من الممارسات الخاطئة التي تكاد صفة سائدة عند أغلب الأفراد هي في حالة صدور سلوك سلبيٍّ من الآخرين فإننا لا نركز على السلوك وننتقده من أجل الارتقاء بالشخص، بل على العكس نتوجه إليه مباشرة لنقد وتحطيم الذات، فمثلاً: عندما يخفق أحد الأبناء في مادة معيَّنة فإننا ننهال عليه باللوم والتوبيخ، ونجتهد في إصدار أحكام قاسية بألفاظ من قبيل: "أنت فاشل، وأنت غبي.. إلخ"، أو عندما يصدر من الشخص تصرف غير لائق فإننا دائماً نوجِّه له عبارات تحتوي على نقد للذات، كقولنا: "أنت لن تتغير، ولن تنجح"، وبذلك ينكسر الشخص ويتحطم نفسيّاً.
إذا أردنا توجيه الشخص التوجيه الصحيح علينا أن ننتقد سلوكه وليس ذاته، كأن نقول مثلاً: "هذا السلوك خاطئ، فأنت تجاوزت الحدَّ في هذا السلوك، ويؤسفني تصرفك في هذا الموقف بتلك الكيفية، وهذا التصرف الصادر منك غير لائق، ومن المفترض ألا يتكرر أمامي أو أمام غيري"، لو تصرفت هكذا سيكون أفضل لك، أي محاولة إكسابه بدائل إيجابية لربما لا يتقنها ونخبره بأن ذلك سيكون أفضل له، وعندما يخفق الابن في إحدى المواد الدراسية نوجه له العبارات: "أنت لست فاشلاً بل أنت مقصِّر، حاول البحث عن الأسباب، ربّما يكون بسبب عدم التركيز وعدم الانتباه، أو أنت بحاجة إلى كتيبات تبسيط الدروس، أو إلى تهيئة الأجواء المناخية الملائمة للدراسة، أو يوجد هناك مشكلة معيّنة أو أي عائق في المدرسة وفي الفصل مثلاً، أو لربما بسبب القصور وليس التقصير أو أيِّ سبب آخر.. إلخ".
إنّ مناقشة السلوك السلبي ومحاولة تعديله وإيجاد البدائل المثلى بدلاً من التركيز على المشكلة أفضل وأنفع؛ لأنّ التركيز على السلوك السلبي يعزِّزه، وتكرار هذه العبارات "أنت فاشل، وأنت غبي، وأنت غير ناجح" ستجعله كذلك، وسنحكم عليه بالإعدام ولن نراه يوماً من الأيام يتخطّى سلم النجاح، فنحاول الابتعاد قدر الإمكان عن التركيز على الجوانب السلبية، فكلما ركزنا على الجوانب السلبية تعزَّزت عند الشخص وازداد تمسكاً بها، وكلما تغاضينا عنها وركزنا على الإيجابيات استطاع الشخص أن يتخلص من سلبياته بسهولة.
إحدى الأمّهات تقول: "طفلتي عنيدة دائماً، وأقول لها متى ستتخلصين من هذا العناد؟، وبدون جدوى، عنادها يزداد يوماً بعد يوم، فاستوعبت معنى عنادها ثمّ تغلبت على المشكلة وتخلصت منها وارتاحت من عنادها، فسألتها: كيف؟، فقالت: "إنني إذا أردت منها شيئاً أطلب منها عكسه، فمثلاً: عندما نريد الذهاب إلى بيت جدها نعلم أنها ترفض، فأقول لها: أنت اجلسي في البيت ونحن سنذهب عنك إلى بيت جدك، مباشرة وبكل سهولة تقوم وتتجهز وتكون في المقدمة، وهكذا في كل شيء، فارتحت من عنادها، فقلت لها: صحيح أنك قد أصبحت في راحة، ولكنك بهذه الأساليب تعزِّزين صفة العناد عندها، فتعجبت الأُم قائلة: كيف يكون ذلك؟، فقلت لها: أوّلاً، إن صفة العناد عند الأطفال صفة إيجابية؛ لأنّها مؤشر مرحلة الاستقلال بشخصيتهم عند الوالدين، والطفل العنيد لا يخاف عليه؛ لأنّه على المدى المستقبلي لا يستطيع أحد فرض شيء أو رأي عليه، وخاصة إذا كان فيه أيُّ ضرر عليه، لذا يفترض أن تكوني سعيدة بصفة العناد هذه، فقط أنت تحتاجين تحويل عنادها السلبي إلى إيجابي من خلال الحوار الهادئ وتوجيه السلوك بشكل جيِّد وبدون فرض، بل بالإقناع وبيان ما هو ضار ونافع لها، أما إذا عملت كما تقولين فإنّها تعمل عكس ما تريدين، سواءً كان ذلك سلبياً أم إيجابيّاً، وهذا يؤثر سلباً على مسار حياتها على المدى المستقبلي؛ لأنّها ستعاند وترفض لمجرد العناد فقط، فلا تكسري شخصيتها ولا تهملي هذه السمة عندها، بل ركزي على الجوانب الإيجابية عندها بدون قلق حتى تصبح شخصية متوازنة، وهذا يحتاج إلى صبر ومتابعة واستمرار وبذل الجهد لتعديل سلوكيات أبنائنا، فالمهم ركزي على الحوارات الهادئة واللينة وقدِّمي لها السلوك الذي تريدينه منها بشكل واضح ومحدَّد، واختاري الوقت المناسب لذلك، ثمّ امدحي وكافئي السلوك الإيجابي لديها لتعزز السلوك الإيجابي وينتحي السلوك السلبي".
فإذا أردتِ – أيتها الأُمّ – أن تبعدي هذا السلوك، عزِّزي الجوانب الإيجابية لديها وأشبعيها ثناءً ومديحاً إلى أن تتخلّص من العناد بدلاً من التركيز على السلبيات ولفت الانتباه لها، ومن ثمّ تعزيزها بطريقة غير مقصودة، فالطفل يلجأ إلى العناد أحياناً للفت انتباه الأمِّ للحصول على إشباعات معيّنة، وكذلك عندما ترين طفلك يحاول لفت انتباهك بطريقة سلبية تجاهلي سلوكه، وبمجرد أن يصدر منه سلوك إيجابي سارعي بالثناء عليه مباشرة وحفِّزيه وعلِّقي على سلوكه الإيجابي، ولا تركزي على ذاته، بل على سلوكه، لتكون سلبياته متنحية والإيجابيات هي السائدة.
التركيز على الإيجابيات فنٌّ ومهارة نستطيع من خلالها أن نصل إلى أفضل النتائج، ولكن، للأسف الشديد، إنّ الكثير منا يركز على سلبيات الآخرين ويتجاوب ويتفاعل معها بسرعة البرق، والإيجابيات تمرُّ سريعاً، فعندما يصدر سلوك خاطئ من صديق أو أخ أو أخت أو زوجة مثلاً، نركز على ذلك الخطأ ونظل نذَّكر الشخص بخطئه طوال عمره، غير مدركين أننا بذلك نحرم الشخص من تجاوز هذا الخطأ، حيث يتوقف عن السعي إلى الارتقاء بذاته ظنّاً منه أنّ الآخرين لن يغيروا فكرتهم عنه مهما فعل، وهذا خطأ نقع فيه مع أقرب الناس إلينا.
فإذا أردت الارتقاء والاستنهاض بمن حولك لا تذكِّر الشخص بأخطائه دائماً، فإذا أخطأ حاسبه على ذلك الخطأ، وفي حال تجاوزه أغلق هذا الملف، ولا تعاود فتحه من جديد حتى لو ارتكب خطأً آخر، أو حتى كرَّر الخطأ نفسه، فالله سبحانه وتعالى يغفر ويسامح ويفرح بتوبة عبده، كما في قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) (الشورى/ 25)، أمّا نحن البشر لا نغفر ولا نسامح، وهذه مشكلة لابُدّ من تجاوزها.
"إنّ الكيميائي الذي يستطيع أن يستخلص من عناصر قلبه الرحمة والاحترام واللهفة والصبر والندم والدهشة والعفو ويدمج هذه العناصر في عنصر واحد يمكن أن يخترع هذه الذرة التي تسمى بالحبِّ، فقنبلة الحبِّ، كيف يفجِّرها الإنسان لتشمل كل من حوله..؟؟"
، هذه المقولة تعزِّز ما ذكرناه سابقاً، وهو أنّ الإنسان لكي يستطيع أن يبني جسور مودة وصلة مع الآخرين عليه ألّا ينتقد ذاته بل ينتقد السلوك، ولا يركِّز دائماً على المواقف والسلوكيات السلبية فيعزِّزها دون أن يدري، والتركيز على الإيجابيات وعلى حبِّ واحتواء الآخر لهي من أقصر الطرق للوصول إلى الهدف، ولنتعلم كيف ننتقد السلوك وليس الذات