ألقى الرئيس الأمريكي باراك أوباما يوم الخميس4 يونيو 2009م 009خطابا متميزا في مصر على وجه العموم وفي جامعة القاهرة على وجه الخصوص ولكن هذه المرة سأنظر في خطابه من جهة أخرى ألا وهي مهارات العرض والتقديم عند الرئيس باراك أو باما في هذه الخطبة الشهيرة الفائقة الصيت وسأترك الأبواب الأخرى لرجالها من السياسيين والاقتصاديين والإعلاميين ليتحدثوا عن محاور ونقاط محتوى خطبته من خبراتهم الواسعة في هذه المجالات ..


وفي واقع الأمر أن الرئيس أو باما أثبت بما لا يدع مجالا للشك أنه أنه ملك لاقط الصوت ( المايك ) .. بشكل عام ولكن وبحكم أنني أحد المتخصصين في مهارات العرض والتقديم سأنظر في خطابه بشكل مختلف جدا فهذا الرجل يعتبر مدرسة في التحدث والإلقاء ولا بد أن نسلط الضوء على مهارات العرض والتقديم لديه وهي بحق تستحق التوقف عندها ..
فالوقف أما الجمهور متحدثا له مهارات لا ينجح بها إلا من يستخدمها بإتقان فعند الوقوف لابد طبيعيا أن تفرز مادة تسمى (الأدرينالين) هو هرمون تفرزه غدة الكظرية و هي تقع فوق الكلية، وهي تفرز عرضيا في حال مواجهة الجمهور أو الصعود على المباني الشاهقة أو في حالات الإثارة وتسبب خوفا وقلقا وتوترا يبدأ بضيق التنفس ثم يصحبه تعرق بالجبين ثم احمرار بالوجه ثم دموع بالعينين تزيد إلى رعشة باليدين وتعرق بالكفين وإذا زادت هذه الأعرض عن حدها قد يصاحبها حالة إغماء .. !!

فأوباما كان متميزا عند ظهوره أمام المنصة حيث وقف منتصبا وجاعلا قدماه على رقم 11 ( أحدى عشر) أحد الخطوات المهمة الأولى في مهارة الحديث أمام الجمهور وهذه المهارة تعطيه ثباتا مع سطح أرضية القاعة لتكسر حاجز الخوف والقلق والتوتر والاضطراب وكل الأعراض التي ذكرناه سابقا من الخوف من مقابلة الجمهور ..

أيضا ومع كسر هذا الحاجز الرهيب الذي اعتمد عليه الرئيس أوباما كان لوقوفه بقدميه الاثنتين على الرقم (11) ثباتا كما قلنا يزيد في قوة الثقة بالنفس وما زادها إلا تلك الابتسامات التي كان يوزعها على الجمهور بقاعة مسرح جامعة القاهرة ..

ثم صاحب كل هذه المهارات قبل- أن يتحدث الرئيس أوباما- براعة كبيرة جدا شاهدناها عند استخدام إيماءات اليدين فقد كان يشاور بهما يمينا تارة وشمالا تارة أخرى ثم يمسك بهما لكي يتخلص من الشحنة الكهربائية التي تصاحب أي متحدث يقف أمام الجمهور وهو بحق قد أفرغ هذه الشحنة باحترافية مره عندما كان يمسك بكلتا يديه واضعا اليمنى على اليسرى والعكس ومرة أخرى عندما يمسك بخشبة المنصة ..

قبل أن يبدأ الرئيس خطبته المشهورة استخدم مهارة توزيع النظرات عند وقوفه أمام المنصة فتشاهده يلقي بنظرة عامة على الجمهور نظرة ليس فيها تخصيص بل كانت عامة لتعطيه المزيد من قوة الثقة وتفتح باب التواصل المباشر مع الجمهور وهذه براعة تمكن منها بكل اقتدار ولو انه جزافا خصص نظره بأحد المتلقين أو مجموعة قليلة من الجمهور فسيفقد كثيرا من الثقة لأن التخصيص ومشاهدة الأشخاص بعينهم وبملامحهم التي قد تكون غاضبة أو متحجرة –خالية من المشاعر _ بطبيعتهم يعطي المتلقي قلقا بأن هذا الشخص أو تلك المجموعة غير راضية عنه ..ويدخلونه بطريقة غير مباشرة في متاهات الاضطراب وضيق التنفس واحمرار الوجه ورعشة باليدين وعرق الكف وصعوبة في النطق بدورها سوف تفقد المتحدث الكثير من الحرفية في الإلقاء وقد تكون القاتلة له لو انه لم يسيطر على مشاعره .. لكن الرئيس أوباما قد عرف من أين تؤكل الكتف فظهر ثابتا بتلك النظرات ..

تحدث ألريس أوباما أمام المنصة فستهل بالافتتاحيات الذهبية المريحة كــذكر ( قصة أو سؤال أو حكاية أو احصائية الخ ) فذكر قصة تاريخ الأزهر وجامعة القاهرة وهذا الأسلوب بذكر القصة المذكورة قبل الدخول بموضوع الخطبة يزيد من حجم الثقة بالنفس ويزيد من قبول المتلقي للحديث عن القصة ونحن شعوب نتشوق لسماع القصص فكان مدخلا ذكيا من الرئيس وكسب 30 ثانية التي كانت كفيلة بقبول أو رفض الحديث من بدايته وبلا شك كسب قبول حديثة من أول ظهور للرئيس أوباما أثناء بداية الحديث أمام المنصة فأعطى شعورا مرموقا وردة فعل إيجابية من الجمهور الذي كان يبادله الشعور بالرضى عن الخطبة بمجملها ..

استمر حديث الرئيس باراك أوباما تصاعديا بعد ذكر الافتتاحية الذهبية عن تاريخ القاهرة مستخدما مهارة إيماءات اليدين استخداما متوافقة مع ما يقوله في حديثه ولم تسبقه كما لم يكن مفرطا بهما فأتت مناسبة ومتوازنة وشوهدت تلك الإيماءات للأعلى وهذا دليل على الحماسة والشجاعة والقوة وقد كانت في لحظات تستخدم لتنبية وللحذر وتارة أخرى للدعوة لأحد محاوره التي يتحدث فيها ..

كما كانت مهاراة توزيع النظرات عند الرئيس أوباما أثناء الحديث توزيعا مقننا تشاهده ينظر يمين المسرح في برهة ثم يخطف بنظرة إلى شمال المسرح وتارة تشاهده ينظر لخلف الجمهور وتارة لأمامها فكان بارع بقيادة نظراته والتي أكسبته شدة الانتباه والمتابعة واهتمام الجمهور بحديثه لأن النظر في جهة واحدة يجعل هناك عدم توازن وإهمال للجمهور في الجهة الثانية مما يربك تماسك الجمهور بالقاعة ويجعلهم يخوضون في أحاديث جانبية يفقد بعدها المتحدث سيطرته على الجمهور وتكون سلبية تجاهه ..!!

أثناء حديث الرئيس أوباما كانت مهارات التنفس مريحة ومحكمة فلم تظهر عليه أعرض من ( الضيقان ، التوقف أو تقطع او خفت أو تضخم غير لائق ) وغالبا تظهر هذه الأعراض عند زيادة نبضات القلب الناتجة عن مواجهة الجمهور فتسبب ضيقان وانقطاع بالصوت يتضح للجميع فيفقد الخطبة أو الإلقاء بريقه ..

أما مهارة تعبيرات الوجه فكانت تعمل بشكل مبهر إلى حد كبير فكانت الابتسامة الساحرة في بداية حديثة سر جاذبية كل من في القاعة والتفاؤل والأمل والسرور والأريحية واضحة وبادية على ملامح وجهه .. ولم تخفي تعبيرات الحواجب عندما كان ترتفع دليلا على الانبهار بما يقوله أيضا العينان كذلك كانت في حالة تفاؤل وعطاء على مدى فترات حديثه وهذا يدل على أن الرجل كان متفاعلا إلى ابعد حد ..

كما لا أغفل مهارة الكثير جدا يغفلها ولم يفلها إلا الرئيس أوباما في حديثة وهي مهارة تعبيرات الرأس التي يجب ان نقلل في استخدامها ولا نفرط بها حتى لا تصبح كالرجل المهرج فتفد شخصيتك وقبل ذلك مصداقية حديثك ولكن ومع هذا على المتحدث أن يستخدمها في حالة الرضى أو الموافقة أو عدمهما وهذا بحق ما فعله الرئيس أوماما من خلال خطبته ..

ومهارة تحريك الجسد كانت واضحة أثناء حديثه فقد كان يتحرك في مكانه يمينا ثم شمالا وهذه هي الحركة الصحيحة أي أنه لا يجب عند حركة الجسد كاملا أن يتحرك القدمان فقد شوهد الرئيس يتحرك في مكانه يمينا مرة وفي مرة أخرى يسارا ومن الخطأ الذي لم يفعله الرئيس أن تعطي ظهرك للمتحدثين وأنت عند او أثناء المنصة ويعد عيبا فاحشا في حقك أولا ثم في حق المتحدثين..!!

أما مهارة الصوت عند الرئيس أوباما أثناء حديثه فقد كانت استخداما مثاليا فلم يكن صوته قويا فيزعج الآخرين ولم يكن ضعيفا يشعرهم بالنعاس والنوم ولم يكن أيضا سريعا لا يفهم ولا بطيئا يملل الجمهور بل كان بين ذلك وذلك مستخدما مهارة تنويع الأداء الصوتي بين الرفع أحيانا والخفض أحيانا وبين السرعة أحيانا وبين البطء أحيانا حسب متطلبات الحديث وهذا ما تمكن منه الرئيس أوباما وفقده الكثير من المتحدثين فكانت علامة بارزة للتفريق بين جودة الحديث وعدمه عندهم ..

كما كانت هناك عند الرئيس مهارات لغوية عند النطق بالحديث فقد كانت عباراته وجمله تنطق بشكل موحد أي أن الجملة تلقى بعبارة واحدة ثم يتوقف وقوفا غير طويل ويكمل بعدها بناء جملة موحدة أخرى وهذا دليلا قويا على أن الرئيس لدية توافقا بين الجهاز الذهني وجهاز النطق فبرمجة بشكل جميل عند ظهور الجملة للمتلقين وهذا ما يفقده الكثير عندما يكثر( من في الحقيقة.. أو في الواقع .. أو تهتهات.. وأ نحنحات.. غير لائقة ) وغيرها ..
كما كان بارعا من مهارة الارتجال التي أعطته قدرة فائقة على ترتيب الحديث والخوض في محتوياته من خلال المحاور المطروحة في خطبته والتوغل في نقاطها مكنته خبرته الواسعة في التحدث من وضع إستراتيجية لغوية مرتبه ذهنيا حسب موقف الخطبة وزمانها ومكانها ..

كما كان بارعا في مهارة استخدام الشواهد وكانت شواهد قرآنية كاقوله : 0 اتقوا الله ما استطعتم ) وغيرها من الآيات الكريمات التي استهل بها في ثنايا خطبته والتي جلبت انبهار المتلقين في القاعة مما زاد في رضى وقبول وجاذبية الرئيس أو باما الذي كان متمكنا من شواهده ..وعرف كيف يكسب ود الجمهور وهذا سر لا يعرفه إلا المتحدثون البارعون ..كذلك كان الرئيس بارعا متمكنا من استخدام مهارة القيافة الشخصية فقد ظهر مرتبا جذابا متناسقا في ملابسه متناسقا في ألوانها .. بعيدا كل البعد عن الملفتات الغير محببة كزخرفة والإكسسوارات وغيرها التي تجذب الانتباه عن ما نتحدث عنه ..!!



حقيقة لم أجد عيبا واحد إلى حد كبير في مهارات العرض والإلقاء عند الرئيس أوباما – ولكن دائما يقولون : لم يجد في الزهرة عيبا سوى شوكها – وبذلك أقول أن العيب الوحيد عند الرئيس أوباما عند حديثه أمام المنصة سوى أنه أسرف كثيرا في التصاقه بالمنصة وكان المفترض أن يبتعد قليل عنها أو يجعل ذلك الابتعاد على فترات حتى لايكون هناك ركود مثل البحر لا يكون جميلا إلا بأمواجه ..!!

بشكل عام كان الرئيس باراك أوباما موفقا في استخدام مهارات العرض والتقديم إلى حد كبير جدا متمكنا من أدواتها وكان ذلك ناتجا من برامج التدريب العالية الجودة التي تلقاها و الحديث المستمر والثقة بالنفس وخزينته الثقافية وقدراته المهارية الخاصة التي تفصل في سر إعجابنا بما يقوله شخص دون آخر ..