وا رأساه، عبارة قلما نجد من لم يرددها في حياته أكثر من مرة.. هو ذلك الصداع المزعج أو المؤلم، والمعيق عن عمل أي شيء مفيد أو ضروري. شكوى لا يخلو منها المرء من آن لآخر، وللبعض في كل يوم. أكثر أنواع الصداع شيوعاً بين الأصحاء من الناس، صغاراً وكباراً، هو «صداع التوتر» tension headache. وألم هذا النوع ينشأ عن شد في أحد عضلات الأكتاف، أو الرقبة، أو فروة الرأس، أو الفكين.
وغالباً ما يرتبط ظهور نوباته بحصول إجهاد أو اكتئاب أو قلق. ولذا فإن احتمالات معاناة أحدنا من «صداع التوتر« ترتفع حال ضغط العمل علينا وقيامنا بمجهود نفسي أو ذهني أو بدني لتلبية متطلباته، أو حينما لا تنال أدمغتنا وأجسامنا القسط اللازم والكافي من النوم العميق المريح، أو حينما نحرم أنفسنا أو لا يحصل لنا فرصة لتناول أحد وجبات الطعام، أو نتأخر عن تناولها. ولدى البعض، قد يكون الأمر مرتبطا بالإفراط في التدخين أو تناول الكحول أو عدم تناول أحدهم ما تعود عليه من المشروبات المحتوية على الكافيين كالشاي أو القهوة، أو غير ذلك.


أنواع الصداع :



و«صداع التوتر» ليس هو النوع الوحيد الشائع للصداع، بل ثمة أنواع أخرى تُصيب الكثيرين. منها صداع الشقيقة النصفي (أو «مايغرين»)، والصداع العنقودي cluster headaches، وصداع الجيوب الأنفية sinus headaches. ومع كل الإزعاج والألم، فإن الجيد في شأن الصداع هو أمران؛
الأول أنه بالرغم من تعدد أسباب الصداع، إلا أن الخطير منها وما يعكس وجود أمراض مهمة، شيء نادر.
والثاني، من الأخبار الجيدة، أن لغالبية أسباب الصداع تلك، أموراً يُمكن، بالاهتمام بها، تحقيق تعامل سليم معها، وتخفيف حدة تأثيرها ومنع ظهور نوباتها بالقيام ببعض التغيرات في نمط سلوكيات الحياة، وتعلم وسائل تُساهم في الاسترخاء الذهني والبدني والعضلي، وتناول أحد الأنواع البسيطة من الأدوية المُسكنة للألم.
إلا أن النصيحة الطبية، كما تقول المؤسسة القومية الأميركية للاضطرابات العصبية والسكتة الدماغية، لا تزال تُؤكد على ضرورة المبادرة بمراجعة الطبيب لو حصل الصداع فجأة، أو كان شديداً جداً بدرجة لم يعهد المرء حصولها في نفسه من قبل، أو أنه حصل بعد إصابة للرأس، أو كان مصحوباً بتيبس في الرقبة وصعوبة تحريكها يمنة ويسرة وانحنائها للأمام أو الخلف، أو مصحوباً بارتفاع حرارة الجسم أو التشويش الذهني أو فقد الوعي أو ألم في العينين أو الأذنين.


عجلة الحياة اليومية:



تصيبنا نوبات الصداع أكثر حينما نواجه إجهاداً وتوتراً، أي عندما يكون ثمة «سترس» توتر في حياتنا. والمراجع الطبية تختصر الأمر لتقول: في الحقيقة، «السترس» هو أكبر مثيرات ظهور نوبات الصداع.
ومعرفة هذه الحقيقة يقطع نصف مشوارنا في معالجة الصداع والوقاية منه. لأنه، وكما يقول الباحثون من مايو كلينك في نص ترجمة كلامهم حول الصداع، يجب ألا نجعل للـ«سترس»، أي الإجهاد والتوتر، اليد العليا علينا، بل علينا اتخاذ خطوت بسيطة للتعامل مع هذا الإجهاد، كي نُبقي الصداع بعيداً عنّا.
وكلنا نواجه «سترس» أحداث كبيرة في الحياة، كموت عزيز أو فقد ودّ ومحبة وصداقة إنسان، أو طلاق، أو سفر قريب، أو عقبات معيقة في طريق العمل. لكن أحدنا، بما يختزنه جسمه من طاقة نفسية وذهنية وبدنية، ومما نغفل عنها أحياناً، قادر على مواجهة تلك الأحداث.
الإشكالية ليست في هذا، بل في تتابع أحداث الحياة اليومية ودوران عجلتها بشكل مستمر، وما يرشح عنه من حصول أمور بسيطة وتافهة لو تأملناها حقيقة، مثل البحث دون جدوى عن ورقة في المكتب، أو الانتظار أمام إشارات المرور وفي اختناقات زحمة السير، أو تأخر الضيوف أو تعليقات سخيفة من أحدهم أو نظرات أسخف من إحداهن.
كلها، وغيرها مما هو أبسط، قد تُفقدنا قدرة السيطرة وضبط التفاعل، ما يجعلنا غير ناجحين في عملية التكيف، وبالتالي عُرضة للتوتر. وهو ما يُثير لدى البعض أوتوماتيكياً نوبة من الصداع. وسبب الصداع هنا هو إثارة الإجهاد لرفع مستوى هرمونات التوتر Stress hormones التي تعمل بدورها على حصول اضطرابات في مواد كيميائية معينة داخل الدماغ، وفي العضلات، وفي الأوعية الدموية. كما أن بعضنا، لا شعورياً، يتفاعل مع الـ«سترس» بالصرّ والشد على الأسنان، أو شد عضلات الكتف أو الرقبة أو التي تغلف جمجمة الرأس، وهو ما لا ينتج عنه سوى مزيد من الصداع والإزعاج والألم.