الحساسية تجاه التقييم
قبل أن تقوموا بذلك أريد منكم أن تفكروا في سؤال مختلف تماماً: “كيف ستؤثر العناصر التي استكشفناها في حساسيتكم تجاه التقييم عندما يحدث شيء ما لا يتفق مع هذا الجانب من مفهومكم عن ذاتكم؟”.


وللإجابة عن هذا السؤال ينبغي عليك أن توسع من مجال تفكيرك بحيث لا يشتمل فحسب على مفهومك عن ذاتك باعتباره دليلا لسلوكك، وانما يشمل أيضا سلوكك الفعلي في سياق أكبر، والحقيقة القائلة بأننا جميعا ننزلق أحيانا فنرتكب أخطاء ومهما كان مقدار طيبتك، سوف تأتي أحيان يعتقد فيها الآخرون أنك لست شخصا طيبا. وعندما يحدث ذلك، أريد منك أن تلحظ هذه الفجوة، حتى يمكنك حينئذ الاستجابة إليها.

وعندما تجد نفسك وأنت تتصرف على نحو ليس ذلك الذي عهدته في نفسك، فقد لا تكون مسرورا تماما، وقد تقرر أن اعتقادك عن ذاتك لم يكن دقيقا. على سبيل المثال أنت منحت قيمة كبيرة لصفة الشجاعة، غير أنك لم تعتقد أنك شجاع، ثم اكتشفت بعد ذلك أنك تمنع شيئا يظهر صفة الشجاعة بصورة واضحة.
‏والاحتمال الآخر أن يكون مفهومك عن ذاتك متفقا من الأصل مع قيمك. حينئذ عندما تجد نفسك وأنت تتصرف على هذا النحو الذي لا يتفق مع أفكارك عن نفسك، فسوف تجد دافعا قويا لتغيير سلوكك بحيث تعيد تقويمه ليتفق مع قيمك.

حكى لي أحد زملائي، وهو “روبرت ماكدونالد”، مثالا صارخا على هذا الأمر. فلقد كانت واحدة من أقوى القيم عند “روبرت” ألا يسبب الأذى لأي شيء أو أي شخص لا حول له ولا قوة وهكذا كانت تلك السمة تحتل جزءا رئيسيا من شخصيته وكان روبرت يدخن بشراهة منذ سنوات طويلة، وبالطبع كان قد قرأ وسمع جميع المعلومات عن مدى الضرر الذي يسببه التدخين للرئتين.

وعند مرحلة معينة قرر أن يكتشف كيفية استجابة رئتيه للتدخين، ولهذا أغمض عينيه وتخيل أنه صار صغير الحجم بحيث يمكنه التجول داخل رئتيه. وعندما سأل رئتيه كيف يكون رد فعلهما تجاه الدخان الذي يشربه وكيف يتعاملان معه، كان ردهما: ‏إننا لا حول لنا ولا قوة ؟ فنحن مجبرتان على تناول أية سموم ترسلها إلينا وفجأن اعتبر روبرت أن رئتيه بمثابة طفلتين رفيعتين لا حول لهما ولا قوة وأدرك أن تدخينه كان بمثابة خرق لجانب رئيسي من قيمه ومفهومه عن ذاته. وأحس بالندم الشديد على هذا حتى أنه ظل يبكي وينتحب نحيبا شديدا ولفترة طويلة، معتذرا لرئتيه عن إيذائهما. وبعدها لم يعد للتدخين مطلقا ولم يعان مطلقا من أية أعراض ولم يصادف أية صعوبة في الإقلاع عن التدخين. وهذا مثال على كل من تلقي التقييم والاستجابة له وما أنه مثال أيضا على مدى قوة تأثير مفهوم الذات على السلوك.

لقد ظل روبرت يدخن السجائر لسنوات عديدة قبل أن يدرك تلك الفجوة الهائلة بين سلوكه ومفهومه عن ذاته. عندما تتلقى تقييما يفيد بأن سلوكك مختلف عن مفهومك الذي تعرفه عن ذاتك فإن هذه الفجوة تحفزك بقوة على تغيير إما مفهومك عن ذاتك وإما سلوكك بحيث يصبح الاثنان أكثر تطابقا مع بعضها البعض. وهذا المثال يلقي الضوء على مسألة أود منك أن تفكر فيها الآن، وكذلك عليك أن تظل متذكرا إياها طوال ما سيتبقى من هذه العملية الاستكشافية. أما عناصر مفهوم الذات التي تضمن أن يكون المرء حساساً تجاه التقييم، وأن يلاحظ هذا النوع من الفجوات بأسرع ما يمكن؟

ولبدء هذه العملية، أود منك العودة إلى عناصر قائمة المراجعة التي استعرضناها منذ قليل وأن تنظر في كل واحد منها حسب دوره. وقد اكتشفنا أنه كلما زاد عدد الأمثلة زادت قوة مفهوم الذات. فهل المزيد من الأمثلة تجعل هناك احتمالا لأن يكون المرء حساساً تجاه التقييم التصحيحي؟
بن: حسناً، أرى أنه مع المزيد من الأمثلة سوف يزداد احتمال ملاحظتك إن سلوكك يتوافق مع مفهومك عن ذاتك أو لا لأنه ساعتها سيكون لديك معلومات داخلية أكثر كي تقارنها بما يحدث في الخارج.
نعم بالضبط، في بعض الأحيان قد يكون من المفيد أن نستعين بالحالات المتطرفة في التفكير في تلك الأمور. ولنفرض مثلا أنى قلت لك إني أعتقد أنك شخص "محلبط" للغاية ليست لديك أدنى فكرة عما تعنيه هذه الكلمة غير المعجمية، لأنك لا تملك أي أمثلة عن معنى أن يكون المرء “محلبطا”. ولن تجد من سبيل على الإطلاق لمعرفة متى سيكون سلوكك محلبطا ومتى لا يكون. ثم إذا أنا قدمت لك مثالا واحدا فإن هذا سوف يعطيك معنى الكلمة، لكنه سيكون معنى تقريبيا محدودا للغاية، لأنك لا تملك معلومات عن الأحداث الأخرى التي تعد مثالا على “الحلبطة “.

‏واذا كان عندك الكثير من الأمثلة عن الطيبة، في ظروف عديدة ومتباينة، مع أناس من مختلف الأعمار وينتمون لمستويات علمية وثقافات متنوعة، أو طيبتك تجاه ذاتك، أو طيبتك تجاه الحيوانات، وربما حتى طيبتك تجاه أشياء غير حية كسيارتك مثلا، فإن هذا من شأنه أن يزودك بمعنى شديد الثراء والتفصيل لكلمة “الطيبة “. كل تلك الأمثلة يمكن مقارنتها بالأحداث الفعلية حتى ترى إن كانت تتطابق معها أم لا. تلك الأمثلة تقدم لك الأساس لإجراء مسح شامل في اللاوعي بحثا عن الطيبة، ولسوف تلاحظ هذه السمة من حولك كلما حدثت. وعندما يتطابق سلوكك، يصبح هذا مثالا إضافيا يمكنك إضافته إلى قاعدة بياناتك. أما عندما لا يتطابق، فإنه ينبهك إلى وجود فجوة.


أغلبنا لديه مفهوم عن ذاته يقع في مكان متوسط بين هذين النقيضين. فلدينا عدد محدد من الأمثلة التي يمكننا استعمالهما في المقارنة بسلوكنا، غير أنه في استطاعتنا دوما أن نحوز المزيد، ولا يمكننا على الإطلاق امتلاك أمثلة تغطي جميع الاحتمالات. وفي أي مجال لا يكون فيه لدينا إلا بضعة أمثلة قليلة، لن نكون مستعينين بنفس القدر من الحساسية التي تمكننا من ملاحظة إن كان سلوكنا متطابقا أم لا مع مفهومنا عن ذاتنا

سو: أعتقد أن لدي مثالا لذلك. فأنا لم يسبق لي مطلقا أن فكرت في أن أكون طيبة تجاه سيارتي. وعندما ذكرت أنت ذلك باعتباره احتمالا حدث لي نوع من الرجفة وأدركت أني لم أكن أتمتع بالرقة الكافية تجاه سيارتي. فإذا فكرت في كوني طيبة تجاه الأشياء التي أمتلكها، فإنها قد تعيش معي زمنا أطول بكثير!

نعم، هذا مثال لطيف. أريد منك أن تلاحظ شيئا غاية في الأهمية : إن امتلاك عدد هائل من الأمثلة يجعل مفهوم الذات أقوى وأكثر ثباتا ورسوخا، وفي الوقت نفسه يجعلك هذا أكثر حساسية تجاه التقييم! وكما ذكرت من قبل، لا يمكنني أن أخبرك كم كنت سعيدا عندما اكتشفت أن القوة والحساسية تجاه التقييم يسيران جنبا إلى جنب، لأنني كنت أتوقع في البداية أن المفهوم القوي عن الذات سيصبح أقل حساسية تجاه التقييم من المفهوم الضعيف. وأنا في غاية السعادة لأن تصوري كان خاطئا، وأن القوة والحساسية بالفعل يدعم كل منهما الآخر.