الشرح


شرح رياض الصالحيــن / الجزء الأول


اليمين هي الحِلْفُ بالله عز وجل، أو باسم من أسمائه،

أو صفة من صفاته، ولا يجوز الحِلْفُ بغير الله، لا بالنبي

صلى الله عليه وسلم، ولا جبريل عليه الصلاة والسلام،

ولا بأي أحد من الخلق، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:

((مَنْ كان حالفاً فليَحلِف بالله أو لِيَصمُت)).

وقال: (( من حَلِفَ بغير الله فقد كفر أو أشرك))

فمن حلف بغير الله فهو آثم، ولا يمينَ عليه،لأنها يمين

غير منعقدة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:

((من عَمِلَ عَمَلا ليس عليه أمرُنا فهو رَدٌّ))

ولا ينبغي للإنسان أن يُكثر من اليمين، فإن هذا هو

معنى قوله تعالى:﴿وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ [المائدة:89]،

على رأي بعض المفسِّرين، قالوا: واحفظوا أيمانكم:

أي لا تُكثروا الحلف بالله، وإذا حَلَفت ينبغي أن

تُقيِّد اليمين بالمشيئة، فتقول: والله إن شاء الله،

لتستفيد بذلك فائدتين عظيمتين: الفائدة الأولى:

أن يتَيسر لك ما حلفت عليه. والفائدة الثانية:

أنك لو حنثتَ فلا كفارة عليك، فمن حلف على

يمين وقال إنشاء الله لم يحنث، ولو خالف ما حلف

عليه، ولكن اليمين التي توجب الكفارة هي اليمين على

شيء مستقبل، أما اليمين على شيء ماضٍ فلا كفارة فيها،

ولكن إن كان الحالف كاذبا فهو آثم، وإن كان صادقا

فلا شيء عليه، ومثال هذا لو قال قائل: والله ما فعلت كذا!

فهنا ليس عليه كفارة صِدْقٍ أو كَذِب، لكن إن كان صادقا

أنه لم يفعله فهو سالم من الإثم، وإن كان كاذبا بأن كان قد

فعله فهو آثِم. وأما اليمين التي فيها الكفارة فهي اليمين

على شيء مُستقبل، فإذا حلفت على شيء مستقبل فقلتَ:

والله لا أفعل كذا، فهنا نقول: إن فعلته فعليك الكفَّارة،

وإن لم تفعله فلا كفَّارة عليك، والله لا أفعل كذا، فهذه يمين

منعقدة، فإن فعلته وجَبَتْ عليك الكفارة، وإن لم تفعله فلا

كفارة عليك، ولكن: هل الأفضل أن أفعل ما حلفت على

تركه، أو الأفضل أن لا أفعل؟ في هذا الحديث بيَّن النبي

عليه الصلاة والسلام: أنك إذا حلفت على يمين، ورأيت

غيرها أتقى لله منها، فكفر عن يمينك، وأْتِ الذي هو أتقى.

فإذا قال قائل: والله لا أُكلم فلانا، وهو مسلم، فإن

الأتقى لله أن تكلمه، لأن هجرَ المسلم حرام، فكلِّمْهُ وكفِّر

عن يمينك، لأن هذا أتقى لله ولو قُلت: والله لا أزور قريبي،

فهنا نقول: زيارة القريب صلة رحم، وصلة الرحم واجبة،

فَصِلْ قريبك، وكفر عن يمينك، لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

((فرأى غيرها خيرًا منها فليُكَفِّر عن يمينه فلْيأتِ الذي هو خير))

وعلى هذا فقس. والخلاصة أن نقول: اليمين على شيء ماض

لا يُبحَثُ فيها عن الكفارة، لأنه ليس فيها الكفارة، لكن إما

أن يكون الحالف سالما أو يكون آثما. فإن كان كاذبا فهو

آثم، وإن كان صادقا فهو سالما. واليمين على المستقبل هي

التي فيها الكفارة، فإذا حلف الإنسان على شيء مستقبل

وخالف ما حلف عليه، وجَبَتْ عليه الكفارة، إلا أن يُقرِنَ يمينه

بمشيئة الله، فيقول إن شاء الله، فهذا لا كفارة عليه ولو خالَفَ.

والله الموفق.