عضو مميز
- معدل تقييم المستوى
- 24
كن مفتاح خير مغلاق شر
بسم الله الرحمن الرحيم , والحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على أشرف المرسلين , نبينا محمد الصادق الوعد الأمين , وعلى آله الطيبن الطاهرين , وصحابته أجمعين , ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
قال الله تعالى :{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}
فخيرية هذه الأمة ارتبطت بأمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر , وقد كَثُرت في المجالس المنكرات وقلَّ النهي عنها , بل وترى أن بعض الناس إن ابْتُدِأَ بحديثٍ فيه لغو أنصت الجميع وبدأ كل واحد من حضور المجلس يتحضَّر للمشاركة في هذا اللغو , وتكثُر الغيبة والنميمة على الألسنة في مجالس النساء ومجالس الرجال إلا ما رحم الله , فيُذْكَر في غيبة الناس من الأخبار ما سُمِعَ أسوءها , دون تثبُّت وقد نُسِيَ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : بئس مطية الرجل زعموا.
فهذه من مفاتيح الشر التي انتشرت في المجالس إلا ما رحم ربي , أفليس من الأحرى أن يكون كل مسلم مفتاح خير مغلاق شر , فإذا ذكر أحدهم بسوء وقد يُعرف عن هذا الشخص من المساوئ ما يعرف أن يُكْتَم عنه ويستر عليه , و أن تُصْرَف أحاديث الناس عنه ويُدْعَى له بالهداية , بل ويُذْكَرُ شيئا من محاسنه أمام الناس حتى لا يُنْظَر له بعين الازدراء , ومن منَّا يخلى من العيوب والنواقص , ولنتذكر قول الرسول محمد صلى الله عليه وسلم : يبصر أحدكم القذاة في عين أخيه وينسى الجِذع _ أو الجذل _ في عينه معترضا.
القذاة : الوسخ ونحوه مما يقع في العين والمراد العيب والنقيصة , الجِذع : ساق النخلة والمراد الشيء الكبير .
ولقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما الغيبة , حتى يعلم الجميع ما يجري على لسانه من ذكر الناس وهو غافلٌ , يأكل لحوم الناس .
فعن أبيه عن أبي هريرة أنه قيل : يا رسول الله ما الغيبة قال : ذِكْرُكَ أخاك بما يكره, قيل : أفرأيت إن كان في أخي ما أقول , قال : إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته.
بهتَّه : أي كذبت وافتريت عليه .
فهذه هي الغيبة ذكر المرء وإن كان فيه ما فيه من المساوئ فيكف بمن يتداول الأخبار التي سمعها وقام بنشرها في المجالس .
وقد يتذرَّعُ الكثير ممن يقومون بدور مفاتيح الشر أنهم يريدون النُّصح , كلا : وإنما النُّصح ليس أمام الملأ فهذا فَضْحٌ وليس نُصْحٌ فلنتق الله في ألسنتنا .
فحصائد الألسنة قد تُلقِي بأصحابها في النار أجارنا الله وإياكم , فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه : ثكلتك أمك [يا معاذ] بن جبل وهل يكب الناس على مناخرهم في جهنم إلا حصائد ألسنتهم .
ثكلتك أمك : دعاء بالفقد المراد به التعجب !.
ولقد أباح رسول الله صلى الله عليه وسلم الكذب للإصلاح بين الناس مع أن الكذب في أصله حرام , فعن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يحل الكذب إلا في ثلاث يحدث الرجل امرأته ليرضيها, والكذب في الحرب , والكذب ليصلح بين الناس.
فلنصلح إذاً بين إخواننا وأخواتنا , ولنترك التكلم في أعراض الناس والخوض فيها , و التي قد تتسب في خراب البيوت أو إهدار الدماء أو قطع الرزق , ولنكن في المجالس مفاتح الخير نصلح بين الناس , فهذه من الخيرية التي وصف الله بها أهل هذه الأمة , فالنهي عن المنكر فيما يجعل الناس عُرْضَةً للسب والطعن , والأمر بالمعروف من خلال إصلاح ذات البين .
وهل من كلام أعظم من آيات الله فلنتأمل المعاني العظيمة لهذه الآية الكريمة قال الله تعالى :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ}.
وممَّا انتشر وللأسف في بعض مجالس الشباب الملتزم , وجرى على ألسنتهم النيل من العلماء والدعاة بدعوى تحذير العوام من أخطائهم , فمنهم من لم يفهم مراد هؤلاء العلماء , فقام بتأويلٍ باطل لما قالوه , أو بتقويلهم ما لم يقولوا , وقد عمَّت البلوى بكثير من هذه المشاحنات في المجالس , أفلا نتق الله في العلماء والمشايخ , وألا نكون سبباً في تهاون الناس بالغيبة , بل نقوم بالنُصح بخير وموعظة حسنة , دون طعن أو مشاحنة وبغضاء , ولندافع عن هؤلاء العلماء بذكر فضلهم بتعليم الناس أمور دينهم دون تعصب إلا للحق بمعرفته وأهله , ولنتق الله فيما نقول , فإما أن نكون في هذه المجالس أصحاب فضيلة وتقوى أو ننصرف عنها , فكم من جويهل قد خاض في أعراض العلماء ونال منهم , وادَّعى علماً ليس أهلاً له , وتكلَّم بما لا يعلم فأتى بالعجائب .
ولنذَّكر أنفسنا ومن نُجالِس بسنَّة النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم , بذكر كفَّارة المجلس فنحيها , حتى يتذكر الناس ما في المجالس من لغوٍ فَيَدَعُوهُ , فعن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بأخرةٍ , إذا أراد أن يقوم من المجلس سبحانك اللهم وبحمدك , أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك , فقال رجل يا رسول الله إنك لتقول قولاً ما كنت تقوله فيما مضى ؟ قال كفارةٌ لما يكونُ في المجلس.
وخير تذكرة لنا ما جاء في كتاب الله العزيز , قال الله تعالى : {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}
المفضلات