التعليم الإلكترونيُّ بما فيه التعليم عبر الإنترنت وُجِدَ ليبقى بطريقة أو بأخرى. أدب العمل مليءٌ بقصص عن النجاحات في التعليم، والتوفير في الكلفة كنتيجة لتطبيق التعليم الإلكترونيّ، ونجده أحياناً مليئاً بقصص وتفاسير حول الإخفاقات والمشاكل. نحاول في هذا الفصل أن نقدّم التعليم الإلكترونيّ من منظور يدرس كيفيَّة إجرائه في ظلِّ التطوّر الحاصل في الأجهزة والأنظمة والمضامين، ونركِّزُ فيه على مساعدة مدير التدريب لتحقيق أفضل ما قمنا بتعلّمه حول التعليم الإلكترونيّ.

قضايا إدارية أساسيَّة
التدريب المتمازج[1] (المتداخل)

يواجه مُدراء التدريب معضلةً تقليدية في إنشاء التدريب وفق أسس أفضل ما يقدِّمُه علم النفس التربويِّ ونظريَّات التعليم، وفي نفس الوقت استغلال كلِّ ما هو جديد ومُفيد بحقّ في مبتكرات مُعدَّات الكمبيوتر والبرامج والأنظمة. المطلوب حالياً هو إيجاد “مزيج” بين القديم والحديث، بين اللمسة التقليديَّة الرومنسية والتكنولوجيا المتطوّرة معاً، ولكن كيف؟
يمكن أنْ نجد الجواب في دراسة الفروق بين التدريب المُعرَّفِ بشكل عام على أنه من تصميم المُدرِّب وإعطائه، والتعليم المُعرَّفُ على أنَّه عمليّة داخل الفرد تُمكِّنُ الشخص من العمل بصورة أفضل وأسرع وبالمعنى الأفضل بطريقة أكثر ذكاءً. هناك بعض الأصناف من الأشياء التي يحتاج الناس لمعرفتها والتي تعود بالفائدة الجليّة على تصميم المناهج والإدارة التدريبيَّة، يملك العديد من هذه الأشياء طبيعة إخبارية: إعلانات، وصف للمُنتَجات، معلومات حول فرص التدريب، تقارير عن المنافسة في العمل، معلومات حول الموظَّفين الجدد، سيناريوهات ودراسات للحالات المُختَلِفة، تثقيف، معلومات حول المُؤتمَرات التشاورية ومعلومات وثائقية، والتي يمكن أن تصبح جزءاً من التعليم الإلكترونيِّ، وتقدّم الفائدة الكبيرة. الموادُّ التي تمَّتْ صياغتها على أساس معلوماتي يمكن أن تقدِّمَ معلوماتٍ مبدئيَّةً، ويمكن أنْ تكون حصيلة من نمط مكتبي من أجل استحضارها من قِبَلِ المُتعلِّمين في الوقت المناسب، ويمكن أيضاً أن تقدِّمَ الحافز للبحث الموسَّع واستمرار التعليم. تمَّ تصميم وإدارة أصناف الأشياء هذه بواسطة نظام منهجي كجزء رئيسيٍّ من محاولة التعليم عبر الإنترنت.
يملك الإعداد المنهجي للدورات والنشاطات التعليميَّة بلا ريب دوراً مهمّاً في التعليم الإلكترونيّ أيضاً، لكن يجب أن يكون المعدّون حَذِرين كيلا يصنعوا تجارب تعليميَّة على الشبكات تكون مقيّدة نفسياً وتجعل من التعليم الإلكترونيّ عمليّة مضجرةً أو مضيعة للوقت. كذلك يجب أن يكون هناك بالطبع توازن بين المعلومات والتدريب، ممَّا يجعل كلاً منهما يدعم الآخر في سبيل إنجاح التعليم. العبرة التي يجب التذكير بها هي حول التكنولوجيا التقليديَّة في مقابل الدرس النفسي للاستعمال الخاطئ لتقنيَّة البوربوينت، فكون مزايا المساعدة غير الأساسيَّة موجودة فقط فإن ذلك لا يعني أبداً أنها ملائمة دائماً أو حتى مُفيدة في التعليم.
تمَّ تكريس مقدار كبير من العمل للأنواع الحديثة من التعليم، التي ترتكز على مدى معرفتنا بعلم النفس التربوي من الماضي والتقدُّم الواعد للكمبيوترات والأنظمة. هذه الحوارية تُعرَفُ عامةً بحواريّة “التدريب المتمازج”؛ إنها تشير إلى ضرورة الحفاظ على قاعات الصفوف كمواقع للتفاعل المباشر بين الأشخاص وتنشيط مبدأ حلِّ المشكلات الذي يُنظَرُ إليه كأحد مُميِّزات قاعات الصفوف. بناءً على ذلك يمكن أن يشمل التمازج تنوُّعَ مقاربات التعليم: كالدراسة الذاتية الاطِّلاعية على الشبكات، والتفاعل والعرض المعتمد على الفيديو والأقراص الليزرية على الشبكة، والمناقشات المتزامنة وغير المتزامنة، والمُحاضَرات، والقراءة، والدفاتر المدرسية، والألعاب التدريبيَّة، والتمرين، والمساندة والدعم، وورش العمل، والمُؤتمَرات. سيبدأ مدير التدريب الحذق في فهم عمله عند تصميم وتطوير وإدارة “التمازج” ( تصميم “التمازج” وتطويره وإدارته ) .
التعاون: زيادة الموارد والفُرَص

تحت شعار التعاون والمشاركة يواجه مُدراء التدريب تحدّياً كبيراً ليصبحوا أصواتاً مهمَّة أكثر في عمليّة زيادة الموارد وخَلقِ فُرَصِ العمل من خلال التدريب. لفتَ التعليم الإلكترونيُّ انتباهَ المُدراء من أعلى المستويات إلى إمكانيّات بلوغ النفوذ الأكبر، خاصَّة من خلال الإمكانيَّة المُتاحَة أمام المُتعلِّمين على الشبكات للاجتماع مع بعضهم في أي مكان وأي وقت أربع وعشرون ساعة في اليوم وسبعة أيام في الأسبوع. سبّبت الخُطَطُ غير المُتزامنة انهيارَ المناطق الزمنيَّة حول العالم، ومكّنت أجهزة الكمبيوتر المحمولة المُتعلِّمين من الولوج إلى الدورات أو المعلومات بغضِّ النظر عن مكان وجودهم. قابليّة التطوّر هي سمة رائعة من سمات هذه التقنيات. التعاون عبر الشبكات من خلال الشركات ومالكي الأسهم ومُدراء الأقسام، وكذلك وسط الأفراد أنفسهم، يعني المزيد من النفوذ والفُرَص. تتوافر لدى مُدراء التدريب فُرْصَة جيِّدة للمساعدة في دفع العمل أكثر من مُجرَّد التفاعل معه.
وراء نطاق وظيفة التأثير هذه يتوجَّب على مُدراء التدريب أيضاً أن يعيروا اهتماماً كبيراً لرفد وظيفة إعداد وتقديم التعليم الإلكترونيّ بكادر من الأشخاص المُؤهَّلين، ويُعْتَبَر اختبار المهارات التي يحتاجها هكذا كادر فكرة جيِّدة مثل وضع الخُطَط من أجل التحفيز، وزيادة العلاقات الاجتماعية على الشبكة بين المُتعلِّمين، وتسهيل تبادل المعلومات بينهم، وبناء وإثبات اكتساب المعرفة. الكوادر التي تخدم كمُدرِّبين إلكترونيين أو كمُيسِّرين للتعليم إلكترونياً بحاجة أيضاً لأن تَعرِف كيف تشجّع وتدعم وتقدم التغذية الراجعة للمُتعلِّمين إلكترونيّاً. الشراكة الهادفة لإنشاء بيئة تعليميَّة على الشبكات هي مسؤوليَّة جديدة لمُدراء التدريب.
المضمون

الشكوى الأساسيَّة من مضمون التعليم الإلكترونيّ هي أنه غالباً ما يكون سطحياً، ففي حمّى الاندفاع للحصول على مُنتَجات التعليم الإلكترونيّ في الأسواق غالباً ما تركِّز الشركات الجديدة على البرامج والمعدَّات مُقلِّلةً من شأن المضمون، أو حتى أسوأ من ذلك حيث تقوم بمحاولات واضحة لبيع أدنى درجة من المضمون مع أنظمتها الجديدة، نتيجة لهذا الاستخفاف؛ فإنَّ العديد من هذه الشركات لن تبقى لفترة طويلة في ميدان العمل؛ وقد وقعت الشركات الكبيرة أيضاً في هذا الفخّ، وانجرفتْ ببساطة إلى بعض الصيغ وإعداد نماذج الدورات من الدورات القديمة التي كانت مضيعة للوقت لسنوات، ومن الواضح أيضاً أن هذا الأمر سيكون مصيره الفشل. لم تنجُ الأكاديميات أيضاً وغالباً ما تمّ اتّهامُها بأنَّها كانت تضع مُحاضَراتها على الإنترنت ببساطةٍ مُدَّعِيَةً أنَّها تعليم إلكترونيٌّ. بعد ذلك كلِّه احتجَّ المُتعلِّمون وتعالت الصيحات للبحث عن الخُبَراء في المضمون ومُصمِّمي المناهج.
من الواضح أن مضمون التعليم على الشبكات هو مزيج من المعلومات والمواد الموضوعة من قِبَلِ المُدرِّبين والخبرات المذهلة والتي تأتي من الدراسة المُستقّلة المكثَّفة أو من التدريب والتعاون مع المُتعلِّمين الآخرين عبر الإنترنت. هناك اتِّجاهان رئيسيان يُسهمان في تطوّر وتعميق مضمون التعليم الإلكترونيّ:
1) ضمُّ دعم الأداء إلى وظائف العمل وبذلك يكون من الصعوبة تفادي التعليم عندما يقوم الشخص بعمله.
2) إحداث أنظمة خاصَّة بأهداف التعليم وإدارة مضمون التعليم.
الهدف هو تضمين المعرفة ضمن مهمَّات العمل، وتزويد كلِّ من مضمون التعليم وطريقة سيره بكلِّ ما تريد معرفته عندما ترغب بذلك.
تمَّ تعزيزُ العمل في تطوير أهداف التعليم بقوة بواسطة دائرة الحماية[2] ومبادرتها في التعليم المنتشر المُتقدِّم ADL[3]. استنتجَتْ مبادرة الـ (ADL) أنه قَبْلَ التمكُّن من تطوير أهداف التعليم يجب أن نضع المعايير التي تحكم مضمونه وطُرُق إجرائه في موقعها الصحيح، بما يضمن استعمالاً فعّالاً لهذا المضمون. أثناء وضع هذه المعايير تعاوَنَ الـ (ADL) مع دائرة البيت الأبيض للعلوم والتكنولوجيا[4] ومع معهد المهندسين الكهربائيين والإلكترونيين (IEEE[5]) ومع جمعيّة إدارة المعلومات (IMS[6]) ومع لجنةِ التدريب بواسطة الكمبيوتر في صناعة الطيران (AICC[7]) لابتكار هيكليَّة معيار المضمون، والذي أصبح يُعرَفُ بالنموذج المرجعيِّ المشارَكِ لكيان المضمون (SCORM[8]). لمزيد من المعلومات يمكنك الرجوع إلى الموقع الإلكترونيّ (adlnet.org) وإلى ملحق هذا الكتاب.
آلام النمو

عندما نُشِرَ الإصدار الأوَّلُ من (SCORM) في كانون الثاني يناير من العام 2000 كانت الكلمة المُعَبِّرةُ عن “المضمون” هي “البرامج المنهجيَّة[9]”، وفي غضون أشهر أصبح من الواضح أن المضمون كان الموضوع الحقيقي وتمَّ تغيير الكلمة. يدلّ هذا المثال حول المفردات على شأنٍ أعمقَ يتعلَّق بكيفيَّة جعل المضمون قابلاً للاستعمال بشكل متواصل من قِبَلِ شريحة مُختَلِفة من المُتعلِّمين.
التضارب بين أساليب التعليم، وما الذي يقدِّمُه المُتعلِّم من حيث التجربة في ذلك المضمون، وملاءمة تصميم المضمون لصيغة التعليم عبر الإنترنت، والخَيارات في أشكال الإعطاء: كلُّ هذه القضايا وغيرها كانت غير مُتضمّنة في التعاون المُقام مع الـ (ADL) والدراسات الاسترجاعيّة من قِبَلِ الشركات التي طَبَّقت معايير الـ (SCORM).
من بين القضايا الأخرى المُتعلِّقة بالمضمون والتي يتوجَّب على مُدراء التدريب أن يعملوا عليها هي تلك المُتعلِّقة بالتخلُّص من الدورات القديمة؛ هناك مشكلة أساسيَّة تتلخَّص في أنه غالباً ما يكون من الواضح تماماً أن الأجزاء الأساسيَّة من الدورات القديمة تُقدَّمُ بشكل أفضلَ بكثير كمعلومات على الإنترنت من إعطائها للمُتعلِّمين في الصفوف. تُعتبَرُ إعادة صياغة الدورات الموجودة حالياً تحديَّاً كبيراً، وجزءاً من آلام النموِّ الحتميّة في سبيل الاستفادة بالشكل الأمثل من التعليمِ الإلكترونيِّ.
تتضمَّن آلام النموِّ الأخرىدمج أنظمة إدارة التعليم الراهنة من الأرشفة والجدولة ووضع التقارير وتقييم المُتعلِّمين مع أنظمة إدارة مضمون التعليم. تُكرِّس هذه الأنظمة الحديثة الاهتمام بإجراءات من قبيل الاختبارات المبدئية، وابتكار واستعمال نماذج تقديم الدورات، والتخزين، وإدخال البيانات، ومشاركة كيان التعليم ومضمونه، وتكييف المضمون بما يلائم المُتعلِّمين المُستقلِّين عبر الإنترنت.
ما تزال الأبحاث حول كيفيَّة التعلُّم عبر الإنترنت ضعيفةً إلى حدّ ما، ويشكو المُتعلِّمون عبر الإنترنت من أنهم يخشون أن ينفقوا وقتهم الخاصّ في التعلُّم في حين أنَّهم كانوا سابقاً يستطيعون حضور الصفوف في وقت الشركة، بالمقابل يشكو مُدراء التدريب من أنَّ المُتعلِّمين عبر الإنترنت نادراً ما يكملون الدورات التي بدؤوها؛ يشكو المُتعلِّمون عبر الإنترنت من أنَّ الدورات عبر الإنترنت مُمِلَّةٌ وتشكِّل مضيعةً للوقت، وأنها تشجِّع التسكُّع على الشبكة هنا وهناك؛ حيث يتبادلون البريد الإلكترونيَّ ويدخلون غرف الدردشة ويرسلون أجزاءً من الدورات إلى أصدقائهم أو إلى ملفّاتهم الشخصيَّة، وهم يتذمَّرون أيضاً من كونهم لا يستطيعون تشغيلَ الأنظمة في بعض الأحيان أو أن يكون سيرها بطيئاً وشاقّاً، في حين يشكو مُدراء التدريب من النفقات المرتفعة والنفقات المستورة، ومن الإعلانات الصاخبة للبائعين، وفقدان انسجام الأنظمة، ونقص مساحة التحرُّك لفعل كلِّ شيء يريدون فعله. يشكو كلٌّ من المُتعلِّمين عبر الإنترنت ومُدراء التدريب على حدّ سواء من أنه من الصعب معرفة فيما إذا كانت خبرات وتجارب المُتعلِّمين إلكترونيَّاً سوف تعكس تحسُّناً في أداء العمل.
توفير النفقات، وتحسّن الأداء، وزيادة الإنتاجية، وزيادة الحصول على فرص التعليم؛ كلُّها وعود يبشِّرُ بها التعليم الإلكترونيُّ، وقد سجّلت بعض الشركات نجاحاتٍ على هذا الصعيد، في حين أنَّ الكثير منها ما يزال يكافح.




1Blended Training

1Department of Defense

2Advanced Distributed Learning

3White House Office of Science and Technology

1the Insti*tute of Electrical and Electronics Engineers

2the Information Management Society

3the Aviation Industry Computer-Based Training Committee

4the Sharable Content Object Ref*erence Model

5courseware


بواسطة: حسين حبيب السيد
موسوعة التعليم والتدريب
http://www.edutrapedia.illaf.net/ara...e.thtml?id=538