متى نعيد النظر في سياسة تنظيم السلك الوظيفي؟
عبد الرحمن تيشوري
شهادة عليا بالادارة


ان مشكلة تنظيم مهنة العمل في الادارة العامة تكاد تنحصر كما يدل عليها اسمها بالوظائف ذات البنية المغلقة الذي تاخذ به الوظيفة العامة في سورية
·والواقع ان سياسة تنظيم المهنةاو السلك الوظيفي تعني ضرورة ايجاد حلول مناسبة لثلاثة انواع من المشكلات الخاصة بتحرك الموظفين :
·تحرك الموظفين من حيث المكان
·مجرى السلك الوظيفي من الناحية الزمانية
·انتهاء العمل الوظيفي
وساحاول معالجة هذه الجوانب الثلاثة تمهيدا لفتح نقاش عام حولها هذه المسالة ليتم البدء فيها رسميا دعما لبرنامج التطوير والتحديث الذي اطلقه ويرعاه ويتبناه رئيسنا الشاب القائد الاداري الاعلى في الدولة الدكتور بشار الاسد
تحرك الموظفين من الناحية المكانية
ان هذا الموضوع يفرض نفسه على بساط البحث بمجرد رفضنا للنظام الخاص باختيار شخص ما فقط لاجل شغل وظيفة معينة بذاتها دون اي تطلع للعمل في مجموع الوظيفة العامة وفي كل مرة يجري الاختبار لشغل مناصب متعددة اي من اجل الانضمام الي سلك او مهنة
فان السؤال الاول الذي تيبادر للاذهان هو معرفة المنصب الذي سيسند الي الشخص الذي جرى اختياره
في الواقع ان الموظف الذي جرى اختياره للعمل في الادارة العامة لايمكنه تحديد العمل الذي يرغب القيام فيه والحقيقة ان اغلبنا لايصدق انه وجد وظيفة او عملا مهما كان نوعه المهم ان ياخذ في اخر الشهر 5000 او 6000 او 7000
وقليل جدا ما تراعى رغبة صاحب العلاقة في نوع العمل وفي مكان العمل وفي نوع الدراسة حتى لان نظام القبول الحامعي لدينا هو الذي يوجه طلابنا الي هذا الفرع او ذاك
وبشكل عام اقول ان المسؤولين عن سياسة تخصيص المناصب والاعمال نادرا ما يولون عناية كبيرة لمبدا الرجل المناسب في المكان المناسب ولا يبحث عن الصيغ الكفيلة لوضع الشخص الملائم في العمل الملائم وكان لهذه السياسة التدميرية هروب الكثير من الكفاءات التي لو تم مراعاة وضعها ورغباتها وانصافها لكانت الادارة اليوم بالف خبر ولكانت وفرت ضياع مليارات الليرات السورية التي نهبت وسرقت وضاعت بطرق بدائية لاتمت الي الادارة الحديثة بصلة لذا لابد من الاهتمام بهذه المسالة ودعم الموظفين الاذكياء واخذ مواضيع علم النفس والادارة وعلم الاجتماع في برامج المسابقات ولاسيما اليوم في برامج المعهد الوطني للادارة العامة المكلف باعداد وتكوين القادة الاداريين
والادارة في تحديدها لمكان العمل تاخذ بعين الاعتبار مصلحة الادارة ولكن يجب ان تراعي ايضا وضع الموظف والمدير المادي والعائلي والصحي ذلك ان وضع الموظف في منطقة غبر تلك التي يرغبها يؤثر بشكل محسوس على روحه المعنوية وبالتالي على مستوى انتاجه واليوم بدا المعهد الوطني للادارة بتخريج القادة والمدراء والبعض منهم سترك بيته واسرته ليعمل في مكان جديد تحدده الادارة والحكومة مانرغبه ان يتم مراعاة ذلك في مسالة توفيرالسكن او اعطاء تعويضات كافية لهذه المسالة او اذاكان هناك من مجال لتسمية الخريجين في وظائف محلية في محافظاتهم تتناسب ومستوى التاهيل والاعداد والتكوين الذي حصلوا عليه في المعهد الوطني للادارة ونحن نعلم ان الادارة المحلية والمرفقية في المحافظات تحتاج الي اصلاح وتطوير وربما تكون الحاجة ماسة في الوزرات وفي الادارات المركزية في بداية تخريج المعهد ولكن يجب ان لايتم ذلك على حساب الخريجين ومعاناتهم
وبشكل عام يعتبر الموظف في وظيفة مناسبة في وسط المدينة الذي يتم نقله الي وظيفة اخرى في مدينة صغيرة ومقفرة بمثابة فرض عقوبة تاديبية
وبشكل عام يجب فرض قواعد تؤمن سهولة الحركة وتقاوم نزعة المحافظة على الجمود والثبات لدى كل من الادارة والموظف
·في فرنسا يلزم الموظفون الذين يتخرجون من المدرسة الوطنية للادارة بان يمضوا فترة سنتين في خدمة منصب او وظيفة غير تلك التي خصصت لهم عند تخرجهم من المدرسة فاذا لم يقوموابهذا بناء على طلبهم فانهم لايستطيعون الوصول الي المناصب العليا في الادارة
·وهكذا فلاجل الوصول الي منصب معاون مدير يتوجب القيام بما يطلق عليه اسم التزام التحرك اذن فالمبادرة بطلب النقل او الندب الي عمل مغاير كليا للعمل الذي يقوم به الموظف يجب ان تصدر عن الموظف نفسه ولا يستطيع رؤوساؤه الاداريون ان يرفضوا طلبه لان هذا الواجب منصوص عليه في القانون
·ان النظام الفرنسي يعتبر فعالا لان هناك التزاما يقع على كاهل الادارة والموظف معا ولكن هذا الالتزام ليس قاسيا لان اختيار العمل والتوقيت متروك لتقدير الموظف نفسه
·في حال كانت الوظيفة بعيدة يجب منح الموظف بعض الامتيازات والمكاسب حتى تسير جميع امور الوظيفة بشكل متوازن في جميع ارجاء الدولة

مجرى الوظيفة من الناحية الزمنية

ان مفهوم المهنة او السلك الوظيفي يستلزم قابلية صعود الموظف درجات السلم الاداري المختلفة هذا التدرج يفترض استطاعة الموظف المبتدىء ان يتولى بعد فترة زمنية معينة وظائف ومناصب متدرجةفي الاهمية والصعوبة والاجور
·الواقع ان موضوع التدرج في السلك الوظيفي قد تطور بشكل ملموس ففي الاصل عندما كانت الوظائف تدار بشكل تقليدي وبالي جرت العادة ان تشغل اكثر المناصب اهمية من قبل الموظفين القدماء
·وهذا يعني ان الموظف الذي يقترب من التقاعد يستطيع ان يتولى المناصب والوظائف القيادية ولكن هذا النظام لايمكن اعتباره مثاليا النه هناك تطورات وخبرات ومهارات جديدة لايعرفها الموظفين القدماء وان الموظفين الجدد يتمتعون بالحيوية والنشاط ويجيدون استثمار الحاسب واستخدام التقانات ودرسوا علوم الادارة فهم اكثر قدرةوكفاءة على شغل المناصب القيادية من اولئك الذين يكونون على وشك الوصول لسن التقاعد
·فالموظف الذي حصل على مقدار كاف من الخبرات ويحمل دبلوم تاهيل تربوي ودبلوم دراسات عليا في الاقتصاد ودبلوم في علوم الادارة العامة ويجيد استثمار الحاسب ويعرف لغات اجنبية ولد يه موقع انترنت وعشرات الابحاث على الشبكة لم يتم اختياره هو رفاقه للعمل في الادارة التربوية في طرطوس عندما تم تغيير المدير ومعاونوه لا ندري لماذا فعلت ذلك وزارة التربية ؟ علما ان الجميع في سن يتراوح بين الاربعين والخامسة والاربعين
·هل هذا السن ليس سن تولي مناصب في وزارة التربية اليس هذا السن فعالا وحيويا؟؟؟
·يجب اتا حة الفرصة للعناصر الشابة في الوصول للوظائف الهامة التي لديها تخصص محدد حيث ليس من المقبول ان يتم تسمية مدرس رياضيات لعمل اداري وهناك اجازة بالعلوم السياسية ودبلوم تاهيل ودبلوم دراسات عليا في الاقتصاد ود بلوم في علوم الادارة العامة ولغات اجنبية وحاسوب وانترنت وخبرات ادارية سابقة لاندافع عن انفسنا ورفاقنا لكننا درسنا الا دارة ونعرف القليل عنها اكثر من الذين لم يقرؤوا في حياتهم نص القانون الاساسي للعاملين في الدولة
·الواقع ان وصول العناصر الشابة من الموظفين الي المناصب والوظائف ذات المسؤوليات الكبيرة يعتبر عنصرا مساهما في فاعلية وحيوية الادارة لان العناصر الشابة تتمتع بقدرات جسمية وعقلية اكبر
·للاسف لم يول هذا الموضوع اي اهتمام في سورية سابقا حتى وصلت الامور الي وضع سيء دفع وحفز الي احداث المعهد الوطني للادارة العامة الذي نامل ان يملك خريجوه الحيوية الكافية وروح الابتكار والقدرة على التكيف مع التطورات السريعة التي تعيشها الادارة الحديثة
·ان موضوع تحرك الموظفين من الوجهة الزمنية يتجلى في تنظيم رؤية واضحة لمجموع الوظيفة العامة وساركز في هذا المجال على امور ثلاثة هي
-نظام الترقية
-فكرة التدرج الهرمي
-اختبارات الترقية
-تقارير الكفاءة
-انتهاء العمل الوظيفي
-وضع الوظيفة العامة السورية

·نظام الترقية:
ان نظام الترقية يعتبر من اهم الدعامات التي تقوم عليها نظم التوظيف التي تعتبر الوظيفة العامة بمثابة مهنة يمضي فيها الموظف طيلة حياته لان الموظف الذي يقبل ان يعين في اول درجات السلم الاداري يضع نصب عينيه احتمال صعوده درجات ذلك السلم بل ووصوله الي القمة كما ان الادارة تؤيد هذا الاحتمال ويجب ان تسعى جاهدة الي غرس هذا الامل في نفس كل موظف حيث ليس من المقبول اطلاقا ان نشهد ابدية بعض الادارات لان ذلك يؤدي الي الاحباط بين صفوف قادة الصف الثاني والثالث ويقتل روح الابداع والحوافز والرغبات التي تدفع الي الاجادة في العمل والتفوق فيه
لذلك يجب ان يقام نظام الترقية والتعيين على اسس صالحة تكفل وصول اكفاالعناصر الي مناصب القيادة والادارة وللاسف لم نصل حتى اليوم في سورية الي قواعد عامة وموضوعية وموحدة لتسمية المدراء والقادة
ولقد بدات القواعد تضح مع تاسيس المعهد الوطني للادارة العامة الذي سيبدا رحلته في هذا المجال مع دورة الرواد التي ستتخرج في 1/!/2006
فكرة التدرج الهرمي
ان التنظيم التدرجي للادارات يقتضي ان تكون قاعدة الهرم الاداري اوسع كثيرا من قمته وبالتالي تقل فرص الترقية كلما ارتفع الموظف في السلم الاداري فمثلا نجد مجال واسع لشغل منصب رئيس قسم ورئيس دائرة ومعاون مدير بينما فرص منصب مدير عام ومحافظ وسفير التي تاتي في قمة الهرم تكاد تكون معدومة لعدد كبير من اعضاء السلك الوظيفي
ومن وجهة نظري ارى ضرورة ان يكون هناك حق مطلق للموظفين في الوصول الي المناصب الادارية القيادية ضمن شروط عامة موضوعية مفتوحة للمنافسة
ولا مانع ان يكون هذا الامر ليس حكرا على موظفي الوزارة او الجهة الادارية وحدها بل السماح لموظفي الجهات الاخرى بالتنافس على هذه المناصب
ولا بد من وضع نظام خاص بالوظائف الفنية بحيث تقتصر الترقيات في نطاق كل تخصص على المنتمين اليه
·اختبارات الترقية
يجب ان تكون بشكل منافسة مفتوحة وبشكل منافسة محدودة ومجرد اختبار
لكن من الافضل ان يترك الباب مفتوحا لاي فرد تتوافر فيه الشروط وهذا النظام يخلق ما يسمى النظام المفتوح للترقية وقد يعتبر موظفي الادارة ان المناصب التي تخلو من حقهم وحدهم ولا يجب تعيين احد من الخارج ولكن يمكن حل هذه الازمة بان يتم ترك 75% من الشواغر لموظفي الادارة نفسها و25% لمن يعين وينافس من خارج الادارة لان ذلك يهيىء فرصت الحصول على دماء جديدة وافكار حديثة متطورة من خارج الادارة هذه هي افضل وسيلة براينا لاختبارات الترقية ولا يجوز اطلاقا ان نرقي الجميع بدون الاختبارات
·الترقية بالاقدمية
ان اغلب الموظفين يحبذون الاخذ بنظام الترقية على قاعدة الاقدمية لانه يعني من وجهة نظرهم ضمان ترقيتهم بشكل الي بعد فترة زمنية معينة دون ارتباط بقاعدة الكفاءة او الجدارة
ومن وجهة نظري يجب عدم التركيز على قاعدة الترقي بالاقدمية كما لا يمكن اخفالها بالمرة
كما ان الاقدمية لا تعني شيئا في خصوص صلاحية الموظف لشغل المناصب القيادية حيث يعمل معنا موظفين لديهم 25 سنة قدم لا يعرفون شيئا وليس لديهم اية خبرة وهناك موظفين ليس لديهم سوى خمس سنوات في الوظيفة يعرفون اشياء كثيرة ويمتلكون خبرات ممتازة
لذا ناكد هنا على عدم ترفيع جميع الموظفين معنويا وماديا حسب القدم 9% بل التمييز بين المجد المتفوق الذي يستحق 9% واكثر وبين الكسول المهمل اللامبالي الذي لا نرفعه سوى 25 حتى يرفع من سويته وادائه وعمله
·تقارير الكفاءة هي نظام يوضع من اجل تقييم الموظفين من خلال الكفاءة والمثابرة والنشاط واتقان العمل والحرص على المصلحة العامة والعلاقة مع الزملاء وطاعة الرؤوساء والمبادرات وغير ذلك
·لكن هذه التقارير ليست فعالة لان الشخص الذي يقوم بالتقييم غير مؤهل ولان فترات التقييم ايضا ليست سليمة لذا يجب وضع نظام جديد اكثر صلاحية من النظام الحالي يعتمد على الجدارة والابتكار والتفوق من قبل جهات مختصة بالعلوم الادارية والعلوم السلوكية

انتهاء العمل الوظيفي
ان مفهوم الوظيفة العامة بمسابة مهنة يستلزم وجود استقرار في العمل والمهنة تعني قدرة الموظف على البقاء مع احتمالات والتقدم والترقي مع وجود ضمانات ضد الفصل التعسفي ومع ذلك يمكن اعضاء الادارة حق انهاء العمل الوظيفي لموظفين غير اكفاء وخاصة الذين لا يقومين بالعمل الموكل اليهم والذين يرتكبون خطا جسيما
ويمكن فصل الموظف نتيجة الغاء الوظيفة لكن يجب تعويضه تعويضا مناسبا كما يمكن ترك الوظيفة بسبب الاستقالة وبسبب بلوغ السن المقررة لترك الخدمة الذي تحدده الادارة بشكل نص قانوني وتعاقدي

وضع الوظيفة العامة السورية
يمكن في سورية تحرك الموظفين من الناحية المكانية وقد نص على ذلك القانون الاساسي للعاملين في الدولة واشار الي جواز نقل العامل من وظيفة الي اخرى في الجهة الواحدة ومن جهة الي اخرى في الدولة دون شروط محددة وفق مقتضيات المصلحة العامة
وبشكل عام تقدر كفاءة العاملين كل سنتين مرة باحد التقديرات التالية
-ممتاز ويرفع 9% من الاجر
-جيد جدا ويرفع 9%
-جيد ويرفع 9%
-وسط ويرفع 7%
-ضعيف ولا يرفع حيث يحرم من الترفيع
-وفي حال تم تقدير العامل الضعيف ثلاث مرات ينقل الي وظيفة اخرى
-اما اذا تم تقدير العامل ضعيف خمس مرات متتالية يسرح من الوظيفة

ويبدو ان القانون السوري للعاملين يتجه نحو زيادة اهمية مبدا الاستحقاق في موضوع الترقية على اساس التقديرات المحددة لكفاءة الاداء والانتاجية والتي يقوم بوضعها لجان غير مختصة
لذا نقترح في هذا المجال الاحداث الفوري لهيئة او وزارة مختصة بالتنمية الادارية تقوم بالتقييم والتحفيز والترقية والترفيع والتدريب وكل ما له علاقة بالامور الادارية لعمال الادارة العامة لانه لا ينفع عمل اللجان غيرالدائمة والغير مختصة والغير متفرغة
والادارة لا تزال يتيمة تحتاج الي اب وراعي وولي امر لكي يهتم بها وينهض بكل الوظائف الادارية من تنظيم وتقييم وتحفيز وتوصيف وغير ذلك حتى نجد الاداة العصرية التي تنفذ وتحقق مشروع تحديث وتطوير سورية الذي اطلقه ويرعاه ويتبناه الرئيس الشاب بشار الاسد 0
عبد الرحمن تيشوري