عند تعاملك مع الناس فعليك أن تجمع بين العقل والعاطفة في آن واحد.. ولأننا ندرك تماما أن من الناس من هو عقلاني بالفطرة فهو يتعامل مع الأمور والوقائع بعقلانية ( حرفية) والبعض الآخر على النقيض فهو في كل تحركاته وسكناته عاطفي التوجه والميول.. لكن في نظري انه اذا كان المزج بين هذين السلوكين ضروري في حياة الانسان واستقراره النفسي الا ان ضرورته في تعامله مع الناس أشد وتواجده في العلاقات الانسانية أكثر أهمية.

ولأن الانسان مجموعة من العواطف ولوجود درجات متفاوتة بين الناس في الوجدانيات كان لأهمية استحضار هذا المعنى حال التعامل مع الناس مهما جدا فمن يغفل هذا الجانب فهو يفوت على نفسه فرصا عظمى للاستحواذ على قلوب الناس بل وعقولهم ومن يفوت هذا المعنى ايضا فهو يخسر الذوق والروعة الكلامية وانتقاء المفردات التي تأخذ بالعقل.. فحتى لو كان من يقابلك ممن يتعامل مع الاشياء بعقلانية وموضوعية الا ان مفتاح العقول هي القلوب .. فمتى قبل القلب فانه الملك وبقية الأعضاء والجوارح جنود منقادون له منفذون لطلبه..

ولهذا حين نتأمل سيرة النبي محمد عليه الصلاة والسلام نجد العجب العجاب نرى انه تعامل مع شخصيات متعددة فهذا حليم وهذا حاد الطبع وهذا شديد في الحق وهذا ذو أناة وذاك أعرابي ....الخ
ومع هذا نجد انه عليه الصلاة والسلام كان آسرا بأسلوبه ساحرا في تعامله حيث كان يعرف مفتاح كل شخصية وما يناسبه من القول والفعل ومن ثم يستوعبه ويؤثر فيه .

وبخلاف هذا نجد من كان يغفل عن هذا المعنى يقع في كثير من الأخطاء فهو ان كان عاطفيا صرفا فهو سيقع فخا لعواطفه فالعقل سياج للقلب المتقلب.. ! وان كان عقلانيا صرفا فهو سيجد صعوبة في فهم فلسفة التواصل الانساني.. فكل تواصل بينك وبين الآخر فهو يمر بسلسة من التصورات ومزيج من الكلمات وخطئ واحد منك يجعلك تخسر هذا الشخص..

ان التواصل بينك وبين الاخرين لا يعتمد على من تكون انت فقط! فمعرفتك بنفسك ومعرفتك بضرورة استحضار العقل والعاطفة لا يكفي احيانا بل لابد من معرفة الاخرين وسلوكهم وتصوراتهم وذلك حسب الدراية التي تكتسبها من خلال احتكاكك بالناس ولهذا نرى من الناس من اذا جلس مع شخص جلسة او جلستين فهو يفهمه ويعرف ميوله وفكره وخيالاته حتى لو لم يعش معه وبالتالي يعرف مفاتيح عقله واستراتيجياته في الاستجابة للاشياء والبعض الاخر قد يدرك مفتاح شخصية الآخرين لكنه يفشل في التواصل معه بالاسلوب والكلام والفكر والبعض يحسن التواصل لكن لا يدري بأية شيء يتواصل ولا المنطق الذي يحسن ولا يحسن..

علينا ان نتعلم لغة التواصل مع الاخرين وان ندرك انهم مجموعة من المشاعر والافكار تختلف عنا ولها خصوصيتها ونمطيتها وشفرتها الخاصة والا نعجل بالحكم على الناس والا نجعل الظنون تقودنا في كل حال بل لندع للفكر مساحة يتحرك فيها ومن يعود نفسه على المرونة في التعامل مع الاخرين وحسن التعايش معهم فهو أقدر على احداث التغيير في نفوسهم وقلوبهم وعقولهم .