الحمد لله الوارث الذي يرث كل شيء، الحي الذي لا يموت، الباقي الذي لا يفنى، لا اُحصي ثناءً عليه، هو كما أثنى على نفسه.
جاء شهر رمضان فمرحباً به خير شهر، وكاد ينقضي فوداعاً يا خير شهر، مرحباً برمضان شهر مائدة القرآن، نقرأه، ونسمعه، ونتفاعل معه، ووداعاً رمضان يشكو تقصيرنا إلى الكريم الرحمن.
مرحباً برمضان شهر الصوم، والصوم جُنة يقي صاحبه من النار، ووداعاً رمضان نغفل بعده عن هذه العبادة العظيمة فننسى طعم الصوم، ونفقد بذلك – على الأقل – دعوة مستجابة عند الإفطار.
مرحباً بك يا رمضان شهراً تُزيّن في الجنان، وتُفتح فيه أبوابها، وتُغلق فيه أبواب النيران، وتصفد فيه مردة الجان، أي يعان المرء فيه على طاعة الله، ووداعاً رمضان فتنطلق الشياطين تسلط على ابن آدم توسوس له فيستجيب لها، فيسب هذا، ويغتاب هذا، ويسفك دم هذا، ويستحل مال هذا!
مرحباً برمضان شهر النظام والعدل والمساواة والاتحاد، نصوم معاً ونفطر معاً، إلهنا واحد، ورسولنا واحد، وكتابنا واحد، وقبلتنا واحدة، ووداعاً رمضان شهر وحدة، لا تكاد تنتهي حتى توشك أن تتفرق الأُمّة الرمضانية.
للشرق عيد، وللغرب عيد، وللأصفر عيد، وللأحمر عيد، والكل ينشد الوحدة وينادي بها، ولكن لا يُضحّي بعاداته وتقاليده من أجل إقامتها، مرحباً يا شهر الصلاة والقيام، تمتلئ فيك المساجد، وتُصلى فيك الصلاة على وقتها، ويُتقن فيك الخشوع، بل وتُصلى فيك النوافل كأنها فرائض، ويُحافظ فيك على صلاة القيام التي هي أفضل الصلاة بعد الفريضة، ووداعاً رمضان حين تخلو المساجد على عروشها، ويُبدل الخشوع، وننسى طعم النوافل، ويعقد الشيطان العقدة تلو العقدة على قفا بعضنا، فيصلي الصبح بعد طلوع الشمس، إن صلى!، ويجمع بين العصر والمغرب، ولا يصلي العشاء، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
مرحباً بك يا شهر الجود والكرم، علمنا المصطفى (ص) أن نكون فيك أجود ما نكون، ووداعاً رمضان فيكون الشح، ويظهر البخل، قال تعالى:
(وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الحشر/ 9).
مرحباً يا شهر الجائزة، يا شهر ليلة القدر، وما أدراك ما ليلةُ القدر، فهي خيرٌ من ألف شهر في الفضل والشرف وكثرة الثواب والأجر، من قامها إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه، ومن نام عنها، ولم يجتهد في إلتماسها خَسِرَ خيراً كثيراً.
مرحباً شهر الجهاد والإنتصارات العظيمة قديماً، وحديثاً، تبدأ ببدر الكبرى، ثمّ فتح مكة المشرفة، وتنتهي بالإنتصار على اليهود في العاشر من رمضان، ووداعاً أيها الشهر الكريم حين تبدأ المداهنة، والإستسلام، وعدم نصرة إخواننا في فلسطين والشيشان.
فكن – يا أخي – من أصحاب "مرحباً رمضان" على مدار الأعوام، ولا تكن من أصحاب "وداعاً رمضان" فتغلق بذلك على نفسك أبواب خير كثيرة لا تستطيع تعويضها حتى لو أنفقت ما في الأرض جميعاً، والله تعالى أعلم، وهو نعم المولى ونعم النصير