تصفية النفوس من الأحقاد
اللهم صلِّ على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم لك الحمد بالإيمان، ولك الحمد بالقرآن، ولك الحمد حتى ترضى؛ سبحانك لا إله إلا أنت، اللهم طهر قلوبنا من النفاق والغل والحقد والحسد يا رب العالمين، واجعلنا ممن يأتيك يوم القيامة بقلب سليم. إخواني! إن هناك كثيراً من الآداب المفقودة بين المسلمين، وهذه الآداب المفقودة تسبب أنواعاً من الوقوع في الإثم والعدوان، وكثيراً من الناس يستهينون بباب الأخلاق والآداب؛ مع أن باب الأخلاق والآداب من الأمور العظيمة التي هي من مزايا هذه الشريعة ومن محاسنها، وبعض الناس يهتمون بأمور المعتقد والفقه والعلم، وينسون أن هذا الدين لا بد أن يكون المسلم فيه متخلقاً بأخلاق الإسلام متأدباً بآداب الشريعة. ومن مآسينا في هذا الزمان، وفي ظل دائرة الابتعاد عن الإسلام يوجد هناك كثير من النقص والعيب، ومن ضمنه هذه الأمور المفقودة في باب الأخلاق والآداب، وهذا باب واسع جداً، وسنتكلم إن شاء الله في هذه الليلة عن واحد من هذه الأشياء التي هي مفقودة عند الكثيرين، أو موجود ضدها عند الكثيرين، ونبين إن شاء الله موقف الإسلام من هذه القضية، وكيف ينبغي على المسلم أن يفعل تجاه هذا المرض، وعنوان درسنا لهذه الليلة: تصفية النفوس من الأحقاد. الحقد مرض خطير ومتفش في هذا الزمان، وكثير من الناس يحقدون على بعضهم البعض، والحقد بين المسلمين كما ذكرنا من مآسينا في هذا العصر.......
أثر تفشي الحقد على المجتمع
قال النبي صلى الله عليه وسلم مبيناً خطورة الحقد أيضاً: (ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ إصلاح ذات البين) لأن الصيام والصلاة والصدقة عبادات عظيمة، وإصلاح ذات البين نفعه متعد منتشر، وقال: ( فإن فساد ذات البين ) وتفسد ذات البين بالحقد والبغضاء والشحناء، قال: (إياكم وسوء ذات البين فإنه الحالقة) وفي الرواية الأولى: (فإن فساد ذات البين هي الحالقة) ما هي الحالقة؟ التي تحلق الإيمان كما تحلق الموسى شعر الرأس. وقال أبو الدرداء : [ألا أحدثكم بما هو خير لكم من الصدقة والصيام؟ صلاح ذات البين، ألا وإن البغض هي الحالقة]. الحالقة: هي الماحية للثواب، ولذلك ورد في الرواية الأخرى: (دب إليكم داء الأمم قبلكم الحسد والبغضاء، هي الحالقة؛ حالقة الدين لا حالقة الشعر) على علة في إسناده، فحالقة الدين تحلق الدين كما تحلق الموسى الشعر، وسميت داء لأنها داء القلب، والحقد يؤدي إلى ثمانية أشياء: 1- تمني زوال النعمة على من تحقد عليه. 2- الشماتة به إذا أصابه البلاء. 3- مهاجرته ومصارمته وإن طلبك . 4- الإعراض عنه استصغاراً له . 5- التكلم بالكذب والغيبة وإفشاء السر وهتك الستر في حقه. 6- محاكاته استهزاءً به وسخرية منه. 7- إيذاؤه وإيلامه بما يؤذي ويؤلم بدنه من ضرب وغيره. 8- التمنع عن حقه من قضاء دين أو صلة رحم أو رد مظلمة، هذا كله من شؤم الحقد وما يؤدي إليه الحقد. كما جاء في دعاء مأثور: [اللهم إني أعوذ بك من خليل ماكر عيناه ترياني وقلبه يرعاني، إن رأى حسنة دفنها وإن رأى سيئة أذاعها] أما مرفوعاً فلا يصح، ولكن المعنى في هذا [الخليل الماكر عيناه ترياني وقلبه يرعاني إن رأى حسنة دفنها وإن رأى سيئة أذاعها] هذه صفات الحاقد، إذا رأى حسنة كتمها وإذا رأى سيئة نشرها. وصدور المؤمنين يا أيها المؤمنون لا محل لحقد فيها، لأن الأصل في صدورهم أنها سليمة مملوءة بالمحبة وإرادة الخير للآخرين، فلا مجال للغل فيها، وإن مرت الكراهية والبغضاء الموجودة بسبب فإنها تمر مرور عابر السبيل، لا يجد مكاناً يستقر، وهكذا العوارض الغريبة تنطرد من الوسط الذي لا يتقبلها.
عناية الإسلام بإزالة الضغائن من القلوب
والإسلام يتعاهد النفوس ليغسلها من أدران الحقد يومياً وأسبوعياً وفي كل عام، أما بالنسبة ليومياً فهناك حديث نذكره هنا مع اختلاف العلماء في صحته لنستشهد به في هذا الباب، وهذا الباب على أية حال ليس من أبواب الاعتقاد ولا الحلال والحرام، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (ثلاثة لا ترفع صلاتهم فوق رءوسهم شبراً: رجل أمَّ قوماً وهم له كارهون، وامرأة باتت وزجها عليها ساخط، وأخوان متصارمان) متقاطعان متدابران متهاجران متفارقان متكارهان، رواه ابن ماجة و ابن حبان في صحيحه ، قال البوصيري في الزوائد : هذا إسناده صحيح ورجاله ثقات، وقال العلامة الألباني : فيه عبيدة ، قال ابن حبان في الثقات : يعتبر حديثه إذا بين السماع وهو لم يبين السماع، فهذه العلة التي ذكرها، والشاهد من الحديث: قوله: (أخوان متصارمان) لا ترفع صلاتهم فوق رءوسهم شبراً. أما بالنسبة لأسبوعياً: قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: (تعرض أعمال العباد في كل جمعة مرتين، يوم الإثنين ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد مؤمن إلا عبداً بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: اتركوا هذين حتى يفيئا) والآن تصور معي، في كل أسبوع تعرض الأعمال على الله، يغفر الله للمؤمنين إلا من بينه وبين أخيه شحناء فلا مغفرة، لهما، للشحناء. وفي رواية أيضاً لـمسلم : (تفتح أبواب الجنة يوم الإثنين والخميس، فيغفر فيها لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً إلا رجل كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال: أَنِظروا هذين حتى يصطلحا) فكم يفوته من الأجر العظيم كل أسبوع مرتين! يومان في الأسبوع الإثنين والخميس، يقال: (أنظروا هذين حتى يصطلحا) لا مغفرة لهذين حتى يصطلحا، حتى يفيئا. إذاً: لا يجوز لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث. وبالنسبة للشيء السنوي لموضوع الأحقاد، لاحظ معي الحديث: (إذا كان ليلة النصف من شعبان اطلع الله إلى خلقه فيغفر للمؤمنين ويملي للكافرين، ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه) ويدع أهل الحقد بحقدهم لا مغفرة لهم حتى يدعوا الحقد، وحتى يخرجوا البغضاء من قلوبهم، حتى يتصافوا ويكونوا إخواناً كما أمر الله، وفي رواية: (فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن) المشرك ليس له مغفرة، والمشاحن ليس له مغفرة، تباً لهم على ما حرموا من هذا الخير العظيم وهذه المغفرة العظيمة بسبب الحقد والشحناء. هذا في الأسبوع يومان وكل سنة، فقضية الأحقاد موقوف أصحابها عند رب العالمين، لا مغفرة لهم، فالمسألة جادة أيها الإخوة.
المفضلات