◄كيف نحافظ على التغيير الذي تحقق ونداوم على طاعة الله..؟؟
طوال شهر رمضان، عاش المسلمون – بدرجات متفاوتة – في جو مشبع بالطاعة والخير والقرب من الله، والتواصل الإجتماعي، والتغير نحو الأفضل، وإستعادة الكثير من مقومات الشخصية المسلمة التي بهتت أو ضاعت خلال دوامة الحياة وضغوطها على إمتداد الشهور التي سبقت منذ رمضان الماضي، وكذلك التخلص من عدد من الخلال السيئة التي أصابتنا من قبل.
ومن الغبن الشديد للنفس أن تتبخر – في أيام – كل تلك الثمرات الطيبة التي تحققت خلال شهر رمضان ببرامجه الحافلة البناءة.
من الواجب، والأمر كذلك، أن نقف بوضوح على حصاد رمضان، أيّاً كانت الدرجة التي وصلنا إليها في تحصيل هذا الخير، وأن نشتق من دورة رمضان ومدرسته التربوية الفذة ملامح برنامج نستهدي بها خلال بقية شهور السنة حتى يأتينا رمضان المقبل – عساكم من عواده – ليجدد ويزيد لا أن ينشئ من جديد.



- أوّلاً: حصاد رمضان:


1- مع القرآن الكريم:


إستعادة الصلة بكتاب الله المجيد، بشكل مكثف أحياناً، من خلال التلاوة الشخصية والإستماع إليه في الصلوات الجماعية والفردية: فروضاً أو نوافل – خاصة التراويح وقيام الليل –، والنجاح في ختمه، ربما أكثر من مرة، خلال شهر الصوم.
تحسين مستوى التلاوة من خلال الإستماع المكثف إلى تلاوات المجيدين من الأئمة أثناء الصلوات أو من المسجلات، أو حضور بعض دروس في هذا العلم.
زيادة الوعي بمضمون القرآن وقضاياه وهداياته من خلال الإستماع إلى دروس العلم العامة في المساجد أو عبر وسائل الإعلام، أو إلى الخواطر الإيمانية أثناء التراويح، أو قراءة المقالات التي تكثر الصحف من نشرها خلال هذا الشهر، وكلها تركز على عرض الكثير من الزوايا والقضايا المستمدة من القرآن الكريم في المقام الأوّل.



2- مع السنة النبوية:


زيادة الوعي بالسنة النبوية ومكانتها في التشريع إلى جانب القرآن الكريم، إذ لا يكاد يخلو حديث أو خاطرة أو مقال عن أي موضوع إسلامي إلا وتكون السنة هي الرافد الأول لنصوص القرآن في الإستشهاد وتقرير إسلامية الطرح وشرعيته.
وللسنة في هذا المقام دور متميز من حيث إنها المصدر الثاني للتشريع والمشتمل على التفاصيل والإيضاحات في كل قضية. ولا شك في أنّ المسلم، في تعرضه لنصوص السنة على النحو السابق، قد تكررت على سمعه أهم خصائص السنة من حيث التوثيق، من نحو: ذكر الرواة وكتب السنة ودرجات توثيق الأحاديث من حيث الصحة والقبول أو الضعف والرد.



3- مع قضايا الإسلام الكبرى:


لا ريب أنّ المسلم خلال رمضان قد عرضت عليه أهم القضايا الإسلامية التي يجب أن تكون حاضرة وواضحة في ذهنه بصفة دائمة وبانت له أهميتها وآثارها العظيمة في حياته وحياة الأمة وكذلك خطر التهاون في الالتزام بها، من نحو قضايا العقيدة وأركان الإسلام وأصول الأخلاق الإسلامية ومعالم التشريع الإسلامي التي تمس حق الله وحقوق العباد على المسلم ونتائج الأخذ بتلك التشريعات أو التهاون في ذلك كما ظهرت خلال أحقاب تاريخ الأُمة الإسلامية الطويل (نحو 1434 عاماً من البعثة إلى اليوم).



4- مع أحوال الأمة:


مما تعنى به كثيراً محاضرات العلماء وأحاديثهم ومقالاتهم في رمضان التأمل في أحوال الأُمّة الإسلامية وقراءة تاريخها وإستمداد العبر والدروس منه، الأمر الذي يوقظ في المسلمين الإعتزام بأمجاد هذا التاريخ وإنجازات المسلمين الحضارية فيه عبر القرون، وكذلك يحرك في نفوسهم الأسى والحسرة على ما أصاب تلك الأمة من إنحطاط وتفريط في مسؤوليتها الداخلية والخارجية مما حوّل وضعها من مكان الوحدة والقوة والريادة والقيادة – كما أراد لها الله (البقرة/ 143؛ آل عمران، 110) – إلى وضع التفرق والضعف ثم التأخر والتبعية، مما عاد على البشرية كلها بالخسران كما بيّن أبو الحسن الندوي – العالم والأديب والداعية المسلم الهندي – في كتابه القيّم "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين". ولا شك في أن دراسة سيرة النبي محمد (ص) وأصحابه الكرام كانت على رأس ذلك البيان التاريخي بحكم أنها تمثل النموذج القدوة والأسوة.



5- مع النفس والمجتمع: تغيير إلى الأفضل:


كل هذا كان يصب في إتجاه التأثير على الجانبين الشخصي والإجتماعي للمسلمين، فتحسنت في رمضان – تحسناً ملحوظاً – أحوال الكثيرين على مستوى الإلتزام الشخصي عبادياً وخلقياً وعلى مستوى التواصل الإجتماعي عبر لقاءات المساجد في الصلوات والنشاطات الأخرى، وعبر تبادل الزرايات ودعوات الإفطار الجماعي في البيوت أو في المساجد وتبادل التهاني والدعوة بالخير والبركة، فضلاً عن تحري الإكثار من أفعال الخير في الشهر الفضيل كإخراج زكاة المال وزكاة الفطر والتبرعات لذوي الحاجة ولدعم إخوانهم في الجهات المنكوبة من العالم الإسلامي كفلسطين والشيشان وغيرهما.



- ثانياً: برنامج العام:


في ضوء ثمار رمضان السابقة، على كل مسلم، إنقاذاً لنفسه وأداء لواجباته نحو ربه وأهله ومجتمعه وأمته، أن يعكف على مراجعة حاله ومحاسبة نفسه – بصدق وتجرد – ليتبين ما الذي إستفاده وما الذي فاته، وليتمكن من إعداد خطة مناسبة لظروفه "وقتاً ومالاً وجهداً،، من ناحية، ونقصاً وحاجة إلى التزود والتزكي من ناحية أخرى" كي يسير عليها بقية شهور السنة مستهدياً بمقاصد رمضان وثمارها، وهي مقاصد الإسلام وثماره ولا ريب؛ خطة واضحة المعالم محددة الأهداف والأعباء والوسائل، وكفى ما فات من العمر سيراً على غير هدى أو بصيرة. ويمكن تقديم نموذج تقريبي لخطة قابلة للتعديل والتكييف حسب مختلف الحالات مع إستبقاء مقاصدها ومقوماتها الأساسية:


أوّلاً: أهداف الخطة:

1- إستدامة الصلة الواعية بالله تعالى وتنميتها، وذلك عن طريق:
- المحافظة على الصلوات المفروضة: أوقاتاً وأركاناً وروحاً، على السنن الرواتب والنوافل المستحبة، ومنها قيام الليل.
- المحافظة على أوراد الخير بدءاً بالورد القرآني ثم أدعية (أذكار) اليوم والليلة.
- التحلي بـ"الإحسان"، في كل شأن؛ أي "أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك". والعبادة في الإسلام تشمل كل فكرة أو قول أو فعل، سواء تعلق بالخالق سبحانه، أو بالمخلوقات.
2- القيام بحق فريضة "طلب العلم"، أيّاً كانت المرحلة العمرية التي أنت فيها. فالمسلم الحق طالب علم من المهد إلى اللحد. ويكون ذلك عن طريق:
أ*- إستشعار أهمية العلم والتعلم وفضلهما، خاصة علوم الشريعة التي تصحح العقيدة وتضبط السلوك وتوقف المسلم على الكيفية الشرعية لأداء أي عمل، هذا – مع النية الخالصة لله – وهما شرطان ضروريان لقبول العمل عند الله وإستحقاق صاحبه الأجر.
ب*- جعل القراءة والدرس جزءاً أساسياً ودائماً من برنامج حياتك، كالطعام والشراب وقضاء مطالب الجسد، بل أهم من ذلك، إذ تلك مطالب الجسد المادي، أما العلم فمطلب العقل الذي ميّز الله به الإنسان على سائر المخلوقات. كما أنّ العلم هو أساس صلاح العبادة التي هي غذاء الروح، وهي أشرف مكونات الإنسان ونفخة من روح الله.
ت*- تكوين مكتبة إسلامية متكاملة – ولو في أضيق الحدود – تشبع حاجتك وحاجة أهلك وأولادك من فروع العلم الشرعي واللغوي والأدبي والكوني. ويكفي – كبداية أو نواة – إقتناء كتاب وافٍ في كل واحد من الفروع التالية:
"تفسير القرآن الكريم وتلاوته، السنة النبوية العقيدة الإسلامية، السيرة النبوية، التاريخ الإسلامي، الفقه الإسلامي وأصوله وفروعه، الأخلاق الإسلامية، التزكية، اللغة العربية، الأدب العربي، العلوم الإنسانية (كالسياسة والإجتماع والإقتصاد والتربية وعلم النفس والإدارة، ...).
ث*- الحرص على حضور المحاضرات والدروس الإسلامية والثقافية، أو الإستماع إليها من الأشرطة.
ج*- الحرص على متابعة أخبار الأُمة الإسلامية وقضاياها، وأخبار العالم، عبر الوسائل المختلفة: الصحف، المجلات الإسلامية (كالوعي الإسلامي، المجتمع، العالمية، ... إلخ)، القنوات الفضائية، المواقع الإسلامية على شبكة الإنترنت.►
[SIZE=أكاديمي]
[/SIZE]