حرية الرأي

إن حرية الرأي والتعبير مطلب إنساني وأمر فطري جبلي،فكل الناس يريد أن يعبر عن رأيه في الأمور والقضايا المختلفة والمتنوعة .
ولكن كثيرا من الناس قد امتطى صهوة جواد حرية الرأي والتعبير من غير قيد أو ضابط فصار يتخبط في أقواله وتحليلاته وآرائه ..
فصارت الثوابت الإسلامية والشرائع الإلهية محل نقاش وإبداء رأي ولا حول ولا قوة إلا بالله ..
** فصرت ترى على بعض الفضائيات الإسلامية!! حواراتٍ في حكم الحجاب هل هو عادة ام عبادة !! وذلك باسم الوسطية وحرية الرأي زعموا ..
** وصرت تسمع النقاشاتِ عن حكم إقامة الحدود الشرعية على الزاني والسارق أيضاً باسم الوسطية وحرية الرأي .

ثم يدعى إلى مثل هذه الحوارات والنقاشات فريقان :
* فريق مؤيد للشرع ،وحتى تكتمل المهزلة و تعظم المصيبة أكثر وأكثر فإنه يدعى إلى هذه الحوارات غير المختصين من غير العلماء الراسخين،حتى يكون الطرح ضعيفاً هزيلاً ..
* وفريق آخر، معارض للشرع، ثم يطرح كل فريق رأيه، وبعدها ينتهي اللقاء والحوار من غير بيان الحق ونصرة الشريعة ..
عباد الله ..

إن عرض ثوابت الدين على طاولة البحث والنقاش جريمة عظيمة نكراء، لما في ذلك من المخالفة الصريحة لوجوب تعظيم الشريعة،وحفظ هيبتها، وتحكيمها واتباعها في كل صغير وكبير .
قال الله جل وعلا :
فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضين ويسلموا تسليما .

وقال سبحانه :
وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أن يكون لهم الخيرة من أمرهم .
وقال تعالى :
إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا الى الله ورسوله أن يقولوا سمعنا وأطعنا واولئك هم المفلحون .
عباد الله .

إن حرية المُسلم في القول والعمل لا بُدَّ أن تكون في إطار ما جاء الشرع المطهر .
نعم في داخل هذا الإطار الشرعي هناك مجالٌ رحبٌ للتعبير عن القناعات، ولطرحِ الرؤى، والاقتراحات، فمَن لم تَسَعه الشريعة، فراح يُجري خيله في أودية الهلاك – بعد أن هُيِّئت له مضامير الرشاد ، فلا وسَّع الله عليه،((وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ))..
عباد الله ..

إن حُكم الشريعة يسري على : الرأي، والسياسة، والاقتصاد، والاجتماع، والرضا، والغضب، وفي كل شأن، ولا نقول كما يقول بعضُ مَن في قلبِهِ نفاقٌ ومرض : وما دخلُ الدينِ في السياسة والاقتصاد ؟؟!! .
أو كمن يقول : إن تدخُّل الدين في الفن والعلوم تخلُّف وقتل للإبداع !! ..
إن قائل مثل تلك الكلمات الآثمة الفاجرة جاهل بحقيقة الشريعة وكمالها، وجاهل بأن الشريعة هي شريعة الله وأنها صالحةٌ ومصلحةٌ لدين الناس ودنياهم، إذن فليهنأ اولئك بكُلِّ إبداع الدنيا وغُثائها، فما لهم –واللهِ- عند الله -بعد دينهم- مِن خلاق.

عباد الله ..
إن للحرية والتعبير عن الرأي ضوابط شرعية،وقواعد مرعية :

أولها : احترام الثوابت الدينية،والأصول الشرعية، وعدم جعلها محل نقاش وبحث،فإن ذلك ينافي تعظيم الشريعة، و ينافي اعتقاد كمالها ،قال الله (( ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ))
ثانيها : أن يكون الرأي مشروعاً ، وأن لا يكون مخالفاً لشريعة الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال الله جل وعلا ((وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ )) فإن تعجَّبتَ من هذا الحُكم الإلهي، وسألتَ عن السبب؛ جاءك الجواب شافياً بقوله ((إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ(( ..
ثالثها : مراعاة ما يؤول إليه الكلامُ من مصلحةٍ ومفسدة؛ فالبُعدُ عن البلبلة، وحِفظُ مصالح الناس، أولى مِن فسح المجال لكلِمةٍ تقول لصاحبها: دعني.


فالحفاظ على هيبة الشريعة، والحفاظ على وِحدة الصَّفِ ، وإبعاد الناس عن التُرَّهات والسُّخف كُلُّ هذه مقتضياتٌ يجب أن تُراعى في أمانة الكلمة، وألا يخلو المجتمعُ المسلمُ من المصلحين الذين يأخذون على أيدي العابثين المفسدين، الداعين إلى الحرية من غير قيد أو شرط ..
رابع ضوابط حرية الرأي – عباد الله - : مراعاة الصِّدقِ في الأقوال والعدلَ في الأحكام، فإن المسلم مسؤول عمَّا يخرج من فيه ..

وخامس هذه الضوابط – عباد الله – في حرية الرأي : مراعاة حال المُخاطَبين ومستوياتهم ، فليس كُل ما كان حقاً وصحيحاً- يصلح أن يُخاطبَ به كُلّ الناس،إذ ليس كل صدقٍ عدلاً .
فقد صح عن علي – رضي الله عنه أنه قال : حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ.
وقال ابن مسعود -رضي الله عنه-: ما أنت محدثٌ قومًا حديثًا لا تبلُغُه عقولُهم إلا كان لبعضهم فتنة.