بعد اتفاق شركات التعدين الكبري ومنتجي الصلب الرئيسيين في العالم علي تغيير نظام تسعير خام الحديد يمكن القول ان اسعار الحديد سوف تواصل ارتفاعاتها الي مستويات غير مسبوقة‏,‏ ولن يستطيع احد ان يحول دون ذلك والاكثر خطورة ما سيترتب علي ذلك من ارتفاع هائل في تكاليف سلع يومية من السيارات الي الاجهزة المنزلية في الوقت الذي سيحقق فيه النظام الجديد مكاسب اضافية ضخمة لشركات التعدين‏.‏

استحوذت قضية اسعار خام الحديد علي اهتمام الاسواق مع توجيه اصابع الاتهام الي المارد الصيني وانتهاز شركات التعدين الكبري تعافي الاقتصاد العالمي لرفع اسعار خام الحديد وتابعت هذه القضية الفايننشال تايمز منذ بدايتها‏,‏ فلعقود طويلة كان هناك وفرة في انتاج الحديد الخام الاسعار كانت مستقرة وبيزنس التعدين كان عاديا وممثلا‏,‏ ولكن هذا الوضع تغير في بداية الالفية عندما تحول الحديد الخام الي سلعة استراتيجية في سوق السلع العالمي بسبب تنامي استهلاك الصين فبدأت الاسعار ترتفع بقوة وثارت تساؤلات بخصوص نظام التسعير السنوي الذي استمر لاربعة عقود‏.‏

ووفقا للنظام التقليدي القديم لتسعير الحديد الخام اول سعر يتم الاتفاق عليه في المحادثات السنوية لتحديد سعر الخام القياس بين شركة تعدين ومنتج كبير للصلب يصبح هو السعر القياسي الذي تتعامل به بقية الصناعة طوال العام‏.‏

وتم حسم هذه القضية في اواخر الشهر الماضي باتفاق شركات التعدين الكبري ومنتجي الصلب علي انتهاء العمل بنظام العقود السنوية والذي كان متبعا منذ الستينيات واستبداله بنظام العقود قصيرة الاجل ـ غالبا ربع سنوية ـ والمبنية علي سوق التعاقدات الفورية‏.‏

الاتفاق جاء بعد ضغوط شديدة مارستها شركات التعدين العالمية فالي البرازيلية‏,‏ ريوتنتو بي اتش بي الاستراليتان علي منتجي الصلب لقبول زيادات الاسعار التي فرضتها علي عقود‏2010‏ ـ‏2011‏ وقد فضلت شركات التعدين العمل بنظام اسعار سوق الصفقات الفورية وليس بنظام التعاقدات السنوية والذي رأت انه يدعم الاسعار المنخفضة‏.‏

وتراهن شركات التعدين علي بقاء اسعار الصفقات الفورية مرتفعة طوال العام وذلك بفضل الطلب القوي من جانب الصين وبسبب ضرائب الحديد الخام الجديدة في الهند وهي ثالث اكبر مصدر للحديد في العالم حيث اكد مسئول في ريوتنتو توقعات استمرار العوامل المحركة لارتفاع الاسعار في‏2010‏ وفي نفس السياق حذرت شركة فالي البرازيلية اكبر شركة تعدين في العالم انه حتي اذا ماتم تشغيل منشآت الشركة بكامل طاقتها الانتاجية فسوف تواجه ايضا صعوبة في تلبية طلبيات عملائها‏.‏

ويصف محللون تغير آلية تسعير خام الحديد بانه ثورة في الصناعة وتأتي هذه الثورة في وقت تتزايد فيه الاهمية الاقتصادية والجيوسياسية للسلع الاساسية بسبب تعطش الصين لها والحاجة المتزايدة من جانب دول نامية اخري في اسيا والشرق الاوسط وامريكا اللاتينية ومع ذلك هذا التغيير في طريقة تسعر الحديد لا يعتبر ظاهرة جديدة في اسواق السلع لكنه ببساطة استكمال لنماذج اخري مثل التحول الذي شهده نظام تسعير البترول الخام في اواخر السبعينات والالومنيوم في مطلع الثمانينات ومؤخرا فحم الكوك في بداية الالفية الجديدة‏.‏

وجميع هذه الاسواق تحولت من الاعتماد علي العقود السنوية الثابتة في التسعير الي عقود الصفقات الفورية‏.‏

وبمرور الوقت تطورت العملية لتشمل عقود مشتقات ايضا مع اتجاه المستهلكين والمنتجين الي التحوط ضد مخاطر تذبذب الاسعار ومن ثم عقود مستقبلية‏.‏

ويذكر التقرير الذي نشرته الفايننشال تايمز مؤخرا ان حجم سوق خام الحديد قد تضاعفت تقريبا الي اكثر من‏900‏ مليون طن في العام الماضي من‏450‏ مليون طن في عام‏2000‏ والاهم ان حصة الصين قد ارتفعت الي حوالي‏70%‏ مقارنة بنسبة‏16%‏ قبل عقد مضي لتصبح اكبر مستهلك للحديد في العالم وكان هذا النمو القوي دافعا لظهور سوق التعاقدات الفورية بنسبة‏10%‏ من اجمالي تجارة الحديد‏.‏

والجدل المثار حاليا بين منتجي الحديد خاصة في اوروبا يدور بخصوص ما اذا كانت سوق التعاقدات الفورية تعكس حقيقة اساسية العرض والطلب وهو الرأي الذي يؤيده مسئولو شركات التعدين‏.‏

وتكتسب مفاوضات تسعير خام الحديد اهمية كبيرة بالنسبة للاقتصاد العالمي نظرا للتأثير القوي لتكلفة الحديد علي اسعار السلع اليومية والنظام الجديد لتسعير الحديد يعتمد عي عقود ربع سنوية حيث تم تحديد السعر وفقا لمتوسط مستوي سوق التعاقدات الفورية وليس من خلال المباحثات السنوية‏.‏

وبالنسبة للشهور الثلاثة المقبلة‏,‏ تشير تقديرات شركات التعدين ان منتجي الصلب الكبار سوف يدفعون حوالي‏110‏ ـ‏120‏ دولارا للطن لامدادات الخام بزيادة تتراوح بين‏80‏ و‏100%‏ عند مستوي‏60‏ دولارا للعقود السنوية‏2009‏ ـ‏2010‏ هذا مع الاخذ في الاعتبار ان منتجات الصلب تمثل‏95%‏ من الاستهلاك العالمي للمعادن وان خام الحديد هو المكون الرئيسي لصناعة الصلب‏.‏

وقد اعلن منتجو الصلب ان ارتفاع اسعار خام الحديد يتم تعويضها عن طريق رفع الاسعار بنحو الثلث بعض الشركات قامت بالفعل برفع اسعارها تحسبا للخطوة التي تمت في سوق خام الحديد‏,‏ ومن المتوقع ان تصل تكلفة الصلب المدرفل الي‏725‏ ـ‏750‏ دولارا للطن بحلول نهاية الربع الثاني من هذا العام مقارنة بنمو‏550‏ دولارا في يناير الماضي و‏380‏ دولارا في العام الماضي‏.‏

وكما يقول محلل معادن في بنك اتش اس بي اس في لندن ان ارتفاع الاسعار سيتحمله في النهاية المستهلك ومن جانبها حذرت رابطة صناعة الصلب الاوروبية من تأثير ارتفاع تكاليف خام الحديد علي اسعار السلع اليومية بالنسبة للمستهلك النهائي‏.‏

ويقول محللون ان نظام التسعير معناه مزيد من الارتفاعات في تكاليف خام الحديد خلال شهور الصيف في ضوء استمرار ارتفاع اسعار التعاقدات الفورية وان اساسيا العرض والطلب علي الصلب سوف تكون محركا لارتفاع الاسعار في الشهور المقبلة لاسيما مع تزايد الضغوط التضخمية في اقتصادات الدول الناشئة‏.‏

-------‏

اكبر الدول المستوردة للحديد الخام
كنسبة من الاجمالي العالمي الصين ‏ 46 % ‏ اليابان ‏17 %‏ كوريا الجنوبية ‏ 5 %‏ المانيا ‏5 %‏ دول اخري‏ 27 %‏

المصدر‏:‏ جولدمان ساكس ـ دويتشه بنك ـ ج بي وير

-------------------‏

اسواق المعادن تشتعل
‏*‏تفاؤل المستثمرين بالاقتصاد العالمي وراء ارتفاع الاسعار

*‏توقعات بتعرض سوق المعادن لحركة تصحيح

خام الحديد لم يكن المعدن الوحيد الذي ارتفعت اسعاره مؤخرا ففي الاسبوع الاول من اشهر ابريل ارتفع النحاس الي اعلي مستوي في عشرين شهرا وبلغ‏8000‏ دولار للطن ليقود موجة جديدة من الارتفاعات في سوق المعادن في ضوء مؤشرات قوية بتنامي الطلب ليس في الصين ودول اسيا الاخري فحسب وانما في امريكا واوروبا واليابان ايضا‏.‏

ويقول محللون ان ارتفاع اسعار النحاس ومعادن اخري يعكس حركة اعادة التخزين في الدول المتقدمة بعدما تراجعت مخزونات الشركات الي اقل مستوياتها العام الماضي خلال الازمة الاقتصادية‏.‏

ويعتقد محلل سلع في بنك يو بي اس لندن ان العالم قد بدأ بالفعل برنامجا حيويا لتخزين المعادن وفي تقديره ان هذا البرنامج قد يؤدي الي زيادة الطلب العالمي بنسبة تتراوح بين‏25‏ و‏50%‏ حتي شهر يوليو وهكذا ارتفعت اسعار النحاس بفضل بوادر تحسن الطلب والسيولة لدي المستثمرين الي‏8010‏ دولارات للطن في بورصة لندن وهو اعلي مستوي تبلغه منذ شهر اغسطس‏2008‏ وبزيادة‏90%‏ عن العام الماضي‏.‏

ويعرف المعدن الاحمر بانه دكتور النحاس وكأنه قد حصل علي درجة علمية في الاقتصاد اذ ان كثيرين يعتقدون ان اسعاره تعكس التحولات في نشاط التصنيع العالمي‏.‏

ويذكر ان النحاس لم يتجاوز مستوي‏8000‏ دولار الا اثناء فترات النشاط الاقتصادي القوي بما في ذلك النصف الاول من‏2008‏ وفترات قصيرة من‏2006‏ و‏2007‏ وكان اعلي سعر‏8940‏ دولارا في يوليو‏2008.‏

سلع اخري ارتفعت اسعارها مثل البترول الذي بلغ‏87‏ دولارا للبرميل والالومنيوم‏2375‏ دولارا للطن بزيادة‏60%‏ والنيكل‏25300‏ دولار للطن بزيادة‏136%‏ عن العام الماضي‏.‏

وقد ابدي محللون شكوكهم بخصوص ارتفاع الاسعار وان عودة المستثمرين مرة اخري الي اسواق السلع علي اثر الاعلان عن بيانات اقتصادية ايجابية كان المحرك الرئيسي لارتفاع الاسعار وليس مجرد الاستهلاك القوي مما يرجح تعرض سوق السلع الاولية لحركة تصحيح في نفس الوقت هناك تساؤلات حول الطلب الصيني وما اذا كان سيستمر بنفس القوة التي كان عليها خلال الشهور الاخيرة حيث يعتقد المتفائلون ان الصين ستواصل تخزين السلع الامر الذي يعزز الطلب في حين يري اخرون ان الاقتصاد الصيني المزدهر قد يشهد حالة من الهدوء في الفترة المقبلة بسبب التشديد النقدي‏.‏

فايننشال تايمز