ماذا يحدث لك لو جلست في الطبيعة وحدك بلا كتاب أو مذياع أو تلفاز أو جريدة أو مجلة أو حتى بلا إنسان تحادثه، وماذا يحدث لو جلست على هذه الحالة ساعات طوالا بل أياما وليالي، هل تتوقع أنه سيحدث عندك ارتقاء فكري نفسي روحي.

ماذا يحدث لك لو جلست في الطبيعة وحدك بلا كتاب أو مذياع أو تلفاز أو جريدة أو مجلة أو حتى بلا إنسان تحادثه، وماذا يحدث لو جلست على هذه الحالة ساعات طوالا بل أياما وليالي، هل تتوقع أنه سيحدث عندك ارتقاء فكري نفسي روحي.
التطوير الذاتي من خلال التأمل المقصود لسبر أغوار النفس والتعامل مع مشكلاتها وفحص الدوافع الذاتية طريق إلى التغيير عندما يلتزم المتأمل منا بشرط التأمل الصادق.
في الساعات الأولى عندما تبدأ في هذه العملية تجد أنك تفكر هنا وهناك، ثم ما تلبث أن لا تجد ما تفكر فيه سوى ما تراه وتسمعه من مناظر طبيعية وأصوات، ثم تبدأ في الاستغراق في الماضي والذكريات القديمة، قد تبكي أو تضحك وقد تسترخي تماما لتنام قليلا، ثم تستيقظ وتعود للتفكير ببطء فتتساءل أين أنا؟ وتبدأ تصوغ الأسئلة حول حقيقة وجودك وحقيقة حياتك؟ ثم تكتشف أنانيتك وإصرارك على البعد عن الهدف؟ وقد تكتشف أنك تضحك على نفسك طوال هذه السنوات؟ قد تبكي وقد تحاول الهروب مرة أخرى.
كلما كنت بعيد عن المدينة، ومهيأ للبقاء هناك في الطبيعة لأيام عدة كانت المواجهة أسهل، فلو اخترت مكانا مثل حديقة منزلكم فقد تشعر بالانزعاج من هذه المواجهة وتحاول الهروب أو التظاهر بأن كل شيء في حياتك على ما يرام والحقيقة أن حياتك ليست كذلك!
علاقتك بنفسك أولا خاطئة فأنت زائد الوزن وتعاني أمراضاً مزمنة أو صغيرة متكررة كالزكام أو الصداع أو آلام الرقبة ... نومك غير منظم ... لا تمارس الرياضة إلا في حالات نادرة ... غذاؤك يحوي الكثير من الأكل السريع أو المعلب أو المطبوخ والقيل من الخضروات أو الحبوب الكاملة .. القهوة والبيبسي بالأطنان .. كما أن شعرك يتساقط وبشرتك تتجعد .. كل هذا لأنك مشغول بالتدريب وتربية الناس وتثقيفهم.
علاقتك بمن حولك من الناس المهتمين في حياتك تعاني تمزقاً سطحياً .. هل خصصت لأولادك وقتاً كل على حدة .. هل تتغدى معهم .. تقرأ معهم .. تلعب وتتنزه معهم .. ماذا عن الزوجة؟ هل نالك نصيبها من التدريب ؟ .. هل شاركتها واستمعت لمشاعرها ..؟ هل خصصت أوقاتاً لتنمية العلاقة بينكما؟ ماذا عن والديك..؟ ماذا عن أخوتك وأقاربك المباشرين الذين تهتم بهم..؟ هل الحب في حياتك يجري في عروق صحيحة؟ أم يتجلط بين الحين والآخر مسببا لك وفيات في بعض العلاقات أو زيارات للمستشفيات النفسية.
علاقتك بربك خالقك ورازقك .. هل ربيت نفسك على ورد يومي تترك فيه الدنيا وتبحر في ملكوت السموات رابطا روحك بالله..؟ وهل راقبت ربك في معاملاتك..
أخي المدرب .. وبينما أنت تتساءل عن كل ذلك إذ بك فجأة تسمع ضربات قلبك وكأنك تسمعها لأول مرة فترفع يدك إلى قلبك وتتذكر الموت وتدرك أنك أمضيت جزءا كبيرا جدا من حياتك دون أن تعد العدة للسفر الطويل ودون أن تحسب حساب الرحيل.. تعود مرة أخرى إلى أصوات الحاضر فتلمس بيدك الأرض وتجول ببصرك في السماء وتدرك ضعفك أما عظمة الكون.
وأخيرا وبعد تفكير مضن وتأمل عميق تخطط أن تبدأ من جديد وتقرر قيمك ورسالتك في الحياة وتقرر كيف ستعامل من حولك؟
قد يختلف تسلسل الاكتشاف للذات .. ولكن النتائج باهرة في الغالب عندما يوضع الإنسان بين السماء والأرض أو في وسط البحر أو الصحراء أو على رأس جبل عال بين الصخور الصماء.. لا يمك إلا الاستسلام .. ولا يملك إلا أن تمضي للأمام.
ولذا يهرب الناس من المواجهة.. الكثير منهم لا يريد أن يقف صامتاً فتجده يتحدث لا نهاية، والكثير لا يريد أن يقف ساكنا خوفا من الألم الناتج من السكون والهدوء.. وعندما يقرر الانسان أن يقف بسبب مصيبة أو حادث أو مرض أو سجن.. يكون قد مضى العمر وكان ما كان من الفساد الذاتي والتخلف العقلي ما يصعب معه الترميم ويطول به الإصلاح.. الذاتي لا تتطور فقط بالقراءة والدورات والعمل المستمر.. ذات الإنسان في حاجة إلى التأمل (وفي الأرض أيات للموقنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون) ليس تأملا عاديا ولكنه تأمل مرتبط بالله.. إذ لو لم يحدث هذا الارتباط بالله في لحظة التأمل قد يفقد الإنسان صوابه ويطغى عليه الألم وينهار أو يهرب من جديد.
للوليكون القول مرتبطا بالعمل خطط أخي للتأمل أياما في صحراء أو شاطئ بحر أو استراحة أو مزرعة.. خط لذلك بانتظام وعلم أبناءك ذلك.