الجمعة, 24 أبريل 2009
د. ميسرة طاهر
كيف نغرس القيم في نفوس أبنائنا في ظل حاجتهم إلى قيم نبيلة كثيرة لابد من غرسها، وقد تركت وهُمِّشت ولم يصبح لها وجود ولا بد من البحث عنها ودراستها وترسيخها؟ هذا ما تم تداوله في الأمسية التربوية التي قدمها الدكتور ميسرة طاهر في الأسبوع الفائت وقد نظم اللقاء مجموعة الإبداع الإداري والجمعية الخيرية للزواج ورعاية الأسر بجدة وبدأت الأمسية بتلاوة آيات من القران الكريم وبعد ذلك بدأ الدكتور ميسرة طاهر حديثه عن غرس القيم في نفوس الأبناء.
أشار د.طاهر في بداية اللقاء إلى أن مفهوم القيم عند الناس يرجع إلى منطق وشريعة كل إنسان في الحياة، فالإنسان أحياناً يسير بلا منطق ولذلك يواجه الكثير من المشاكل فلا يصبح قادراً على إدارة حياته ولا على غرس القيم في نفوس أبنائه. ويختلف العالم في فهم المنطق فالحضارة الغربية وضعت الجمال قبل الحق وقبل كل شي، فالجمال مقدم على ما سواه، ولذلك حدث هناك اضطراب كبير عند الناس في فهم المنطق، فلم يعودوا قادرين على التعامل مع الحياة بشكل صحيح، وحتى نفهم المنطق كما يجب هناك أربع قيم رئيسة وهي الأخلاق والمنطق والجمال والدين .
وشدّد د.طاهر على أن القيم الدينية هي أسمى القيم ولكن بمفهوم الدين الواسع وليس بمفهوم الدين الذي ضيقناه وحجمنها فأصبح عند الرجل محصور بقليل من المظاهر، فالبعض قد أخرج المعاملات اليومية مثلاً وقد يكون في أعين الناس من أتقى الخلق! وهذا كله نراه والسبب أن مفهوم الدين صار ضيقاً.
ثم تحدث د.طاهر عن معنى القيمة وقال هي ثمن الشيء، أو نوعه، ولها معنى آخر كما قال تعالى (ذلك دين القيمة) وهي الديانة المستقيمة، واستقام بمعنى اعتدل ووقف جيداً والقوام هو العدل (والذين أذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما).
إذا هي الأمور المستقيمة، فتقول مثلا هذا الإنسان ذو قيم لا ينحني أبداً وهو إنسان يثبت على أحكامه الصحيحة.
وأضاف قائلاً: هناك أسباب لغياب القيم عند الناس، منها التغيرات الاجتماعية بين الماضي والحاضر، ففي الماضي لم نكن نسمع عن انتشار هروب للفتيات أو تفشي حوادث القتل وغير ذلك. أما الآن فالأطفال يتحدثون عن القتل والجرائم، وأصبح خبر القتل يمر على الأسماع وكأن شيئا لم يحدث.
ومن الأسباب أيضاً التناقض الكبير بين ما نقول وما نفعل، فهل نحن كآباء وأمهات نمارس في حياتنا ما نأمر أولادنا؟ إذا هناك تناقض كبير يؤدي إلى غياب القيم التي نلفظها ولا نعملها وهذه القيم مثل الأخلاق الحسنة وخوف الله وبر الوالدين وحب الوطن وحب الأقارب وغيره. وحتى نستطيع غرس القيم الصحيحة لأطفالنا حتى تبقى وتظهر لابد من غرس مفهوم الاعتماد على الذات عند أطفالنا قبل كل شيء.
ودعا د.طاهر إلى التقليل من العتاب والعقاب للأطفال حتى يستطيع الطفل أن يعتمد على نفسه بدلا من أن يسأل أبويه عن أي أمر يريد فعله وهذا بحد ذاته ينمي قيمة الاعتماد على النفس والثقة بالنفس مما يساعد الطفل على النمو بشكل صحيح وسليم.
واستطرد في سرد أسباب غياب القيم، قائلاً: من أهم الأسباب زيادة التأثيرات الاستهلاكية، فأصبحنا شخصيات استهلاكية في كل أمور الحياة مثل المأكل والمشرب. نستهلك بكثرة فكيف نستطيع غرس قيمة الاقتصاد مثلا ونحن خلاف ذلك؟
كذلك استخدامنا المفرط لأسلوب الضرب والتوبيخ المستمر، يقول انس ابن مالك رضي الله عنه خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين ما قال لي قط عن فعل فعلته لم فعلته؟ ولا عن فعل قط تركته لم تركته؟ وهذا أثر غائب عندنا تماماً. فلو افترضنا أنه قد طبق لأصبح أبناؤنا أصحاب قيم عليا في التعامل مع الآخرين. فلابد أن نتعامل مع أخطاء أبنائنا بالتصحيح وليس بالعقاب.
ثم تحدث د.طاهر عن القيم التي لابد من غرسها في نفوس الأبناء: أول القيم التي لابد من غرسها هي مخافة الله تعالى، فحتى نحقق لأطفالنا قيمة الرقابة الذاتية مثلاً لابد من غرس قيمة الخوف من الله حتى لا تكون مراقبة الطفل عن طريق أبويه فقط، لأن الأبوين لا يمكن أن يوجدا مع الطفل طيلة الوقت ولكي نضمن بقاءه بعيدا عن الانحراف لابد من زرع الرقابة الذاتية التي لا تتحقق إلا بتعليم الطفل مخافة الله، وهذا لا يكون باللسان فقط، بل لابد من تطبيقها أمامهم، ولا بد أن يشاهد الطفل قيمة الخوف من الله في أبيه وأمه حتى يعظم عن الطفل موضوع المخافة من الله .
ويشير د.طاهر بأسى إلى غياب ذلك في الواقع، ويقول: للأسف لم ننجح في غرس القيم بطريقة صحيحة، لأننا غرسناها وعظا فبقيت هشة ولم تكبر داخل النفوس حتى تقاوم المغريات. وأضرب لذلك مثلاً قصة الثلاثة الذين أغلق عليهم في الغار، والرجل الذي تمكن من ابنة عمته ثم قام عنها بعد أن وعظته! لماذا قام؟ لأن قيمة الخوف من الله عنده عظيمة وليست هشة.
ويختم د.طاهر بقوله: القيمة الثانية التي لابد من غرسها هي قيمة الصدق التي تندرج تحتها الكثير من التصرفات الأخرى، فلا يقوم الأب والأم بالكذب أمام الطفل، ومن القيم أيضاً طاعة الوالدين وتحمل المسؤولية وتعزيز المعرفة الكونية والولاء للوطن والأمن والسلام وتحقيق الذات واحترام الآخرين وتنظيم الوقت والتحدي والمخاطرة والعدل واحترام الأنظمة وتعزيز مشاركة المرأة والتواصل مع الثقافات الأخرى وتعزيز قيم الصحة العامة.
المفضلات