عضو نشيط
- معدل تقييم المستوى
- 30
هكذا ينشأ الجيل الصالح..
النّفوسُ مجبولةٌ على فعلِ الخيرِ والشرِّ ، وكلُّ الرّسالاتِ السماويةِ جاءتْ لترُغّبَ وترهّبَ ،
والفطرةُ التي فطرَ اللهُ النّاسَ عليها مهيأةٌ لهذا الأمرِ ، فتتقبّلهُ وتتمسكُ به
ولا نصلحُ إلا بهِ .
مثلَ التربةِ الخصبةِ ، هيَ مهيأةٌ للزرعِ فقطْ تحتاجُ للماءِ والشمسِ والحرثِ .
فإن أخلّتْ بواحدةٍ منها .. لا تنبتُ .
وأيضاً فهي تحتاجُها بأقدارٍ معينةٍ فإن زادتْ أو نقَصتْ أضرّ بها .
وإنّ مِنَ الأمورِ التي فطرَنا اللهُ عليها هي حاجتُنا لقائدٍ يوجّهُ أمورَنا .
فوجودُ القائدِ في حياتِنا أمرٌ مهمٌ جداً ، ووجودُ القائدِ يعني وجودَ أوامرٍ ونواهٍ ،
يعني وجودَ أنموذجٍ نقلّدُه ، وجودَ حكمةٍ في التصرفاتِ ، وجودَ إدارةٍ حسنةٍ للأمورِ .
فهذا القائدُ وهذه الأوامرُ والنواهي تبنِي المجتمعَ العاملَ والمنتظمَ .
وقبلَها تبني الشبابَ الناضجَ والراشدَ .
وإنّ أحدَ الأمورِ التي نحتاجُها في تربيةِ الطفلِ هيَ أن تكونَ قائداً لطفلِكَ ، يعني أنّكَ :
- نموذجٌ لقائدٍ يطمئنُّ طِفْلُكَ إليهِ .
- تتعاملُ معَ مواقفِ طفلِكَ بحكمةٍ قبلَ أن تحكمَ وتتحكّمَ .
- تعرفُ متى تستخدمُ الثوابَ الذي يبني شخصيتَهُ ، وتستخدمُ العقابَ الذي يرمّمُ سلوكَهُ الخاطئَ بطريقةٍ بنّاءةٍ .
والآن استخدامُ العقابِ والثوابِ في التربيةِ .
ولكن قدْ يقولُ قائلٌ :
ما علاقةُ هذه المقدمةِ حولَ القائدِ بموضوعِنا الأساسيِّ العقابُ والثوابُ ؟
فإننا سنقولُ لهُ :
- علاقةُ ذلكَ : أنّ الطفلَ يعتبرُ والدَهُ قائداً عليهِ حتى سنّ المراهقةِ ، وبعدَها سيبدأُ الطفلُ بالتحررِ من توجيهاتِ أهلِهِ .
فإن كانَ الأبُ قائداً ، لم يكنِ الولدُ ليتفلّتَ منه بسهولةٍ ، أما إن كانَ الأبُ فوضوياً وغيرَ حازمٍ
فمنَ الطبيعيِّ أنَّ مستقبلَ الابنِ بيدِ رُفقائِهِ والمجتمعِ الخارجيِّ .
وبما أننا تحدّثنا في حلقاتٍ ماضيةٍ عنِ التربيةِ بالقدوةِ والتربيةِ بالقصةِ والتربيةِ بالحدَثِ .
فاليومَ سنتكلّمُ عن دورِ الثوابِ والعقابِ في العمليةِ التربويةِ .
استخدامُ الأبِ القائدِ للثوابِ والعقابِ كيفَ ومتى يكونُ ؟ وسنتكلّمُ فيه على شكلِ قواعدَ .
قواعدَ عامة :
1- قالَ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ : (علّقوا السّوطَ حيثُ يراهُ أهلُ البيتِ فإنّهُ آدبُ لهُم)
قالَ العلماءُ : لمْ يُردْ به الضّربَ لأنهُ لم يأمرْ بذلكَ أحداً ، وإنما أرادَ : لا ترفعْ أدبكَ عنهُم .
يعني أنهُ يجبُ إشعارُ الطفلِ أنَّ هناكَ قائداً في المنزلِ ، يراعي مصلحتَكَ ويخشى عليكَ ويدفعُ عنكَ السوءَ والوقوعَ فيهِ .
ممّا يزيدُ لدى الطفلِ الشعورَ بالمراقبةِ والإحساسَ بالمسؤوليةِ ، وهذا من قَبِيلِ الشعورِ النفسيِّ الذي نحتاجُ وجودَهُ لنستقرَّ فيهِ .
2- قالَ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ : ( اعلمُوا ولا تعنّفوا ) ..
وعلى هذا التوجيهِ بنى ابنُ خلدونَ قولَهُ في مقدمتِه :
( فصلٌ في أنَّ الشدةَ على المتعلّمينَ مضرّةٌ بهم ) .
إلا أنَّ العقوبةَ الحسيّةَ ضروريةٌ عندَ الحاجةِ إليها تماماً مثل المثوبةِ .
وهما يعملانِ معاً على إقامةِ البناءِ النفسيِّ السليمِ للطفلِ .
3- قالَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ : ( ما كانَ الرفقُ في شيءٍ إلا زانَهُ ، ولا نُزعَ من شيءٍ إلا شانَهُ )..
( إنَّ اللهَ رفيقٌ يحبُ الرفقَ ، ويرضاهُ ، ويعينُ عليهِ ما لا يعينُ على العنفِ ) .
- ما معنى الرفق ؟
أبٌ طبيبٌ وجرّاحٌ ، رأى أنَ ابنَهُ بحاجةٍ لإجراءِ عمليةٍ جراحيةٍ ، فأتى بالمِشرطِ وقصَّ جلدَ الإبنِ ،
فهلِ الأبُ هنا يكونُ قاسياً !!!
بالعكسِ هذا الأبُ رحيمٌ رفيقٌ بابنِهِ فأجبرَهُ على إجراءِ عمليةٍ يتعبُ بعدَها مدةً منَ الزمنِ، ثمَّ يُشفى ويصيرُ معافى.
إذاً فالأمورُ لا نقيسُها من ظواهرِها ، فأحياناً تكونُ الإجراءاتُ صعبةً على النفسِ مكلفةً لها، لكنّها خيرٌ وأنفعُ وأصلحُ .
ومن هنا نعلمُ أنَّ الرفقَ قَدْ تَتَخلَّلُهُ قوةٌ ، لكن قوةٌ تصلحُهُ وبالطريقةِ التي تناسبُهُ.
إذاً فالرفقُ قدْ يكونُ ظاهراً ملموساً، بالابتسامةِ واللمسةِ الحانيةِ والحبِ والاحتواءِ والمداعبةِ، وقدْ يكونُ باطناً فنرى الشدّةَ ظاهرةً لكنّها تُخفي رحمةً.
وهذه الشدةُ لا تكونُ مغلفةً بالعنفِ والضربِ والتوبيخِ والتقريعِ، وإنما تكونُ بِالحزمِ في أمورٍ
والتعاملِ معها بشدةٍ كمنعِ الطفلِ من شيءٍ يرغبُهُ أو هجرِهِ لساعاتٍ قليلةٍ لا يُتكلمُ فيها معَهُ حتَّى يدركَ خطأَهُ .فالضربُ لا يُنتجُ إلا طفلاً عنيداً أو مهزوزَ الشخصيةِ أو محروماً منَ الحبِ.
علينا أن نعتبرَ جميعاً ونتعلمَ فنَّ العقابِ والثوابِ حتى لا نخطئَ فنجرّ علَى أنفسِنا عَواقِبَ وَخيمَة .
4- لا تضربْ طفلَكَ وقتَ غضبِكَ لأنهُ سيفهمُ أنَّ الموضوعَ انتقاميٌّ، غضبتَ فضربتَ!!
5- كثرةُ التهديداتِ التي لا تُنفّذُ تزيدُ الطفلِ عناداً وقوةً .
6- يجبُ أن لا تُكثرَ منَ التهديداتِ لأنها تُسقطُ هيبتكَ أمامَ ابنِكَ .
7-نظرةٌ غاضبةٌ في موقفٍ أخطأَ فيهِ الطفلُ لأولِ مرةٍ تكفي ليفهمَ الطفلُ أنّ سلوكَهُ خاطئٌ.
8- استخدمِ النظرةَ والهمهمةَ في التعاملِ معَ سلوكِ الطفلِ الصغيرِ فإنهُ يستوعبُ بذلكَ الخطأَ.
9- لا تُرضي طفلَكَ بعدَ الغضبِ كأنْ تُرضيهِ بالخروجِ معكَ إلى نزهةٍ أو غيرِها، حتى يفهمَ أنّ سلوكَهُ كانَ خاطئاً، ولا مُحاباة على الخطأِ.
10- كثرةُ الضربِ تولّدُ طفلاً انطوائياً وعدوانياً.
11-إذا وقعَ طفلُكَ في خطأٍ وحاولَ أن يخفيَهُ، فلا تكشفْ سترَهُ بأن تتكلّمَ عن خطئِهِ أمامَ أحدٍ، بلِ اسكتْ عنْ ذلكَ ما دامَ الطفلُ يخفي خطأَهُ، لكن إن تكرّرَ خطأُ الطفلِ فإنهُ يجبُ أن تعاتِبَ طفلَكَ لكن سراً حتى لا يدفعَهُ علمُ الآخرينَ بخطئِهِ إلى العنادِ والتمادي.
12- الأخطاءُ التي يفعلُها الطفلُ سراً ، معناهُ أنه يعلمُ أنها فعلٌ قبيحٌ ، لذا يجبُ التنبيهُ عليهِ
ومنعه من فعلِها حتى لا يعتادَ على فعلِها ، ويجبُ تقوية الرقابةِ الإيمانيةِ لدى الطفلِ حتى لا يعود إلى مثلِ ذلكَ.
أما الثوابُ : فأن تمنحَ ابنَكَ شعورَ الثقةِ بنفسِهِ منْ خلالِ كلمةِ ثناءٍ ومدحٍ أو إطرائِهِ أمامَ الآخرينَ ، أو مكافأتِه بهديةٍ أو الخروجِ إلى مكانٍ يحبُهُ.
ولكنْ هناكَ يبقى شيءٌ مهمٌ في كلتَا الحالتَينِ، العقابُ والثوابُ: هوَ أنْ تُشعرَ طفلَكَ بحبِّكَ لهُ، فإن عاقبتَهُ علمَ أنّ ذلكَ لمصلحتِهِ ولا يظنُّ بأنكَ تكرههُ أكثر منْ إخوتِهِ، وإن كافأتَهُ رأى الرضى في عينَي والدَيهِ فيطمئنّ ويشعرَ بالثقةِ في نفسِه ومحبةِ والدَيهِ لهُ.
وهناكَ شيءٌ آخر مضرٌّ في كلتَا الحالتَينِ أيضاً : وهوَ الإفراطُ في العقابِ والثوابِ، كأن نعاقبَ طفلاً على سلوكِ الكذبِ بأن يُحرَمَ من مصروفِهِ أو يُحرمَ منَ الخروجِ أو يضربَ ضرباً موجعاً .
فهذا عقابٌ أكبرُ من سنّهِ وأكبرُ من أن يستوعبَهُ ، ويجبُ عليه أن يبحثَ طريقةً لعلاجِ السلوكِ .
وكذلكَ إن كافأنا سلوكاً صغيراً منَ الطفلِ بشيءٍ كبيرٍ فإنهُ سيتعودُ على انتظارِ المكافآتِ دوماً، فإن لم ترضهِ المكافأةَ فلن يعملَ سلوكاً جيداً .
إذاً فَجِماعُ الأمْرِ، لا إفراطَ ولا تفريطَ .
وبذلكَ لوِ استخدمْنا الثوابَ والعقابَ في الوقتِ المناسبِ والطريقةِ المناسبةِ لساهمْنا في بناءِ نفسيّاتٍ سليمةٍ للأطفالِ .
وفي آخرِ المطافِ فإننا نسألُ اللهَ عزَّ وجلَّ أن يرزقَنا الذريةَ الصالحةَ، وأن يعينَنا على التربيةِ الصالحةِ ويقرَّ أعينَنا في أبنائِنا .
المفضلات