الحياة المعاصرة تبيّن لنا أن التعليم الذي لا نقطف ثماره، قاصر، فالتعليم حسب هذا التعريف تعديل في سلوك المتعلم، أي بلغة أخرى ظاهر النتائج؛ لأنه يتحول من كتاب ورقي إلى سلوك عملي. ويظهر هذا التغيير في سلوك المتعلم لمثير يتعرض له هذا التلميذ، قد يكون مقصوداً أو غير مقصود فالبرامج الدراسية، والمناهج والكتب كلها، تمثل لنا نموذجاً للتعليم المقصود، وأخلاق المعلم وأدائه في الصف نموذج آخر للتعليم غير المقصود، وهو الأخطر، كما تجمع على ذلك الأدبيات التربوية، فالقدوة، كما نسميها نحن العرب أو المنهج الخفي كما تسمى في الغرب، أخطر تأثيراً على المتعلم من ألف كتاب.

هذا المقدمة لازمة لإدراك الخطر، الذي تمر به التربية العربية، فإن عقوداً مضت من التربية والتعليم في العالم العربي، أوصلتنا إلى نتائج خطرة، آن لنا أن نراجعها كي نجني ثماراً أوضح للعلم والتعليم. وإذا كان تعريف التعليم يقتضي تعديلاً في سلوك المتعلم، فمن حق الأسر والمجتمع أن يسأل: هل التغيير الذي تدخله التربية والتعليم على التلميذ إيجابي بنّاء أم سلبي هدّام؟ لن أجيب عن هذا السؤال، لكنه متروك لعقل القارئ الكريم للإجابة عنه، أو ربما تكون الإجابة بأن التلميذ في المدرسة العربية، لا يطرأ عليه أية تغيير يذكر، وهنا تكون المصيبة، أن يُسجن الإنسان لأكثر من اثنتي عشرة سنة بين جدران المدرسة، كي يتخرج للمجتمع متسائلًا: هل تعلمت ما ينبغي أن أتعلمه؟



إن كنا كعرب في العموم غير مقتنعين بمخرجات العملية التعليمية، فينبغي مراجعة العمليات، كي نكتشف أين وقع الخلل؟ وهذا ما يقوم به التاجر الناجح والصانع المتميز، إذا كان المنتج أو المخرج لا يتطابق مع المواصفات، التي وضعت له، والتربية العربية بحاجة إلى مثل هذه المراجعة، بل نحن في دولة الإمارات بحاجة ماسة اليوم، إلى أن نقف وقفات جادة مع التعليم، الذي يشتكي جل الناس منه؛ لأنه وصف بالأعرج، الذي حقق بعض الأهداف، ولم ينجح في أخرى، مما جعل الإمارات تجتهد كل على حدة في الوصول إلى صيغة جديدة للتعاطي مع متطلبات المرحلة القادمة، فهل الخلل في التلميذ المدلل الذي يأتي للمدرسة، وليس لديه رغبة في التحصيل، كما يقول بعض المعلمين، أم أن الخلل في المعلم الذي تم تزويده بالكم المعرفي، وهو بحاجة إلى جرعات تربوية كي يستقيم أداؤه، أم أن الخلل في المناهج وطرق التقويم؟



أسئلة يطرحها الناس علينا كمتخصصين في كل الأوقات، والجواب الذي اقتنع به وأكرره مراراً أن ملخص الخلل في التعليم لدينا، يكمن في إدارة التعليم.

دعونا نقلها بكل صراحة إن إدارة التعليم في كل دولة مسؤولة عن الخلل الذي يشتكي منه الناس، ولو تعاملنا مع هذه المسألة بكل شفافية لما ظهرت لدينا التجارب الفاشلة في إصلاح التعليم في الدولة، ولما مرت علينا هذه التجارب مرور الكرام، دون نقد واضح ومحاسبة دقيقة؛ لأن مصائر الأجيال لا ترتبط بمناصب الرجال. وإذا كان الخطأ يُُُجبر في وزارات أخرى، فإن الخطأ في وزارة التربية والتعليم يمثل تهديداً لأمننا القومي؛ لأنه يضر بالثروة الحقيقية في الدولة، ألا وهم أجيال المستقبل، فهل آن لنا أن نرفع شعار التعليم للتغيير، أي أن نجني ثماره واضحة في التلاميذ أم أن شعارنا سيبقى تغيير التعليم، ويكون عندها التغيير لمجرد التغيير؟