اصرار الزوجة على الاستقلالية
فإذا أصرت الزوجة على استبدال خضوعها بالاعتماد على نفسها فإن الزوج الذي ينزع إلى حب السيطرة قد يترك زوجته هذه ويتزوج من أخرى- تصغر عنها سناً- والتي أمامه في وجل ورهبة, ومن ثم يصبح قادراً على جعلها في مكان تنظر منه بتوقير واحترام له, وتصبح الزوجة الجديدة تحفة رائعة.
من ناحية أخرى قد تبقى الحياة الزوجية قائمة وقد يحدث تحول مثير. قد يظل خيط السيطرة والخضوع متغلغلاً في الحياة الزوجية. فالزوجان لا يعرفان غير هذا النوع من الزواج. فغالباً ما يتم تبادل الأدوار إذا يلعب الزوج حينئذ دور الخاضع بسبب خوفه من أن يفقد شيئاً يعتز به أو على الأقل يعتمد عليه. فيبدأ الزوج في المكث في البيت بشكل أكبر, ويصبح أقرب إلى أطفاله (بسبب شعوره بالذنب لهجرهم وإهمالهم فيما مضى).
وقد يقول: "لم تعودي في حاجة إلي" أو "لقد تغيرت, لست الفتاة التي تزوجت منها, لست متأكداً من إنني سوف أحب الإنسانة الجديدة". لقد أصبح أكثر خضوعاً. قد يصبح مدمناً أو مشفقاً على ذاته كوسيلة يتلاعب من خلالها بزوجته أو ليسترد بها سيادته المعهودة والتي قد ضاعت منه.
أما الزوجة فهي الآن في وظيفة معينة أو متجهة إلى عمل معين. لقد أصبحت لديها صداقات وهي تقوم بتنمية اهتمامات خارجية خاصة بها. ولكن على الأقل فهي تشعر الآن بالارتياح والرضا لأنها تحظى بهتافات واستحسان ومجاملات ومدح على ما قامت به من إنجازات. ومع ذلك فإن هذا الخيط مازال موجوداً والأزمات تلوح في الأفق. فطالما أنه لابد من أن يكون أحد الشريكين أهم من الآخر, وطالما أن الخوف من الطلاق هو الشيء الذي يقيدهما ويبقي على وجودهما معاً, فلا زالت الاتكالية هي حجر الزاوية في ارتباطهما معاً. والطرف المسيطر سواء كان الرجل أو المرأة لا يرضى بأن يكون عبداً للطرف الآخر. فقد يستمر الزواج بصورة شكلية وشرعية أما أواصر الحب والاتصال فتكون قد تمزقت. والطلاق وارد هنا. لكن إذا لم يحدث طلاق فسوف يكون هناك انفصال بين الزوجين رغم زواجهما؛ فلا علاقة جنسية بين الزوجين, ينام كل منهما في مكان مستقل عن الآخر, ويصبح الاتصال قائماً على التحقير المتبادل لا على التفاهم.
وهناك نتيجة أخرى محتملة أيضاً إذا قرر كل من الزوجين أن يقوم بإعادة تقييم نفسه وعلاقته. فإذا سعى الطرفان لأن يتحررا من مواطن الضعف هذه, وأن يتبادلا الحب على أساس أن يتيح كل طرف الفرصة لأن يختار الطرف الآخر ما يحقق له إشباعه الشخصي, حينئذ ينتعش الزواج وينمو. ومع هذين الزوجين اللذين يتمتع كل منهما باستقلالية, واللذين لديهما قدر كاف من الاهتمام كل بالطرف الآخر, واللذين يعززان من فكرة الاستقلالية لا من الاتكالية, ولكن في نفس الوقت يسعد كل منهما بحبيبه, يمكن أن يصبح الزواج ناجحاً ومثيراً. لكن حينما يندمج الزوجان ليصبحا كياناً واحداً أو عندما يحاول أحدهما أن يسيطر على الآخر بأي وسيلة, تكون الشرارة التي بداخل كل منهما- والتي بداخلنا جميعاً- في طريقهما لتنطلق ولتحارب من أجل حاجة من أعظم حاجات الإنسان ألا وهي الاستقلالية.
إن طول عمر الزواج لا يعد مؤشراً على نجاحه, فكثير من الناس يُبقون على زواجهم خوفاً من المجهول أو بسبب القصور الذاتي, أو ببساطة لأن هذا هو الشيء الذي يجب أن يفعلوه. في الزواج الناجح يشعر كلا الشريكين بعاطفة الحب الحقيقي تجاه الآخر, ويعتزم أن يتيح له فرصة الاختيار دون أي نوع من السيطرة أو التسلط لا تجد في هذا النوع من الزواج هذا التشاحن الدائم الذي يسيطر على فكر وحديث كل طرف مع الطرف الآخر, ولا يُلح فيه طرف على أن يقوم الطرف الآخر بما هو منتظر منه. عن الاتكالية هي الأفعى التي تتسلل إلى جنة الزواج السعيد. فهذه الاتكالية هي التي توجد أشكالاً من السيطرة والخضوع وهي التي تدمر العلاقات تماماً.
ويمكن أن يتم التخلص من موطن الضعف هذا, لكن لن يكون ذلك أمراً هنياً إذا أن النفوذ والسيطرة يكونان مهددين بالخطر, والقلة القليلة هي التي ترضى بالتخلي عنهما دون أن تدخل في معركة. لكن الأمر الأهم هو أنه ينبغي عدم الخلط بين الاتكالية والحب. ترك بعض الفراغات في أماكن الاتصال بين الاثنين هو الذي يقوي علاقات الزواج ويرسخها.
المفضلات