الأمر الثاني عشر :

النصح للعباد حال معاشرتهم ومخالطتهم بشغلهم بالخير وصرفهم عن الشر وقد قال عليه الصلاة والسلام : " الدين النصيحة ، الدين النصيحة الدين النصيحة ، ولا يكون الإنسان مفتاحا للخير إلا إذا كان في كل مجلس من مجالسه حريص على نشر الخير ولهذا يقول ابن القيم رحمه الله في معنى قوله تعالى : (( وجعلني مبارك أينما كنت )) قال لا يكون العبد كذلك إلا إذا كان في كل مجلس يجلسه يحرص فيه على نشر الخير وكف الشر وقد مر معنا في الحديث المتقدم قول النبي صلى الله عليه وسلم :" خيركم من يرجى خيره ويؤمن شره " .

الأمر الثالث عشر :

أن أبواب الخير متتابعة من فتح له منها باب تفتحت له أبواب هذه من نعمة الله وأهل العلم يقولون إن الحسنة تنادي أختها وتدعوها فإذا انشرح صدرك لباب من أبواب الخير وأقبلت عليه فهذه من نعمة الله عليك لأن الحسنة تنادي الحسنة (( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان )) فإذا وجدت من نفسك إقبالا ونشاطا على باب من أبواب الخير فأغمره قبل أن يحال بينك وبينه فإنك إن ولجت باب الخير ودخلت ولوكان قليل يسير هذا القليل اليسير يدعو غيره ويفتّح لك أبوابا أخرى فالحسنة تنادي الحسنة ، والسيئة والعياذ بالله أيضا تنادي السيئة (( ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوء )) ومن الأحاديث الواردة في هذا المعنى ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال : " ما فتح رجل باب عطية أو صدقة أو صلة إلا زاده الله تعالى بها كثرة " ولهذا ينبغي على الإنسان أن يغرم نشاطه وإقبال نفسه والنفس لها إقبال وإدبار إذا أقبلت على باب من أبواب الخير أدخل ولو كان قليل لأن هذا الخير القليل يجرك إلى خير آخر وهكذا تترقى في أبواب الخير وتتدرج في منازله خطوة خطوة وإياك أن تحرم نفسك من خير ولو كان قليل لأنه قد يحال بينك وبينه يحول الله عز وجل بين المرء وقلبه قد يحال بينك وبين ذلك فاغنم الخير القليل يجرك إلى خير كثير .

المسألة الرابعة عشر :

من فتح عليه باب من أبواب الخير فلا يحقرن ما فتح على غيره من أبواب الخير الأخرى وهذه مشكلة الكثير منا عندما يفتح عليك باب من أبواب الخير كالصلاة مثلا وفقت للصلاة أو للصيام صيام النوافل مثلا أو وفقت لبعض أعمال الخير و أعمال البر لا تحقرن أبواب الخير التي فتحت على الأخرين أنت فتح عليك بالصيام وآخر فتح عليه بماذا بخدمة للإسلام وبأعمال جليلة أنت لا تراها شيئا في مقابل قيامك أو صيامك أوصدقتك وقد تكون أعمال الآخر أعظم من أعمالك وأشد عند الله سبحانه وتعالى فالشاهد من فتح له من أبواب الخير فلا يحقرن أبواب الخير التي عند الأخرين أنت على خير وهو على خير ولا تحقرن شيء من الخير فتح على الأخرين به بعض الناس عندما يوفق لطاعة من الطاعات كالصيام مثلا أو مثلا كاقيام ثم يرى آخر لا يعمل مثل عمله ربما تحاقر وهو انتصار وقد يكون هذا الآخر عنده أعمال بينه وبين الله سبحانه وتعالى جليلة جدا أعظم من هذه الطاعة القاصرة على صاحبها هناك طاعات متعدية وهناك طاعات قاصرة على الإنسان ولهذا لا يحقر الإنسان من المعروف شيء ولهذا من الأمور الطريفة اللطيفة التي تروى في هذا الباب قصة جميلة دارت بين الإمام مالك ابن أنس رحمه الله وأحد العباد المشتغلين بالعبادة أرسل إلى مالك نصيحة ينصح الإمام مالك أن يترك الدروس وأن يترك التعليم وأن يتفرغ للعبادة لأنه هو عابد ومشتغل بالعبادة بالقيام ، بالصلاة الخ والإمام مالك مجتهد في تعليم الناس الخير فأرسل له هذا العابد نصيحة يطلب فيها من الإمام مالك أن ينفلت بنفسه ويشتغل بالعبادة ويترك هذه المجالس ، مجالس التعليم التي هي في ظن هذا العابد تأخذ وقتا عن العبادة هذه القصة ذكرها الذهبي في سيرأعلام النبلاء أن عبد الله ابن عمر العمري العابد كتب للإمام مالك رحمه الله تعالى قال يحثه على الإنفراد والعمل فكتب إليه مالك ابن أنس : إن الله قسم الأعمال كما قسم الأرزاق فرُب رجل فتح له في الصلاة ولم يفتح له في الصوم وآخر فتح له في الجهاد ، فنشر العلم من أفضل أعمال البر وقد رضيت بما فتح لي وما أظن ما أنا فيه بدون ما أنت فيه وأرجو أن يكون كلانا على خير وبر. أنظر كلام العالم قال وأرجو أن يكون كلانا على بر، أيضا هذا العالم لم يقل أنت ما تفهم أو أنت ما عندك مثل ماعندي من العلم وأنت أمرك أهون بل قال له كلام جميل متواضع ختمه بقوله وأرجو أن يكون كلانا على خير وبر ، أنا على خير وأنت على خير لكن الخير الذي أنا فيه أرى أنه أعظم لماذا ؟ لأن نفعه متعدي بخلاف العابد نفعه قاصر عليه ولهذا في حديث أبي الدرداء قال النبي صلى الله عليه وسلم:" فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب.