مشرف
- معدل تقييم المستوى
- 34
دراسة مصرية:بالتجربة الحية.. أمراض العصر تشفيها القراءة
بالتجربة الحية.. أمراض العصر تشفيها القراءة
العلاج بالقراءة تقنية تمتد بجذورها إلى قدماء المصريين الذين عرفوا أهمية القراءة وفوائدها، فكانت تكتب على جدران المكتبات المصرية القديمة، كلمات مثل "هنا علاج الروح"، "هنا بيت علاج النفس".. ومن كلمات الحكيم خيتي لابنه بيبي: "عليك أن توجه قلبك للكتب فلا شيء يعلو عليها ليتني أستطيع أن أجعلك تحب الكتب أكثر من أمك، وليتني أستطيع أن أريك جمالها، إنها أعظم من أي شيء آخر".
فما هو العلاج بالقراءة، وكيف يتم استخدامها وما هي الأمراض التي تعالجها ونوعية المريض الذي يمكن أن يستجيب لهذه الطريقة من العلاج؟.. أسئلة تحاول شبكة الإعلام العربية "محيط" الإجابة عنها ودعوة تقدمها لتبني وسيلة إبداعية للعلاج.
القراءة حياة
الدكتور شعبان خليفة رئيس الجمعية المصرية للمعلومات والمكتبات ومقرر لجنة النشر والكتاب بالمجلس الأعلي للثقافة، يرى أن "القراءة حياة" حيث تساعد في علاج 250 مرضا نفسيا وعضويا .
ويوضح خليفة أن القراءة العلاجية تعني استخدام النصوص في علاج أمراض نفسية وبدنية معينة مثل الاكتئاب وانفصام الشخصية والانطواء وضغط الدم وقرحة المعدة والصداع. وفلسفة العلاج بالقراءة هي أن من يمرض بكلمة يشفي بكلمة.
ويوضح أن العلاج بالقراءة استخدم منذ العصور القديمة حيث كان المصريون القدماء يعالجون بالقراءة وقد اتخذت مكتباتهم شعار "هذا مكان علاج النفوس .. هذا مكان إنعاش الروح" .
وكذلك عرف اليونان والرومان العلاج بالقراءة، وفي العصور الوسطي المسيحية والإسلامية استخدمت النصوص المقدسة في العلاج بالقراءة، وفي العصر الحديث بدأ العلاج بالقراءة في المستشفيات، وبعد ذلك في العديد من المؤسسات الأخري كالمكتبات والسجون وبيوت العجزة ...
ويؤكد أن القراءة تساعد في علاج مجموعة من المخاوف كالخوف من الظلام، والأماكن المرتفعة، الأماكن المغلقة وغيرها، وكذلك في علاج القلق، والمشاكل الجنسية، ومشاكل الاتجاهات كالعنصرية، والعرقية، والنرجسية وغيرها .
وقد استخدم العلاج بالقراءة في علاج مجموعة أخرى من المشاكل المعقدة مثل الافتقار إلى العلاقات، والدافعية، والتوتر، ضبط الوزن، وكذلك بعض المشاكل الاجتماعية كالطلاق، والشيخوخة، فقدان الأهل وغيرها من الأمراض.
وعادة ما يتألف فريق العلاج من طبيب بشري وأخصائي نفسي، ويسير العلاج في جلسات ويتراوح عدد المرضي ما بين 5 إلي 10 مرضي .
لا يستخدمها التقليديون
د. خليل فاضل
د. خليل فاضل استشاري الطب النفسي، يوضح أن العلاج بالقراءة أحد الطرق المتعارف عليها ولكن لا يستخدمها التقليديون، وهي إحدى الطرق الإبداعية التي يدخل فيها العلاج بالموسيقى والرقص والدراما والعلاج بالإيحاء وبالتأمل وغيرها من الطرق الإبداعية.
ويقول في حديثه لـ "محيط" أن هناك مرضى يحدث لهم خلل كيميائي واضطراب وظيفي في خلايا المخ العصبية مما يؤدي إلي ظهور أعراض ومن ثم يتم العلاج عن طريق تصحيح هذا الخلل إما بالدواء أو تنظيم إيقاع المخ "جلسات كهرباء".
لا يتم ذلك بمعزل عن علاجات أخرى مثل المسرح، فهناك جزء مضطرب لم يتماثل للشفاء ويمكن للمريض إذا لم يكن يعاني من هلوسات أو ضلالات، أن يتم تأهيله بالقراءة أو المسرح النفسي أو أي أشكال غير طبية بحتة أو تحليلية.
يشير الطبيب النفسي إلي أن هناك خلط وعدم فهم لعملية العلاج بالقراءة حيث يظن البعض أنه لابد أن تقرأ كتب مثل "كيف تساعد نفسك"، "دع القلق وابدأ من جديد" وغيرها من الكتب المماثلة، وهذه النوعية لا تصلح.
التهيئة مهمة حتي لا يٌصدم المريض أن القراءة تعالجه ولا يجب أن يعرف ذلك، كما يؤكد د. فاضل الذي يروي تجربة عن إحدي المتعالجات لديه وكانت تعاني من مشاكل زوجية، عندما طلبت منه قبل بدء معرض القاهرة الدولي للكتاب أن يختار لها بعض الكتب التي تنهض بها وتساعدها وتطورها، فاختار لها رواية لأحلام مستغانمي وبعض الأدب العالمي، فهذه أعمال إبداعية تدخل المتعالج لعوالم أخري يتعلم منها.
ويشير إلي أن الكتب المباشرة ليست سيئة ولكن عندما يختارها المتعالج بنفسه، موضحا أنه يضع مجموعة من الكتب والمجلات بعيادته يختار منها المتعالج ما يناسبه مثل كتاب " لا تحزن" لعائض القرني الذي يمزج علم النفس التحليلي بالدين دون تعصب أو تشنج .
ولو تحدثنا عن كتب التراث هناك كتاب "نهج البلاغة" عن أقوال سيدنا علي بن أبي طالب فعندما يقول "ربّوا أولادكم على غير أخلاقكم, فقد خلقوا لزمان غير زمانكم" فهذا منهج في التربية، كذلك هناك الكتب الشعرية من أعمال لصلاح عبد الصبور وجبران خليل جبران عندما يتحدث عن الحب والزواج.
وعن مدى فعالية العلاج بالقراءة في الأمراض العضوية يؤكد د. فاضل أنها تخفف الآلام وتساعد علي تقوية المناعة للجسم، فهناك مثلا العلاج بالضحك حيث كانوا يحضرون المرضي المصابين بالفشل الكلوي والسرطان، ويقومون بإضحاكهم فيساعدهم الضحك كثيرا جدا في تخفيف آلامهم.. كذلك القراءة أحد السبل التي تساعد علي العلاج.
ويعلق: أنا مثلا أحيانا استخدم ثقافة "التفاهة" مع الأشخاص الجادين جدا ولديهم قلق دائم، فقد أصف لمتعالج أن يشاهد مسرحية "شاهد ما شافش حاجة" لعادل إمام ثم يعود بعد شهر فأجده اختلف كثيرا بعد المشاهدة.. وقد يأتي شخص أخر لديه مشكلة زوجية فأصف له قراءة كتاب "الإمتاع والمؤانسة" لأبو حيان التوحيدي، وهكذا.
تجربة العلاج بالقراءة مجهضة في الخارج كما يؤكد د. خليل فاضل حيث يبحثون عن أقصر الطرق للحصول علي المال ولذلك لا يفضلون العلاج بالقراءة الذي يتطلب وقتا أطول للحصول علي النتيجة المرجوة، ومشيرا في الوقت ذاته إلي وجود مكتبة في كل مستشفي واخصائي اجتماعي وممرض مجتمعي.
ويختتم الطبيب حديثه بسرد لبعض الكتب الهامة منها "الإنسان المهدور" للدكتور مصطفي حجازى، رواية "القران المقدس" لطيف الحلاج، "مصر ضد مصر" ، "جسمك يتحدث اسمعه"، "الفشل"، و"حدائق الملك" لفاطمة أوفقير.
التوحد مع الغير
نانسي إبراهيم محررة ومعدة برامج بقناة فضائية، لم يكن لديها مشكلة محددة، لكنها أرادت أن تعرف كيف تسير أمور معينة في الحياة وما هي الأشياء التي تحتاج لإعادة صياغة.. مشكلتها الأساسية أنها ترى نفسها متأخرة كثيرا في مجال العمل ولديها طاقة كبيرة مهدرة لا تعلم أسبابها.. لها اهتمامات كثيرة فنية لكن خطواتها في الحياة بطيئة.
تقول نانسي: عندما ذهبت للطبيب وجد أنني اقطن بمدينة نصر وعملي بمدينة 6 اكتوبر واهدر يوميا أربع ساعات خاصة أنني أقوم بقيادة سيارتي ولا استطيع استغلال هذا الوقت في شىء.
وتضيف: تعامل معي الطبيب بطريقة لم أتوقعها وبها كثير من الصداقة وكان من أهمها ترشيحات بعض الكتب للقراءة وكان يأتي هذا وسط الحديث وبشكل ضمني دون توجيه، فعرض عليّ قراءة أعمال للكاتبة أحلام مستغانمي منها "ذاكرة الجسد" وقد أثر معي الكتاب بشكل غير عادي، ففهمت بعد ذلك أن الاختيار ليس اعتباطا .
تؤكد نانسي علي تلامس موضوع الرواية معها كثيرا بما فيها من ارتباط بالوطن وتدفق في المشاعر، والقارىء غالبا ما يبحث عمن يشبهه في العمل الأدبي، مؤكدة أن الموضوع مؤثرا كثيرا بالنسبة للمرأة خاصة أن مؤلفته امرأة وبطل الرواية رجل وبذلك فهي تكتب علي لسان الرجل ما تريد أن تسمعه هي.
وتعلق "وجدت مشاعر مررت بها فشعرت بأني قد أفرغتها"، كذلك حفزت بداخلي القدرات الأدبية والفنية، وعدم الانغلاق فالبطل رسام سافر إلي فرنسا وحقق نجاحات.
ورغم أن الفرق بين ما تربت عليه "نانسي" وبين ما تريده ليس صارخا، لكن كان لديها اعتراض علي مظاهر تطبيق الفكر الديني وكان هذا من أسباب اضطرابها، فتقول "اشعر أن المجتمع كثقافة وتحضر يسير من سىء لأسوأ فيزداد تخلفا، وهذا كان يؤثر علىّ بشكل شخصي وبدرجة كبيرة".
وتوضح أنها رغم اعتراضها واستطاعتها أن تتخلص من الحصار المجتمعي لكنها لازالت تشعر بوجود فرامل داخلية لا تعرف سببها ومصدرها، فأكد لها الطبيب أن هذه "الفرامل" تعود لتأثرها بالبيئة، ولذلك فالكتب تخرج قارئها لعوالم أخرى فقد تجد وضعك أفضل من غيرك أو تجد طرق أخرى تحل بها الناس مشاكلها وبهذا يستطيع التخلص من مشاكله.
أما المهندس نادر أبو السعود فكان يعاني من اكتئاب بسبب عنف والده وطريقته في تربيته، وهذا ما أثر معه طوال فترة الطفولة والمراهقة، فتولدت عنده حساسية شديدة وبعض المخاوف.
وقد استفاد من قرائته لرواية "وداعا أيتها السماء" لحامد عبدالصمد ، وهي تتحدث عن بطل إبن لإمام قرية تعرض لتجارب قاسية حيث اُغتصب أكثر من مرة وهو لا يزال طفلا، وسافر إلي ألمانيا وأعجب بثقافتها ودخل مستشفي المجانين.
ويقول أن القراءة أفادته في معرفة معاناة البشر الآخرين، وإدراك أن ظروفه ليست سيئة وأن هناك أخرين عاشوا حياة صعبة واستطاعوا التغلب عليها، ومن الكتب التي يهتم بها المهندس نادر ويقرأها كثيرا، كتب التنمية الذاتية التي تمكن القارىء أن يساعد نفسه بنفسه.
الفلسفة العلاجية
يتطلب توجيه المريض في العلاج بالقراءة ، الاهتمام بمعرفة خلفيته التعليمية والثقافية، وميوله واهتماماته وحاجاته وهواياته .
الاخصائية النفسية نهي نجار توضح لـ "محيط" أن هناك 6 خطوات يتحقق عن طريقها العلاج بالقراءة أولها تقديم مادة مقروئة تحقق الاستمتاع، ثانيها تحقيق التقمص أو التوحد حيث يجد المتعالج في الشخصيات من يشبهه فيتقمص دوره، بعدها يبدأ الدخول في الخطوة الثالثة وهي اختبار الموقف بشكل إسقاطي بمعني التفكير مثل شخوص العمل الأدبي والدخول في مشاكلها.
يبدأ المتعالج في الدخول للمرحلة الرابعة وهي التنفيث أو التفريغ الانفعالي، بمعني التخلص وتفريغ طاقة سلبية كانت بداخله مثل التوتر أو شىء أخر مكبوت.
الوصول إلي استبصار الشخص بمشكلاته التي يعانيها، هي الخطوة الخامسة التي فيها يدرك المتعالج ما هي مشكلته تحديدا ويضع يده عليها مثل أن يكون غير قادر علي إتخاذ قراراته بنفسه أو أي مشاكل أخري، وأخيرا نصل للخطوة المستهدفة من البداية وهي تغيير سلوك المتعالج واتجاهه.
وتشير نهي نجار إلي أن العلاج بالقراءة يتم عن طريقتين أولا العلاج الفردي وهو تركيز الطبيب علي فرد واحد بأن يرشح له بعض الأعمال لقرأتها، وثانيا العلاج الجمعي بأن يتعامل الطبيب مع عدد من الأفراد ويرشح لهم بعض القراءات ثم يعاودون المناقشة فيها.
ويرى المختصون أن هناك أنواع من الكتب المناسبة للعلاج وتتمثل في: ( الكتب السماوية المقدسة وعلى رأسها القرآن الكريم وشرط التداوي هو الإيمان أولا وأخيرا بما ورد فيه ، والاعتقاد في قدرة آياته على الشفاء حين تستخدم في موضعها الصحيح- القصص القصيرة خاصة - قصص الخيال العلمي - القصص الخفيف والخرافي ومقالات المجلات والجرائد – الشعر - التراجم وسير الأنبياء - كتب الإرشاد الذاتي - كتب آداب السلوك - كتب الروح - الأفلام وما في حكمها).
عبر العصور
العلاج بالقراءة ليس وسيلة جديدة حيث استخدمها القدماء المصريون فكانت تكتب على جدران المكتبات المصرية القديمة، كلمات مثل "هنا علاج الروح" "هنا بيت علاج النفس" ثم انتقل هذا الشعار إلى البابليين والآشوريين، ثم إلى الرومان واليونان، في دلالة واضحة لأهمية القراءة في علاج الروح.
وفي العصور الوسطى الإسلامية بداية من القرن الثالث عشر، كان القرآن الكريم يُستخدم لعلاج المرضى في مستشفى المنصور بالقاهرة، حيث كان من برنامج العلاج بالجراحة والعقاقير، ترتيب بعض المقرئين ليقرءوا القرآن للمرضى ليل نهار.
وقد شهدت القرون التالية المزيد من استخدام الكتب المقدسة والكتابات الدينية في علاج المرضى .
وفي أوروبا في نهاية القرن الثامن عشر قام البعض باستخدام القراءة لعلاج المجانين والمخبولين. وقد اشتهر بنيامين روش بأنه أول من أوصى بالقراءة في علاج المرضى، وذلك عام 1802.
وظهرت إ. كاتلين جونز سنة 1904 كأول أمينة مكتبة تقوم ببرامج ناجحة للعلاج بالقراءة في مكتبات مستشفى ماكلين في ويفرلي في ماساشوستس، في علاج المرضى عقلياً، ورغم توقف برنامج العلاج بالقراءة بعد ازدهار كبير في تلك المستشفى بسبب نقص المال وانتهاء عمل الأمينة الفذة في ذلك البرنامج إلا أنه يعتبر حلقة هامة في تاريخ العلاج بالقراءة.
وخلال الحرب العالمية الأولى قام المكتبيون والأشخاص العاديون وعلى رأسهم الصليب الأحمر واتحاد المكتبات الأمريكية ببناء المكتبات وتجهيزها بالمجموعات في المستشفيات العسكرية.
وفي عام 1939 م قامت شعبة مكتبات المستشفيات في اتحاد المكتبات الأمريكية باستحداث "لجنة الببليوثيرابيا" بهدف استقصاء إمكانيات استخدام الكتب كعلاج في تغيير الاتجاهات، وبذلك اكتسب العلاج بالقراءة وضعاً رسميا في مهنة المكتبات بتبني الاتحاد له.
ويعتبر نيقولاس روباكن الروسي الأصل، المؤسس الحقيقي لعلم نفس الكتاب، والذي كرس حياته للكتب، التي كان يرى فيها أداة هامة للتنوير.
ثقافة
محيط – شيرين صبحي
التعديل الأخير تم بواسطة سعاد محمد السيد ; 07-May-2010 الساعة 02:52 AM
Accept the pain and get ready for success
المفضلات