مقدمة

تطلق عبارة العنف السياسي على الأعمال و الممارسات الموجهة من قبل الدولة أو النظام السياسي أو منظمات سياسية ضد الأفراد و المجموعات ، وترتبط موضوعة العنف السياسي ضد الأطفال بالوضع السياسي الذين يحيون في ظله . فمن المؤكد أن الأطفال الذين يعيشون تحت ظروف حرب /(أهلية)، احتلال ، قمع سياسي هم أكثر عرضة من غيرهم لأشكال العنف السياسي الموجه ضدهم . أن الطفل الفلسطيني الذي عانى من ظروف الاحتلال طوال الخمسة عقود المنصرمة يعتبر اليوم أكثر الأطفال عمر في العالم من حيث تلقيه لأشكال العنف السياسي . لقد مارست الدولة الصهيونية ضده خلال الخمسين عام الماضية الكثير من أشكال العنف و الإساءة على المستويين الفردي و الجمعي .

و إذا ما تسنى لنا تقسيم أنواع العنف السياسي ، فأنه يندرج تحت شكلين عامين رئيسيين : العنف المباشر و العنف غير المباشر . من أشكال العنف المباشر :- القتل ، الضرب ، الإصابة ، الاعتقال ، التنكيل ، الترحيل ، الحد من حرية الحركة ، و سحب المواطنة …الخ . أن لهذه الأشكال سالفة الذكر وقعا نفسيا مؤلم على الفرد ، فعلى سبيل المثال قامت الدولة الصهيونية في الفترة الواقعة بين أيار و أيلول من العام 1989 بترحيل ما يقارب إلى 250 طفل وأم فلسطيني في منتصف الليل إلى الحدود الأردنية بسبب رفض منحهم لم شمل العائلات . ما هو الوضع النفسي المتوقع في مثل هذه الحالة لأطفال يجدون أنفسهم منزوعين بلا مبررات و لا تفسيرات من مكانهم وأقربائهم في وضع غاية في الغرابة . وتشير دراسة (بوناماكي ،1989) إلى أن 85% من الأطفال الفلسطينيين قد شهدوا حادث عنيف ضدهم أو ضد أحد أقرباهم من العائلة النووية . و أن 39% من الأطفال الفلسطينيين قد خسروا أحد أفراد عائلتهم طوال سني النزاع العربي – الصهيوني ناهيك عن هؤلاء الذين تعرضوا السجن قبل بلوغ السابعة عشر والذين يبلغ عددهم ما لا يقل عن 54% من السكان ، حيث لا يزال 300 طفل قيد الاعتقال في سجون الاحتلال .

هذا بالإضافة إلى الأعداد الكبيرة من الأطفال الذين تعرضوا للتشريد بسبب تدمير بيوتهم و خروجهم إلى الشارع . و أيجاد أنفسهم بلا مأوى بشكل مفاجئ . يمكننا القول أن الطفل الفلسطيني قد تعرض للأشكال التالية من العنف السياسي المباشر :-

1- القتل أو الإصابة البالغة أو المعيقة أو المزمنة .

2- الضرب والتنكيل و الإهانة عن طريق التوقيف، منع الحركة، مداهمة البيوت …الخ .

3- هدم البيوت والتشريد .

4- السجن الاعتقال أما الإداري أو بمحاكمة. وهذا قد يكون لفترات متفاوتة إما قليلة أو طويلة بناء على نوع الإدانة .

5- سحب المواطنة و منع لم شمل العائلات .

6- مصادرة الأراضي.

آثار العنف المباشر على الأطفال

و مع أن الأنواع المختلفة من العنف قد تسبب صدمة عند الطفل وتأثير هذه الصدمة يكون شديدا على المستوى النفسي، الإجتماعي، الأكاديمي، المعرفي والمهن إلا أن العنف السياسي المباشر تأثيره مزدوج إذ قد يصيب الطفل مباشرة أو قد يصيب أهله وبذلك يتأثر الطفل بطريقة غير مباشرة. والتهديد الأساسي من العنف السياسي هو من خلال كون الطفل بدون حماية إذ أن الوضع يكون على رأي المثل "حاميها حراميها"، أي إن كانت السلطة أو المؤسسة الحاكمةهي المهددة فمن يحمي الطفل. ولذا فان التأثير الأساسي يكون بأعراض التوتر ما بعد الصدمة (ptsd)، ويكون بظهور بعضها مباشرة بعد الصدمة على شكل أعراض جسمية، نفسية واجتماعية مثل أوجاع الرأس، الظهر و الكتفين ، التأخر بالدراسة، التغيب عن المدرسة، صعوبة بالتركيز والابتعاد والانفصال عن الأهل( مسلر،فرولي 1994). والآثار بعيدة المدى مثل الاضطرابات النفسية بأنواعها، تشير إحصائية مدى انتشار مشاكل الصحة النفسية في فلسطين بأن 25-30% من الشعب الفلسطيني يعاني من مشاكل نفسية، وهذه نسبة عالية إذا ما قورنت بإحصائيات عالمية لذا فانه من المؤكد أن الوضع السياسي الراهن يزيد من تفاقم الوضع والاضطراب في هذا الجزء من العالم .

العنف السياسي الغير مباشر ضد الأطفال .

تأخذ الأشكال غير المباشرة في العنف السياسي دورا مخفيا و قد تكون آثارها بعيدة المدى و غير محسوسة على المستوى اللحظي . مما يجعلها أكثر خطورة من نظيراتها أشكال العنف السياسي المباشر . هذا من ناحية ، أما من ناحية أخر فقد تبدوا هذه الأشكال للعيان و كأنها موجهة لجمهور الناضجين لكن وقعها النفسي أكثر خطورة على الأطفال . كما أن خطورتها الأعظم تكمن في كونها تعبر عن سياسات موجهة تهدف إلى خلق حالة من الاختلال المرجو من قبل المعتدي . أنه من الممكن القول أن السياسات الإسرائيلية بمجملها تستهدف خلق هذا الخلل خصوصا لدى الأطفال الذين يشكلون الورثة الطبيعيين للقضية الفلسطينية .

أشكال العنف السياسي غير المباشر .

يعبر العنف السياسي الغير مباشر عن نفسه من خلال مجموعة من الممارسات و الأهداف التي تخدم أساسا أهداف موجه الاعتداء ، و يكون على رأس تلك الإعتدات الغير مباشرة ، التغريب الذي يهدف إلى خلق فجوة ثقافية وحضارية بين الفرد وثقافته الأم بالإضافة إلى طمس الهوية الوطنية العامة ، ربط الاقتصاد المحلي باقتصاد الدولة المحتلة أو المستعمرة مما يخلق حالة من الاعتمادية الاقتصادية التي تنهك الاقتصاد المحلي . التقصير في مجال تقديم الخدمات الأساسية مثل الماء و الكهرباء و النظافة العامة .

1- تهجير السكان بطرق غير مباشرة من خلال خلق جو عام من عدم الأمان و الاستقرار النفسي و الاجتماعي و الإقتصادي مما يحدى بالعديد من السكان المحلين بالمغادرة و الهجرة.

2- استخدام مرافق تقديم الخدمات الصحية و الاجتماعية و المدنية كوسيلة ضغط على المقدسين ، و استخدام المعلومات الخاصة بالعمل الإنساني في سبيل معرفة معلومات شخصية قد تساعد في طرد الشخص أو وضعه تحت تهديد معين بالطرد أو الإذاء . مما يمثل خرق خطيرا لقوانين العمل الإنساني الدولية .

3- سلبية أجهزة الوقاية والتدخل المختصة ( شرطة مكافحة المخدرات ،البلدية، مكاتب الشؤون الاجتماعية ) حيث تتبع هذه الأجهزة سياسة موجه تعتمد على إهمال الحاجات المجتمعية والمدنية ، وتتغاض عن جرائم ومخالفات خطيرة خصوصا في مجال المخدرات و الوقاية منها ، العنف الأسري ، التسرب من المدارس ، و الجريمة بشكل عام.

4- الشرذمة : اعتماد مجموعة من أساليب التفرقة العرقية و الدينية ، و نشر آفات اجتماعية خطره مثل المخدرات والدعارة ، وتغذية الإشكاليات العائلية أو العرقية من خلال عملاء أو مستفيدين .

5- تهميش قطاعات السكان المحلين وحرمانهم من تمثيل أنفسهم في المؤسسات الحساسة التي تدير أو تحكم المدينة ، وتهميش تطلعاتهم في تطوير مدينتهم و تصميمها العام.

6- خلق وقائع على الأرض من خلال الأشكال السابقة للعنف السياسي غير المباشر ، مما يساهم في تعزيز الاغتراب أو الاضطرابات الاجتماعية ،و تصعيب أيجاد الحلول للظواهر السلبية .

أثار العنف السياسي غير المباشر على الطفل الفلسطيني .

أن مجموعة أشكال العنف السياسي الناجمة عن سياسية الدولة الصهيونية المحتلة ، تمثل سياسة لعنف سياسي مخطط ومدروس يصب في مصلحة مجموعة من الطموحات التهويدية العدوانية التي تتمثل فيما يلي :-

1- تفريغ المدينة من سكانها وخلق وقائع ديمغرافية تساهم في تصوير القدس على أنها مدينة يهودية ( التهويد ) .

2-سلب الأقلية الباقية من سكان المدينة هويتهم الوطنية والثقافية وخصوصا الفئة العمرية (0-18سنة) . أما من خلال توريطهم في تعاطي المخدرات أو جرائم وانحرافات إجتماعية. أو من خلال تقديم ثقافة مميعة لا تساهم في بناء الشخصية الفردية الاجتماعية السليمة .

الآثار النفسية والاجتماعية للعنف السياسي .

يترك العنف السياسي بشكليه المباشر و الغير مباشر مجموعة من الآثار النفسية والاجتماعية الخطيرة ، حيث يجرد الفرد من إنسانيته ومن الشعور بالأمان هذا الشعور الضروري من أجل تطور نفسي اجتماعي سليم ، كما أن أشكال العنف السياسي الغير مباشر تأثر بطرق مختلفة على العائلة من ناحية التماسك و توفير أطر الدعم الإجتماعي المباشر و الحماية .