أين الخلل في التعليم

كثيرا من التربويين يعلل وجود الخلل في مجال التعليم لأسباب شتى ومن أبرزها المباني ووسائل التعليم وآخر يحيلها للمناهج و المعلمين , وبرزت مؤخرا ظاهرة انتشار المدارس الخاصة التي جمعت بين جدرانها إخفاقات وعثرات كثيرة للتعليم وتحولت إلى مصدر ابتزاز جيوب الآباء وتجارة مربحة تدر على أصحابها أموال طائلة , وكذلك تقدم للطلبة تعليم أجوف وشهادات وهمية لا يحمل صاحبها سوى درجات مزورة ممنوحة لمن يسجل في تلك المدارس , فأصبح الوطن يستقبل جيلا فاشلا يحمل شهادات مزورة بطرق رسمية ومن مدارس مرخصة , فالمواطن ينطبق عليه المثل كالمستجير من الرمضاء بالنار , فهو يهرب بأبنائه من المدارس الحكومية التي تعاني من الكثير من المشاكل والنقص إلى المدارس الخاصة الذي يحوي جيش من المعلمين المرتزقة , فنريد أن نعرج قليلا على بعض هذه المعضلات لعلنا نتبصر من خلالها مكامن الخلل في التعليم .


هل هي المباني المدرسية ؟

لا نستطيع أن نحمل المباني المدرسية سبب انتكاسة التعليم في هذه الأمة , فقد كان في السابق لا يمتلك المعلمين أماكن مخصصة للتعليم ولا عشر ما نملك في هذا الزمان من مباني تعج بالفصول المرتبة و يتوفر بها ساحات فسيحة وتكييف وغيرها من خدمات , ولكن ربما يعترض البعض ليقول هذا غير صحيح فإن أكثر المدارس هي عبارة عن بيوت مستأجرة , ونقول أن هذا الأدعاء صحيح ولكن إذا كان نسبة المباني الحديثة إلى البيوت المستأجرة هي ثلث العدد فهل مخرجات التعليم من تلك المباني الحديثة تختلف في النوعية عنها في البيوت المستأجرة أم المستوى في الفشل واحد والمشكلة مازالت موجودة , لقد أستطاع المعلمين في القدم تقديم منزلة عالية من العلم وأناروا الدنيا بالعلم وكانت أماكن تعليمهم محصورة في المساجد وملحقات المساجد الصغيرة يفترشون الحصير ويكتبون والدفاتر على أفخاذهم لا يمتلكون طاولات ولا سبورة ولا طباشير والهمم كانت لديهم عالية , فأين إذا المشكلة ......؟ .

هل هي المناهج الدراسية ؟

تنوعت المناهج في العالم العربي وتفنن المربون في تشكيل المناهج من مشارب شتى يريدون بذلك تحقيق القفزة العلمية كمثل قفزات الغرب ويظنون أن العقبة هي المناهج فقط , بينما لم تنجح كل المناهج العلمانية وأيضا الشرعية المعاصرة والخليط منها في النهوض بالتعليم , ولم تستطع أن تفجر معارف العلم وتسلك المسلك الصحيح وتدخل على خط التنافس مع العالم الحديث مع أن الجميع أتيح له الفرصة في أماكن مختلفة من العالم العربي والإسلامي لوضع كل ما يحلوا له والجميع مازال يراوح مكانه إسلاميا وعلمانيا.

هل المشكلة في المعلمين ؟

في نظري أن جوهر المشكلة يكمن في الناقل لهذا العلم أو ذاك فهو حلقة الوصل بين العلم والمتعلم , فكثير من المعلمين يحتاج إلى تأهيل ليكون معلما صالحا لنقل العلم وتبليغه إلى الطلاب فهذا المعلم يريد أن يقدم نورا من أنوار الله للناس في الأرض فإن أصل العلوم كلها من عند الله يقول الله عز وجل " وما أوتيتم من العلم إلا قليلا " , ولكن قالب هذا الشخص لا يصلح أن يكون حاملا لهذا العلم , فتكون الكارثة أن يقدم هذا العلم مشوها وضعيفا إلى طالبيه فلا يستفيد منه الناس , إن مهنة التعليم أصبحت وسيلة كسب مادي ليس إلا , فالناس تتهافت على هذه الوظيفة من أجل أن تحصل على مرتب جيد ليتكسب منها وليس الهدف لتعليم الناس الخير , وأصبحوا لا يبالون هل هم أصحاب رسالة أم أنهم محسوبين على التعليم كرقم مضاف لتكميل العدد , وفي الحقيقة أنها أورام مرضية تحتاج إلى إزالة ومعالجة , فلو قامت إدارة التعليم باختبار هؤلاء المعلمين وتصنيفهم من حيث التأهيل الحقيقي وليس من باب حمل الشهادات لوجدت أن العدد الحقيقي الموجود والصالح للتعليم لا يجاوز عشرة في المائة والباقي يحتاج إلى تسريح ولا يصلح حتى إلى تأهيل , فهل نعي جوهر المشكلة , بمعنى أخر فإنه لا يصلح أي إنسان أن يكون مدرسا ومعلما للأجيال بمجرد أنه متخرج من معهد المعلمين أو أنه يحمل شهادة جامعية بل يجب أن يكون معلما في نفسه قبل أن يكون معلما لغيره وأن يكون التعليم بالنسب له حياة وأن يرى في نفسه أنه لا يصلح أن يكون في أي مكان أخر غير هذه المهنة وأنه يعشقها ويعشق مشاكلها , ثم نلتفت بعد ذلك إلى المؤهلات العلمية التي بيديه , لا نريد معلم يلعن اليوم الذي فكر أن يكون فيها مدرس بسبب مشاكل الطلاب والأخر يقول لم أجد مكان أذهب إليه أصلا إلا كلية المعلمين , ثم يأتي أبنائنا ليأخذوا من هذا المعلم المتهالك الذي لا يصلح أن يكون فراشا في المدرسة فنقول له تعال علم أبنائنا ليتخرج على يديك العلماء ونوابغ الأمة , هيهات فهذا صعب ومحال فسيكون تعليم أبنائنا مشوه وممسوخ وحصيلته من التعليم القراءة والكتابة ومعلومات قليلة متناثرة لن تلبث إلا يسيرا ثم تتلاشى .