لاشك أن قدراتنا العقلية متفاوتة في العمل وإن كانت متساوية في الخلق والنشأة وليس مجالنا لإثبات أن الله خلق العقول متساوية، وأن القضية هي ممارسة ومعرفة وغيره، بل سنتحدث عن عوامل تحسن التفكير بشكل عام، ولعل أهم هذه العوامل يكمن أولا في القراءة لاسيما أن الله تعالى أنزل أول كلمة من كتابه (إقرأ)،

وكرر الأمر في الآية التالية، كما أن الكتابة من أعظم اختراعات البشرية لا قيمة للكتابة إن لم يعقبها قراءة؛ فمن لا يقرأ يحرم من نعمة التراكم المعرفي، كما أن القراءة توسع مساحة الرؤية والأفق لنصل إلى بصيرة واضحة، وحين نقرأ فإننا نستثمر الوقت والعقل في القراءة ولابد أن يكون هذا الاستثمار مربحا من خلال حسن الاختيار لما نقرؤه، فلو قدر لأحد منا أن يقرأ كل أسبوع كتابا، وقدر له عمر مديد وتمكن من أن يقرأ ستين سنة، فإنه لن يطلع إلا على ثلاثة آلاف كتاب هو رقم بسيط ومتواضع مقارنة بمئات الألوف من الكتب التي تعج بها المكتبات، وهنا لابد من التخصص لتكون القراءة واعية تسهم في المعرفة وتخلق عالما؛ فالعالم من عرف كل شيء عن شيء وشيء عن كل شيء.


وحين نتخصص في القراءة فإننا سنستطيع أن نلم بذلك التخصص ولن نكون ضحية لوجهات النظر القاصرة والأحادية والمغرضة بل سنكون موضوعيين أكثر وستكون قراءتنا أسرع ولنلم بكل جديد ونغض الطرف عن الأمور التي سبق أن وقفنا عليها.


وعند القراءة لابد من القراءة الناقدة واختبار صدق الأفكار وفحص دلالتها؛ فليس المهم نقل ما في السطور إلى الصدور طبق الأصل دون تفكير، فإن كنت تقرأ لتوفر على نفسك التفكير، قد يكون من الأحسن أن توقف القراءة تماما فالقراءة ليست هي البديل عن الفكر كما يقول (جون لوك) "إن القراءة لا تمد العقل إلا بمواد المعرفة، لكن التفكير هو الذي يجعل ما نقرؤه ملكا لنا"، وعليه فلا بد من تخصيص وقت للقراءة ووقت للتفكير، وإن غلبنا القراءة في البداية حتى نهيئ لعقولنا المادة التي ستقوم بتشكيلها، وإذا ما شعر المرء أنه صار يملك منهجا معرفيا ورؤية واعية، أمكنه أن يخصص وقتا أكبر للتفكير، وسيكون ذلك أجدى لاسيما إن أحسنا اختيار الأوقات المناسبة لذلك كالبكور مثلا.. ومما يساعد تفكيرنا تدوين الأفكار والخواطر التي نعثر عليها ثم مراجعتها لنبقي على مسارات تفكيرنا الأصلي حتى لا نبدأ باتجاه وننتهي باتجاه آخر.