفت بها قوماً ليسلموا ، ووَكَلْتُكم إلى إسلامكم؟ .. أفلا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعون برسول الله صلى الله عليه وسلم في رحالكم؟ ، فوالذي نفس محمد بيده لولا الهجرةُ لكنت امرأً من الأنصار ، ولو سلك الناس شعباً وسلكت الأنصار شعباً لسلكتُ شعب الأنصار .. اللهم ارحم الأنصار ، وأبناءَ الأنصار وأبناءَ أبناءِ الأنصار)) .
الله اكبر .. بهذه الكلمات اليسيرة هيج النبي صلى الله عليه وسلم مشاعر الأنصار ، ومحى كل ما في قلوبهم من الوجد والانكسار . إنها كلمات.. نعم كلمات ، لكنها تخرج من فمه الشريف قذائف وبراكين ، لتقلب الموازين ، وتسحر المخاطبين .. فماذا كانت النتيجة ؟يقول الراوي (في بيان حال الأنصار بعد هذه الخطبة) : فبكى القوم حتى أَخْضَلوا لحاهم، وقالوا : رضينا برسول الله قِسماً وحظاً . والحديث رواه أحمد بإسناد حسن .( )
هذه الخطبة البليغة لسيد الخطباء صلى الله عليه وسلم ، هي خير ما نستفتح به الكلام عن هذا الموضوع .. افتتاحية اشتملت على إثارة الانتباه بالسؤال (ما قالة بلغتني عنكم؟) ، ثم استفهام تقريري (ألم آتكم ضلالاً فهداكم الله)، ثم مضمون بليغ يلامس القلوب (أوجدتم في أنفسكم في لُعاعةٍ من الدنيا تألفت بها قوماً ووَكَلْتُكم إلى إسلامكم) ، ثم خاتمة بدعاء صادق يأسر النفوس (اللهم ارحم الانصار وأيناء الأنصار) .
موضوعنا أيها الأحبة هو : (فن الإعداد والإلقاء) .
وإذا كنا نتحدث عن الإلقاء والخطابة فإننا نتحدث عن نعمة من أعظم نعم الله علينا .
اللسان عظيم الشان .. وهو ترجمان الجنان .. كم من لسان كان أحد من السنان .. وكم من بيانٍ ساحر كان أشد من سحر الساحر ..
المفضلات