الجميع يرفضون الاعتراف بشعورهم بها :


ربّما يكون أصعب إحساس بالنسبة إلى الإنسان، هو شعوره بأنّه يتعرض للخيانة، وبأن أحداً ما سيأخذ مكانه، وبأنّه سوف يصبح منسياً. هذا هو الشعور بالغيرة، الذي يحاول الجميع إخفاءه ويرفضون الاعتراف به.
لابدّ أن كل امرأة شعرت في يوم من الأيام بهذا الألم الفظيع، ألم الغيرة، الذي تحت وطأته يمكن لبعض النساء أن يرتكبن أبشع الجرائم مثل القتل أو الانتحار. لكن ما إن تمر بضع ساعات وربما فترة أطول على ذلك الإحساسحتى تسأل نفسها: "ما الذي دهاني؟ لماذا شعرت بذلك الإحساس؟". وهنا تأتي الإجابة مختلفة من امرأة إلى أخرى، فشعور الغيرة منتشر جدّاً بين البشر ومعقد ومخادع أيضاً، وهو يخفي وراءه غالباً مجموعة من الإحباطات، والرغبات المكتومة. الغيرة شعور يأتي من بعيد، ومن أعمق أعماقنا، من الطفولة. أحياناً، تكون الغيرة مخفاة حتى عن صاحبتها، فلا تعرف أنها في الحقيقة تغار. ومن بين كل الأحاسيس الإنسانية، فبالتأكيد الغيرة هي أكثر شعور يخفيه الإنسان عن الآخرين، ذلك لأنّهم عادة يسيئون تأويله. نحن نخجل من كوننا نغار، ولا نفهم كيف تحدث الغيرة ولماذا، لكن الأكيد أن هناك أشياء كثيرة يمكن تعلمها من هذا الشعور.



- من أين تأتي الغيرة ..؟؟


حسب المحللين النفسيين، فإن كل الناس شعروا بالغيرة مرات عدة خلال فترة الطفولة، ولابدّ أن تجربة غيرة الطفولة لدى البعض كانت قاسية جدّاً لدرجة أن أثرها سيستمر لديهم مدى الحياة. وعندما تشعرين بالغيرة وأنت بالغة، فإنكِ في الحقيقة تعيشين مرّة أخرى ذلك الألم الذي عشته وأنتِ طفلة صغيرة، حيث الطفلة لا تتحمل، مثلاً، أن تبتعد أمها عنها لتهتم بشخص آخر. حينئذ تشعر الصغيرة بأنّ العالم كله ينهار من حولها، وتشعر بأنّها مهمَلة. هذا الإحساس يمكّنها من الخروج من حالة الالتصاق بالأُم. ويحضر هذا الإحساس أيضاً عند الفطام، وهي مرحلة صعبة في حد ذاتها، ويحضر كذلك في اللحظة التي تستعد فيها الطفلة لاستقبال صدمة كبيرة بالنسبة إليها، ألا وهي عندما ستكتشف أنها لم تعد الطفلة الوحيدة لأُمّها وأبيها، بل إن هناك طفلاً آخر، وذلك عند إنجاب أخ أو أخت لها. الطريقة التي تعيش بها الطفلة تلك الصدمة الأولى، ومدى ذكاء الأُم والأب في التعامل مع هذه المرحلة، هما الفارق الذي يجعل بعض البالغين يتجاوزون إحساس الغيرة بسرعة، وآخرين يبقى جرحهم ذلك وشماً في ذاكرتهم ووعيهم.



- الغيرة وغياب الوفاء:


هل يكون الإنسان غيوراً فقط لأنّه ليس وفياً للطرف الآخر..؟؟
إنها ظاهرة منتشرة جدّاً. وكمثال، محسن شاب متزوج. قبل زواجه، كان يغازل كل النساء وأقام علاقات حب مع الكثيرات، بحيث لا يمكنه أن يتذكرهنّ كلهنّ. لكنه بعد الزواج، أنهى حياته تلك، وبدأ صفحة جديدة. زوجته امرأة مخلصة ووفية له، كما أنها محتشمة، لا ترتدي ملابس مثيرة، ولا تحاول أن تغري الرجال بزينتها أو دلالها. على الرغم من ذلك، فإن زوجها محسن يغار عليها بشكل جنوني، ويحمرّ وجهه من الغيظ لمجرد أن يراها تتحدث مع رجل آخر. وهنا يقول المحلل النفسي جون بيير وينتر عن هذه النوعية من الرجال: "ما يراه الزوج في هذه الحالة هو رغبته هو، لهذا فهو يعكسها عليها. فبالنسبة إليه الرغبة هي ممارسة فعل الحب (على الرغم من أنّ هذه ليست الحال بالنسبة إلى الزوجة). هو يشعر بالذنب، ويمنع نفسه من خيانتها، لكنه يتهمها هي بذلك". هذا النوع من الغيرة يسمى عند العالِم الكبير فرويد "غيرة الانعكاس".



- المرأة أم الرجل..؟؟


هل تغار المرأة أكثر مما يغار الرجل..؟؟
الجواب هو:
لا، لكن النساء يُظهرن غيرتهنّ أكثر مما يظهرها الرجال. فعلى عكس الرجل، تشعر المرأة بالفضول لمعرفة غريمتها، وتريد أن تعرف عنها كل شيء: لون شعرها، قوامها، ماذا تحب وما لا تحب. أمّا الرجل، فإنّه عندما يغار، ينكر ذلك. تقول ريهام: "يتظاهر زوجي بأنّه لا يغار، وقد كان صادقاً، إلا أنّه في إحدى الأمسيات، وعندما اعترفتُ له بقصة حب فاشلة مع شاب آخر قبل أن أعرفه، لم ينم طوال الليل. وكان يستيقظ مرات عدة ليذهب إلى الحمام، لكنه لم يعترف بأنّه يغار، وقال إنّه مجرد ألم في المعدة". هذا التصرف رجالي محض. قد يبقى الرجال لا مبالين لوقت طويل إزاء شعورهم بالغيرة، لكن وفي لحظة معينة، وفي مواجهة خيانة الزوجة أو ظهور منافس حقيقي، فإنّهم ينهارون، في حين أنّ المرأة تغار تلقائياً، حتى وإن لم يحصل شيء يستحق أن تغار بسببه.



- هل يمكن ألا نغار..؟؟


كان العالم النفسي فرويد أوّل من قال: "الغيرة مثل الحزن، عند الحداد تأثير لابدّ منه. وإذا لم نشعر به، فذلك يعني أنه تم كبته بعنف، وأنّه يمارس داخل اللاوعي دوراً أكبر من ذلك، الذي كان سيلعبه لو لم يتم كبته". نبيل (33 سنة)، يدعي أنّه لم يعد يغار، وذلك لأنّه كان يغار كثيراً وهو طفل، حيث كان الابن الأكبر بين خمسة إخوة، وقد شعر بأنّه مهمَل وغير مرغوب فيه عند ولادة الطفل الثاني. يقول نبيل: "الغيرة؟ لقد تعلمت كيف أعرف هذا الشعور وأضع بيني وبينه جداراً واقياً، وهذا الجدار هو اللامبالاة. وما إن تحاول المرأة التي أحبها أن تستفزني وتجعلني أغار حتى أشعر بأنني بارد كالثلج، أو واقع تحت تأثير البنج. يتوقف اهتمامي بهذه المرأة وأتوقف عن حبها، بل أكرهها". إذا كان نبيل يعتقد أنّه لم يعد غيوراً، فإن ذلك فقط لأنّه في الواقع فعلاً يغار بشكل عنيف. إنّه يقمع غيرته ويكبتها لأنّه يعرف أنّه لا قوة لديه على احتمالها مثلما قد يحتملها آخرون. هو لم يتغلب على غيرته أبداً، فكل ما فعله أنّه حوّلها إل كره بارد.



- نصائح:


لكي تتعايشي مغ غيرتك أو تتغلبي عليها، وحتى لا تتحول إلى غيرة مرضية، نقدم لك النصائح التالية:
· لا تعذبي نفسك بشعور الغيرة، ولا تسمحي له بأن يسيطر على كل تفكيرك. فكري في أشياء أخرى مثل عملك وأطفالك وهواياتك.
· امنعي نفسك من التفتيش في أغراض زوجك، هذا لا يفيد سوى في أن يزيد علاقتكما توتراً. وبتفتيشك في أغراضه، فإنك ستجدين دائماً شيئاً لكي تبرري به غيرتك، مهما يكن تافهاً، لأنّه بالنسبة إلى المرأة الغيورة، كل شيء ممكن أن يكون دليلاً على الخيانة.
· تذكري أيام حبكما الأولى، أيام الخطوبة الجميلة، اجتهدي لكي تعيدي اكتساب ذلك الإحساس المريح بالثقة الذي كنت تتمتعين به حينها، فهذا سيساعدك على أن تغرقي في الشكوك المرضية والوساوس.
· كوني واعية بأنّ الزوج الذي تكونه كل امرأة مع شريك حياتها، هو شيء فريد من نوعه لا يمكن تكراره أو إعادة صُنعه مع امرأة أخرى. وما يحدث بينكما أنت وزوجك لا يمكن إعادة إنتاجه مع امرأة غيرك بالطريقة نفسها.
· لا تترددي في رؤية غريمتك إن كان لديك فضول قوي لمعرفة ذلك، هذا سيريحك، لأنّ المرأة الغيورة تتخيل دائماً الأسوأ (قد تتوقعين أنها أجمل منك، لكن عند رؤيتها تكتشفين العكس)، فهذا سيعطي غيرتك صورة معينة مركزة في جسم معين، وبالتالي يعطيها حدوداً. وهذه أوّل خطوة في طريق الشفاء وإعادة البناء.