عندما أعطي من تجربتي شيئاً ما أشعر بالسعادة ، لأنني أعتقد أنني أمنح أشياء من روحي لشخص سار على مساري ، أو توقف عن المسير لأنه ليس لديه الصبر للاستمرار لأن الاستمرار في دعم النفس ليس كلمة سهلة . تحتاج إلى ساعات طويلة ووقفات تأمل يومية ، أما فقدان الصبر والاستسلام فلا يحتاج سوى لإعلان الهزيمة أمام أنفسنا .

أتحدث عن تجربتي التي ترافقت مع بلوغي الستين من العمر . والتي كنت قبلها ليس لدي حسابات للزمن ، أنا هي أنا لم أتغير. على مدار حياتي ومنذ الطفولة كان اليأس يصل بي إلى حد التفكير بالموت . حيث أضع الوسادة في فمي وأصرخ عندما يكون الجميع نياماً . لن أتحدث عن المعاناة الآن . بل إنني أتحدث عن استمرار النهوض والبدء من جديد . فقد كنت دائماً أشعر بأنني وصلت إلى النفق المسدود . ثم أخرج للمشي على غير هدى بعد أزمة ما ، فأشعر بنسيم الحياة يخترقني وأتحمس لمشروع جديد وحياة جديدة .

لم أكن رقماً سهلاً أمام نفسي ولا أمام الآخرين لكن ذلك الاعتداد بالنفس ، وإضفاء القوة على شخصيتي لم يكن سوى تعويض عن النقص لشعوري بالهزيمة التي كنت أحاول قهرها في كل مرة ، فتختبرني الحياة بتجربة أقوى تجعلني محبطة لبعض الوقت . فأعود إلى التظاهر بالرضا والقوة والقبول . وهكذا مر العمر إلا أن أتت اللحظة الفاصلة بوفاة زوجي مع إتمامي الستين من عمري ، ومع أنه من المفروض أن تكون هذه السن هي سن الحرية بمعنى التحرر من الالتزامات ، إلا أنني رأيت أن هناك مسؤوليات كثيرة تترتب علي تجاه أسرتي وأولادي ، وهي ليست مادية فقط . لكنها لم تتكشف لي من قبل . عندما وقفت على حقيقتها رأيت أنها من أكبر تحديات حياتي ، ومع أنني دائماً كنت امرأة عاملة. فقد عملت لمدة أربعين عاماً كاملة . خمسة عشر عاماً في التعليم وأكثر من خمسة وعشرون عاماً في مهنة المحاماة . لكن الوضع لم يكن يسمح لي بالاستمرار فقررت البدء من جديد .

بدأت من جديد ، ومن أسفل السلم . كانت مرحلة انتقالية صعبة أربكتني لعدة سنوات . تعرفت بها على أولادي أكثر كما أنهم عرفوني أكثر . فهمت آلامهم وحجم الورطة المالية التي تجتاحنا كأسرة . سواء من تزوج منهم أم مازال يدرس بالجامعة . كانت المتاعب المالية وغيرها أحياناً تسد أمامي المنافذ وأستسلم ، وبعد ليلة أرق طويلة . أخرج قبل الصباح إلى إحدى الحدائق المفتوحة . أمسك هاتفي الجوال وأدعي أنني اكلم أحداً : لوقت أشكو لربي أمري ، ثم أشكره على الصحة والسلامة . أبكي كثيراً ،وبعد أن تصفو روحي وتغسلها الدموع . أستغرق في رحلة تأمل وأنا مغمضة العينين أحدد خلالها أولوياتي وما أريده ، أو ما أتوقعه، وأعمل جاهدة كي أستحق ما أحصل عليه ، وقد حدث الكثير مما توقعته ومما يدفع إلى الرضا . فقد استطعت بالدرجة الأولى أن أجمع شمل أولادي ، واحل أكثر مشاكلهم تعقيداً كما استطعت من السيطرة على الوضع المادي . مازلت على رأس عملي وأنا أعمل موظفة بعد أن قضيت نصف عمري أعمل عملاً حراً . أنا سعيدة بعملي . عندي شعور نسبي بالرضا . لكنني في حالة وحشة من الحياة . أحياناً أشعر أنه لو كان لي بعض الترفيه في حدوده الدنيا لكان الوضع أفضل . لكن مرة أخرى أختلي بنفسي وأحاول دفعها إلى السعادة وربما مكافأتها أحياناً ، مع هذا أشعر أنني أحتاج لعدم إعطاء نفسي دروساً يومية وساعات تأمل طويلة . أرغب أن أمنحها استراحة من هذه الأشياء لفترة قصيرة . وأمنحها استراحة تناسب ظروفي .

نادية خلوف