يقول ابن عطاء الله السكندري:
1- (من علامة الاعتماد على العمل ،نقصان الرجاء عند وجود الزلل):
يعني أن من علامات تعويل العامل على عمله أن ينقص رجاؤه في رحمة الله عند وجود زلله .
ومفهومه رجحان الرجاء عند التحلي بالعمل والتخلي عن الزلل ، وهذه الحكمة إنما تناسب العارفين
الذين يشاهدون أن الأعمال كلها من رب العالمين ، لملاحظتهم قوله سبحانه في كتابه المكنون
: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) الصافات (96)
فلا يعظم رجاؤهم بالأعمال الصالحة حيث إنهم لا يشاهدون لأنفسهم عملاً ، ولا ينقص أملهم في
رحمة الله إذا قصروا في الطاعة أو اكتسبوا زللا ، لأنهم غرقى في بحار الرضا بالأقدار ،
متمسكون بحبل قضاء { وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ } القصص (68)
فإن الرضا بالقضاء واجب من حيث إرادته له ، ومذموم من حيث الكسب ، ما انفكت الجهة .
وقد قال المصنف في بعض قصائده :
ولا يَمْنَعْهُ ذنبٌ من رَجَاءٍ فإنَّ الله غَفارُ الذُّنوب
وأما السالكون فإنما يناسبهم الفرح بصالح العمل ، وتقديم الخوف المستلزم لنقصان الرجاء عند وجود الزلل ،
على حد قول الإمام الدردير :
وغَلِّبِ الخوفَ على الرجاءِ وسِرْ لمولاك بلا تناءِ
لا سيما في هذه الأزمنة التي رقت فيها الديانة ، وكثرت الجراءة على المعاصي ، وقلَّتْ فيه الأمانة .
فإن الله تعالى جعل الأعمال الصالحة سبباً لرفع الدرجات بدار القرار ، والأعمال الطالحة موجبة للدرك
الأسفل من النار ، قال تعالى : { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى(5)وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى(6)فَسَنُيَسِّ ُهُ لِلْيُسْرَى(7)
وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى(8)وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى(9)فَسَنُيَسِّ ُهُ لِلْعُسْرَى (10) } الليل
وإنما بدأ المصنف بما يناسب مقام العارفين ، وإن كان مقتضى الترقي البداءة بمقام السالكين من الحث
على حسن المتاب ، والتمسك بالأسباب الموصلة إلى الكريم التواب ، ليكون السالك حسن البداية
التي بها تشرق النهاية . فمقصوده بهذه الحكمة تنشيط السالك المجد في الأعمال ،
ورفع همته عن الاعتماد عليها ، واعتماده على محض فضل ذي العزة والجلال .
كما أشار لذلك ابن الفارض بقوله :
تمسَّكْ بأذيالِ الهوى واخلَعِ الحَيا وخلِّ سبيلَ النَّاسكينَ وإنْ جَلُّوا
فإنه لم يُرِدْ الأمرَ بترك العبادة ، لأنه كان من أعظم العُبَّاد ، بل أراد عدم التعويل عليها ،
والاعتماد على فضل الكريم الجواد . وفي الحديث : " لن يُدْخِلَ أحداً عملُهُ الجنة "
قالوا : ولا أنت يا رسول الله . قال : " ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بفضله ورحمته " .
وقد جُمع بين هذا الحديث و آية : { ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }النحل (32)
بأن العمل لا يكون معتبراً إلا إذا كان مقبولاً ، وقبوله بمحض الفضل ،
فصح أن دخول الجنة بمحض فضل الله، وأن العمل سبب ظاهري متوقَّف عليه .
والله تعالى يوفقنا لما فيه رضاه .
المصدر:
شرح حكم الإمام ابن عطاء الله السكندري للشيخ عبد المجيد الشرنوبي
المفضلات