الأمر الثامن :

من الأمور التي يكون فيها المرء مفتاحا للخير وأقف هنا وقفة وأقول من فضل الله سبحانه وتعالى أن الأخ المقدم ومعالي المدير عندما دعوني إلى هذه المحاضرة لم يحددوا وقتا ولهذا أرجو أن تصبروا عليّ لأن الموضوع واسع وأنا أحاول قدر الإستطاعة أن أطيل فإذا أطلت إطالة مملة إذا دعاني معالي المدير للتوقف فأنا رهن الإشارة الأمر الثامن الرفق في الأموروالتعامل مع الناس بمكارم الأخلاق فإن هذا من أعظم الرواتج لأن تكون مفتاحا للخير وثق أيها الأخ الموفق أن صاحب الخلق الغليظ والمعاملة السيئة لا يمكن أن يفتح بها قلوب الناس لا يمكن أن يفتح قلوب الناس بأخلاق فظة والمعاملة الغليظة وقد قال الله سبحانه وتعالى لنبيه سيد ولد آدم قال (( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك )) النفوس تنفر من الغليظ من الشديد من العنيد من سيء الأخلاق حتى ولو كان الذي يقول لهم خيرا فإن رعونة أخلاقه وسوء معاملته وفضاضة أسلوبه تنفر الناس من حوله ولهذا يحتاج الإنسان ليكون مفتاح للخير أن يتعامل مع الناس المعاملة الرقيقة وأن يكلمهم بالكلام الطيب الهادىء الكلام الذي فيه التواضع ليس فيه التعالي وليس فيه الترفع على الناس وليس فيه التطاول عليهم ولقد أضرب الأمثلة على ذلك من سنة النبي صلى الله عليه وسلم طال بنا الوقت ولكن أضرب مثالا واحدا جميلا ومدهشا عندما دخل نبينا عليه الصلاة والسلام مكة فاتحا في البلد الذي أوذي فيه أشد الأذى لما دخل مكة فاتحا ذهب أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأتى بوالده ووالده لم يكن قد أسلم بعد أتى به إلى النبي عليه الصلاة والسلام ممسكا بيده وكان شعرلحيته ورأسه وحواجبه أبيض كأنه ثغامة رجل كبير في السن لحيته بيضاء شعره أبيض فجاء به أبو بكر إلى النبي عليه الصلاة والسلام فماذا قال عليه الصلاة والسلام قال : يا أبا بكر لماذا جعلت هذا الشيخ يأتينا ألا أخبرتني أنا الذي أتيه ؟ هذا الخلق العظيم الرفيع من رجل دخل فاتحا في بلد أوذي فيه أشد الأذى ماذا يصنع ؟ ثم وضع عليه الصلاة والسلام يده على صدره وقال تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ؟ قال : أشهد أن لا إله إلا الله و أنك رسول الله . وقال عليه الصلاة والسلام لمعاذ بن جبل وهو يضع يده على كتفه وهو شاب صغير من شبان الصحابة : يا معاذ إني أحبك فلا تدعن دبر كل صلاة أن تقول : اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك .. وضع يده على كتفه بكل لطف وهدوء وبحنان يا معاذ إني أحبك فلا تدعن بين دبر كل صلاة أن تقول كذا وكذا فرق بين هذا وبين من يخاطب الصغير يا ولد أو يا جاهل أو يا كذا بعبارات غليظة لماذا لا تفعل كذا ؟ النفس تغلق . ولهذا من أراد لنفسه أن يكون مفتاحا للخير أن يتحلى بمكارم الأخلاق ونبيلها وقد قال عليه الصلاة والسلام :" إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق .

الأمر التاسع :

لا يتحقق للعبد أن يكون متمما للفتح على الناس بالخير إلا إذا كان هو معتني بالخير فاعل له سباقا إليه وانظروا إلى قول شعيب عليه السلام عندما قال لقومه: (( ما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه )) ولهذا من يدعو الناس إلى الخير ينبغي أن يكون سباقا للخير قال تعالى (( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا )) فلا يكفي أن يكون الإنسان داعية بلسان مقاله وأن يكون مثبطا مضيعا لواقع حاله بل ينبغي أن تكون أفعاله قدوة وهنا تبلغ المسألة خطورتها عندما يكون الإنسان الذي يدعو الناس إلى الخير أعماله تدعو الناس إلى الشر وهنا أقرأ لكم كلاما لابن القيم رحمه الله في سطورأربع فقط يقول رحمه الله : علماء السوء جلسوا على باب الجنة يدعون إليها بأقوالهم ويدعون إلى النار بأفعالهم فكلما قالت أقوالهم للناس هلموا قالت أفعالهم لا تسمعوا منهم فلو كان ما دعوا إلأيه حق كانوا أول المستجيبين له فهم في الصورة أدلاء أي هؤلاء العلماء علماء السوء في الصورة أدلاء أي يدلون الناس إلى الجنة وفي الحقيقة قطاع طريق . انتهى كلام ابن القيم رحمه الله تعالى .