عش حاضرك

في يوم من الأيام في قديم الزمان, وفي بلاد بعيدة كان يعيش رجل حكيم عجوز بمنزل على قمة تل, وكان قد كرس حياته بكاملها للتعلم والتأمل, وقد طبقت شهرته الآفاق؛ بسبب ذكائه ورهافة حسه وحكمته, وكان يأتي لزيارته ولطرح الأسئلة عليه رجالُ السياسة والمال والتجارة وأصحاب المقامات الرفيعة، فيقدم لهم على الدوام الجواب الصحيح.
وكان هذا الحكيم يتحلى بملكة فريدة تتيح له أن يصل مباشرة إلى جوهر المشكلة أو القضية, وبالعمل بما يقدمه من إجابات وحلول تكون النتائج ممتازة دائمًا, وسرعان ما امتدت شهرته عبر البلاد.
وفي القرية التي تقع أسفل التل، اعتادت مجموعة من الفتيان اللعب معًا, وأحيانًا كانوا يتسلقون التل لزيارة الحكيم وسؤاله بعض الأسئلة, والتي كان يجيب عنها دائمًا الإجابة الصحيحة, حتى تحول الأمر مع الوقت إلى مباراة صغيرة، يحاول فيها الفتيان التفكير في سؤال لا يمكن للحكيم أن يجيب عنه, لكنهم لم ينجحوا في هذا أبدًا.
وفي أحد الأيام قرر زعيم الفتيان واسمه "آرام" بدعوة الآخرين من حوله وقال لهم: لقد وجدت أخيرًا الطريقة التي سنعجز بها الحكيم العجوز, هاهنا في يدي عصفور سنذهب إلى العجوز ونسأله ما إذا كان هذا العصفور حيًا أم ميتًا, فإذا قال أنه ميت فسأطلق العصفور وسيطير محلقًا, وإذا قال إنه حي سأدق عنق العصفور وسيكون ميتًا, وفي كل من الحالين سيثبت أنه مخطئ أخيرًا.
وأسرع الفتيان بصعود التل, تسوقهم الفرحة بتوقع النيل من الحكيم أخيرًا, ودفعه إلى الإجابة الخاطئة, فلاحظ الحكيم قدومهم إليه ولمح النظرات المتلهفة تعلو وجوهم ثم اقترب "آرام" منه وسأله: أيها الحكيم, معي بين يدي هنا عصفور, ونود أن نعرف منك هل هو حي أم ميت؟
نظر الحكيم إلى وجوهم المتخابثة والمتحفزة للنيل منه, ثم قال في هدوء: إن الأمر بين يديك يا "آرام".
الأمر بين يديك:
هل لازلت تتنفس؟
وهل تشعر بالهواء يدخل إلى رئتيك ثم يخرج منها؟
وهل تستطيع أن تجلب أفكارًا من شتى المجالات إلى عقلك؟
وهل لازال لديك قلب يضخ الدماء في جميع أنحاء جسدك فيبعث فيك النشاط والحيوية؟
إذا كانت الإجابة عن هذه الأسئلة هي "نعم", فحسب معلوماتي الضئيلة في الطب أنك لا تزال حيًّا, وحسب معلوماتي في الإدارة فإنك تملك القدرة على اختيار اتجاه هذه الحياة، وتسييرها وفق ما تريد، سواءً أكان اتجاهًا سلبيًّا أم إيجابيًّا.
الأمر لا يزال بين يديك, فأنت سيد مصيرك, وأنت الذي تتحكم في حاضرك وتوجهه ـ بعد مشيئة الله ـ كما تريد, إلا أننا كثيرًا ما نفتقد للعمل, فننشغل بالنظر إلى الماضي ومحاولة قراءة المستقبل مما يحول بيننا وبين العمل الجاد في الحاضر, ففي حاضرك يمكنك أن تفعل الآن أي شيء تريده, إلا أنك لا تستطيع أن تغير شيئًا من ماضيك, ولا أن تحرك شيئًا في المستقبل.
إن هذه الثواني التي تقرأ فيها ذلك الكلام ستكون بعد قليل جزءًا من الماضي, وستقتطع جزءًا من مستقبلك المحدود الأجل, إلا أنها قد تكون لحظات توفر بعد ذلك الكثير من الوقت في المستقبل، وتضاعف لك إنجازاته فيصبح هذا الحاضر وسيلة لاستشراف المستقبل, وقد تكون هذه اللحظات من الأفكار السلبية هي الباعث على ضياع ذلك الحاضر بالإضافة إلى أوقات كثيرة من المستقبل؛ بسبب تفكير سلبي قد يطرأ على ذهنك.
بين المطرقة والسندان:
يتوقف حاضر المرء بين مطرقة النظر السلبي إلى الماضي وسندان مخاوف المستقبل، وكلاهما يشتت انتباهه وتركيزه في هدفه وحاضرة، وحتى التخطيط لمستقبله.
تتوقف درجة السكينة التي تغلف قلوبنا على مدى قدرتنا على العيش في الوقت الحاضر، وبصرف النظر عما حدث في العام الماضي أو بالأمس، وما قد يحدث أو لا يحدث في الغد فإن الوقت الحاضر هو الزمن الذي تعيش فيه فعلًا.
ودون أدنى شك إن الكثير منا قد تيقنوا من قضاء قدر كبير من حياتهم في القلق بشأن العديد منالامور في آن واحد فنحن نسمح لمشكلات الماضي واهتمامات المستقبل بالسيطره على وقتنا الحاضر بدرجه تؤدي بنا إلى الشعور بالقلق والإحباط والضيق واليأس.
ومن ناحيه أخرى فإننا نؤجل شعورنا بالبهجه وأولوياتنا المحدده وسعادتنا وفي الغالب نقنع أنفسنا بأن يومًا في المستقبل سيكون أفضل من اليوم ولسوء الحظ فإن الآليات العقليه التي تجعلنا نتطلع للمستقبل سوف تكرر نفسها حتى أن هذا اليوم الأفضل لن يأتي أبدًا.
إن الكثير منا يعيشون وكأن الحياه تجربه لما سيحدث في المستقبل, ولكن ليس هذا حالها ليس هناك مايضمن حياة أي منا في الغد, فالوقت الحاضر هو الوقت الوحيد الذي نملكه والوقت الذي نسيطر عليه, فعندما نركز على الوقت الحاضر فإننا نلقي بالخوف خارج عقولنا فالخوف هو القلق بشأن الأحداث التي قد تقع في المستقبل ولكي نقاوم الخوف فإن أفضل
استراتيجه تتمثل في أن نتعلم كيفية اعادة تركيزنا على الوقت الحاضر, لذا ركز انتباهك على الوقت الحاضر وسوف تثمر جهودك بشكل أفضل.
وأعظم أسباب الهروب من الحاضر سببه الندم على الماضي أو الخوف من المستقبل, هذان بُعدان أنت تفقد السيطرة عليهما, استفد من تجارب الماضي وخطط لتوقعات المستقبل.
ثلاثية النجاح:
• لا تنحر المستقبل بخنجر الماضي: لو أن رجلًا يريد أن يقطع طريق في صحراء مقفرة في أسرع وقت ولكنه كلما مر بصخرة ربطها بحبل وأخذ يجرها معه حتى أصبح عاجزًا عن سحب ما ربط من الصخرات هل تظنه سيصل إلى وجهته؟ لا أظن ذلك بل أعتقد أنه يجوز لنا أن نصفه بالجنون والتخبط, أليس كذلك؟ إذًا يا أخي لماذا كثير منًا يجر معه ماضيه بما فيه من حزن وألم وفشل، تعيقه عن بنـاء مستقبل ناجح سعيد ومزهر؟
أليس هذا من الأخطاء التي تظهر في تفكيرنا؟ إذًا لماذا نستمر في الخطأ؟
فابدأ من الآن أخي الحبيب بالتخلص من أفكار الماضي السلبية وقم بتحويلها إلى أفكار إيجابية تعينك على الاستفادة من أخطاء الماضي التي عليك أن تتذكر أنها تمثل لك خبرة سابقة وهذه الخبرة لا تقدر بثمن.
• استشرف المستقبل وواجه مخاوفه: كان هناك دبًا قد وجد خلية للنحل ممتلئة بالعسل, وحينما وجدها جلس تحت ظل الشجرة التي بها الخلية وكان معه عصاة قد أسندها إلى هذه الشجرة, ثم جلس تحتها وراحت الأحلام تروح به وتأتي, فيتخيل أنه يمكن أن يمتلك منحلًا لتربية النحل ابتدأ فيه بهذه الخلية, وأنه أصبح يمتلك الكثير من العسل حتى أصبح مشهورًا بين أوساط الدببة, وبينما هو نائم إذا بذبابة تقف على أنفه, فيتحرك الدب بعنف لكي يصرفها عن وجهة فيصطدم بالعصاة التي تتحرك بدورها باتجاه الخلية التي باتت مهددة بالكسر, حتى اصطدمت بها العصاة وانكسرت الخلية بالفعل وضاعت أحلام ذلك الدب.
ليس ما نقصده من استشراف المستقبل ما فعله الدب من مجرد أحلام دون أدنى تخطيط, لكن الاستشراف الصحيح للمستقبل أن يتمكن الإنسان من صناعة ذلك المستقبل, فكما يقول "بيتر دراكر": "إن الطريقة المثلي لاستشراف المستقبل هي أن تصنعه".
• تقبل الواقع بصدر رحب وانطلق منه: اليوم هو غد الأمس وأمس الغد, فتدبر أمر يومك لأن لكل يوم حلاوته ومره, وكل أمر يعالج في حينه, فالماضي قد انقضى وإلى غير رجعة ومهما أضنينا أنفسنا بالتفكر فيه والقلق بشأنه فإنه لن يرجع, ولن نستطيع تغيير لحظة واحدة فيه.
والمستقبل لم يأت بعد وقلقنا بشأنه لن يجعله أفضل أو أسوأ, وإذا كنا نريد الإعداد له فعلينا اليوم أن نقوم بذلك.
وفي الختام, أن أهمس في أذنك ثم أرجع بعيدًا عنها فأكرر ما قلته لك أن "دع القلق وابدأ الحياة".
أهم المراجع:
1. دع القلق وابدأ الحياة, ديل كارنيجي.
2. جدد حياتك, محمد الغزالي.
3. ارسم مستقبلك بنفسك, براين تراسي.
منق___________ول