الحديث مع النفس بصوت عالٍ! أو منخفض هي عادة نمارسها جميعاً. وينطبق هذا على كل ما يدور داخل عقولنا وما توسوس به أنفسنا. وما ينتابنا من أفكار, وما يتولد عن ذلك من انفعالات ومشاعر. أما مضمون هذا الحوار فهو عادة ما يدور حول الأحداث والمواقف التي نعايشها كل يوم.

والآن تخيل أنك تقول لزميلك في العمل كل صباح (أنت غير كفء, فاشل, لم تقم يوما بأي عمل ذي أهمية, ولا يحبك أحد من زملائك).. هل سيسعد هذا الزميل بلقائك؟! كيف سيكون موقفه منك؟ لا بد أنه سيقدم ضدك شكوى وسيكسبها!..

إننا- للأسف- نعامل أنفسنا بهذا الأسلوب تماما. ونخاطبها كل يوم بأكثر قسوة من ذلك. حيث نقوم بتوجيه اللوم: (ما كان يجب أن تقول ذلك؟ لقد استهجن الجميع الفكرة التي ذكرتها, لماذا لا تفكر قبل أن تتفوه بكلامك؟؟!!) أو نتوقع ردة فعل الآخرين تجاه مواقفنا (لا بد أنهم يتسامرون ويتضاحكون على ما بدر مني اليوم؟) أو- وهذا الأكثر قسوة- نحاكم ونصدر الأحكام دون شفقة (لقد رسبت في الامتحان.. أنا إنسان فاشل). فلماذا نتجنب التعامل بهذا الأسلوب مع الآخرين ونقبله لأنفسنا؟ هذا غير عادل!

يتحدث علماء النفس بكثرة هذه الأيام عن تأثير اللغة التي نستعملها في وصف الأشياء على بناء مشاعرنا وحياتنا الداخلية. فما يخرج من أفواهنا من كلمات وعبارات, وما نحدث به أنفسنا- في الواقع- لا يذهب في الهواء سدى!. وإنما يدخل إلى أعماقنا ليغير من فسيولوجيتنا ويرسم صورة مبدئية نبني عليه ما يأتي من أحداث ومشاهد. وسواءً كان هذا الكلام إيجابياً أم سلبياً فإنه يترك بصمةً مهمة في نفوسنا.

تقدر الدارسات أننا نقوم بتقييم ذواتنا ما بين 300 إلى 400% منها هي عبارة عن تقييم سلبي ولوم 80 مرة يومياً! وأن وانتقاد. ولذا كان من الخطوات العملية التي أصبحت من أجزاء العلاج النفسي هو استخدام (عبارات التوكيد). حيث ينصح المعالجون بالوقوف أمام المرأة كل صباح وإرسال رسائل إيجابية توكيدية لأنفسنا بصيغة الحاضر مثل: (أنا بخير اليوم, أشعر بالحيوية والنشاط), (أنا شخص محبوب من زملائي وناجح في علاقاتي مع أسرتي), (يا للسعادة التي أشعر بها هذه الأيام, الحمد لله على نعمه التي تغمرني).

وهكذا.. والواقع أن لهذه الملاحظة أصل مكين في ديننا الحنيف فلو تأملت أنواع الذكر التي أمرت الشريعةُ المسلمَ أن يلتزم بها في كل حال, لوجدت أنها ألفاظ إيجابية تمنح الهدوء والسكينة والأمان- هذا بالإضافة إلى بركتها الخاصة بها. كيف لا وأنت تلتجئ إلى قوة الله سبحانه وعظمته ورحمته وركنه الشديد قال تعالى: (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) (الرعد/ 31).

- بين (أريد).. (أحتاج)..
عندما تجد رغبة في إمتلاك شيء أو القيام بعمل ما فراقب ما تعبر به عن تلك الرغبة. لا حظ الفرق بين أن تقول: (أحتاج إلى سيارة جديدة), و(أريد أن أقتني سيارة جديدة). (أحتاج إلى زيارة أي أحد) وبين أن تقول: (أرغب أن أزور أي شخص). إن كلمة (الحاجة تجعل كل حواسك معلقة بذلك الشيء وبذلك يتعطل تفكيرك عن البحث عن البدائل. ولذا تذكّر أنه كلما قل (ما تحتاجه) في مقابل (ما تريده وترغبه) ستشعر أن الأمور تحت أمرتك وسيطرتك. ولن تخشى إذا فقدتها يوماً أو فارقتها.

- كيف حالك؟
عندما يسألك شخص هذا السؤال الروتيني لاحظ العبارة التي تستخدمها. ترى هل تقول (ما شي الحال), (لابأس). إن كنت كذلك ما رأيك أن تدخل تعديلاً صغيراً على ذلك ففي المرة القادمة قل: (على أفضل حال), (تمام التمام), (أحسن من كذا ما في!!),.. وأنفث في كلماتك روح التفاؤل والحيوية. وترقب ذلك التغيير الرائع الذي ستشعر به في الحال, وبالأثر الذي ستتركه في المستمع إليك. فهذه الأحاسيس كما يسميها الأطباء (معدية).
عندما كنت أقول هذه المعاني لمرضاي, كثيراً ما كانوا يقولون: (تريدني أن أكذب, أنا لست على أفضل حال). والواقع أنهم تغيب عنهم فكرة أساسية.
إن الحكم على مشاعرنا هو أمر نسبي. فما رأيك أن تزور إحدى المستشفيات القريبة من منزلك, وخذ جولة على أجنة أمراض الدم والأعصاب والكبد والأمراض النفسية و.. و.. . حينها ستقابل أشخاصاً إذا حضر الطعام لم يشتهوه. وإذا أكلوه لم يستطيعوا هضمه, وإذا حل الليل لم يستطيعوا النوم إلا بأقوى المسكنات التي سرعان ما يذهب مفعولها ليوقظهم الألم. وأحكم بعد ذلك على نفسك, وما تتنعم فيه من نعم ظاهرة وباطنه ألست على أفضل حال!!.

أشعر بصداع قاتل!
هذه الفكرة تنطبق أيضاًَ على وصفنا للألم الذي نشعر فيه. فإذا ابتليت بالصداع يوماً فلاحظ الفرق بين أن تقول: (أشكو من صداع قاتل وألم رهيب!!) وبين أن تقول: (أشعر ببعض الألم في رأسي لقد أزعجني هذا الصداع قليلاً). قال أحد الحكماء:
"الكلمة التي نلصقها بتجربة ما، تصبح تجربتنا".

تذكر أن الكلمات لها مفعول سحري في تغيير مشاعرنا وعالمنا الداخلي سواءً بشكل أفضل أو بشكل أسوأ. هذه إحدى الأدوات الفعالة بيدك الآن فاستفد منها.