“انبطحوا أرضاً“…انحناء أم مواجهة؟؟
“انبطحوا أرضاً“… انطلقت بقوة من فم القائد في أرض المعركة… امتلأت الساحة بأصوات القنابل… صرخ القائد: “هجوووم“… انتفض الجنود بعد انبطاح ليكملوا عملية الاقتحام… توقفت عن المشاهدة عبر شاشات التلفزة في المركز التجاري مستكملاً التسوق…صعدت إلى الطابق الثامن… أطللت من النوافذ… فإذا بأعمدة النور قد استجابت لنداء القائد.!!
إننا نرى الانحناء كثيراً- بل ونمارسه- في حياتنا، نراه في انحناء عمود النور لإنارة الطريق مُرَحِّباً بنا،
وفي انحناء العامل بمعوله في بطولة نشهد بها كخطوة مرحلية يليها إعلان المواجهة والانتصاب رافعاً يده، ثم الانحناء مرة أخرى هاوياً على الصخر. لقد اختار مواجهة الصخور بإستراتيجية تزواج بين الانحناء والانتصاب.
نلحظ نفس الأمر في أبطال العناد في رياضة الملاكمة، الذين ينحنون بأجسادهم في رشاقة لتلافي الضربات، لكن الصورة لا تتوقف عند مشهد الانحناء؛ بل يعلو الرأس مرة أخرى في عزة مسدداً ضربته، هاتفاً بأن الانحناء أداة لمواجهة التحدي.
والمجتمعات التي تتهيب التحدي لن يكتب لها تطور ولن يُخَلَّد لها ذكر، والسؤال هو كيف تتحدى في ظل ظروف ضاغطة؟؟ وكيف تعلن المواجهة حيث لا يُراد لها ذلك من خصومها؟؟!!
إن المواجهة تعني التصدي للواقع بالحفاظ على الأهداف ووضعها على منصة التطبيق، وفق إستراتيجية فعالة، سواءً اعتمدت المواجهة المباشرة للواقع أم الاختراق الناعم له.
فللمواجهة أدوات كثيرة، وقد يكون الانحناء أحياناً من أدواتها المرحلية. فهو أداة فعالة إن استخدمت وفق استراتيجية محددة، تجيب على سؤال كيف سيؤدي الإنحناء إلى تحسين الأحوال؟؟!! وكيف سيحسن به الانتقال من مرحلة إلى أخرى؟؟!!
إن الانحناء أو المواجهة المباشرة أو الحلول الوسط بينهما ليست حلولاً سحرية كفيلة بتحقيق الأحلام، فالحل يكمن في وضع إستراتيجية قادرة على التعامل مع الواقع، واختراقه مرحلة تلو مرحلة، حينها فقط يمكن اختيار الانحناء كأداة، أو المواجهة المباشرة كأداة، أو الدمج بينهما بدرجة من الدرجات، أو اختيار التعاقب بينهما بشكل أو بآخر.
ليست القضية هل ستواجه مباشرة أم ستنحني؟؟!! السؤال الأساسي هو ماذا بعد المواجهة المباشرة؟ وماذا بعد الانحناء؟؟ ما هي الخطوة اللاحقة التي ستحقق من خلالها أهدافك؟؟
يندد البعض بأولئك الذين يعلنون المواجهة المباشرة، وينعتونهم بالعبثية، ثم يطرحون الحل العبقري داعين إلى الانحناء أمام الواقع كحل وحيد، وقد اختاروا إجابة تريح عقولهم من عناء التفكير في إبداع حل جاد.
وقل ذلك عن آخرين يدعون للانتصاب في كل الأحوال، وما دروا أن العاقبة قد تكون كارثية،
وانظر إن شئت إلى الملاكم تعيس الحظ مفتول العضلات، وهو يتلقى الضربة القاضية وقد وضع رأسه في المكان الخطأ!!. إن الانحناء أمام الواقع أحياناً لا يقل عبثية عن تحديه بشكل مباشر، فكلاهما حل عدمي إن لم يتم في ضوء استراتيجية واضحة.
وتتجلى العبقرية القيادية في عشق مواجهة التحدي، ثم إيجاد التصور الناضج للعلاقة بين الانحناء والانتصاب، واختيار التوقيت الذي يهيمن فيه أحدهما على ساحة الفعل.
بعض القادة لا يجيدون إدارة الهجوم والانبطاح، فلا يروقهم أمر “هجوووم”.. إنهم يهتفون “انبطحوا أرضاً”… فينبطح الجنود طائعين، ثم ينقلبون نائمين، بعد أن أمدتهم القيادة بالوسائد الناعمة والمشروبات الباردة..
ونرى قادة آخرين بارعين في خلق التناغم بين إصدار أمر “هجووم” وأمر “انبطحوا“…فعيونهم مركزة على الهدف، تبصر الطريق وعقباته، ولا يوقفهم حاجز عن مهمتهم، فتارة يقفزون الحواجز، وتارة ينحنون ليعبروا من تحتها، هوايتهم هي المواجهة، بالانحناء أحياناً والانتصاب أحياناً أخرى في ظل رؤية واضحة،
إنها قيادة تستلهم خطة أحمد مطر…فهي تبالغ في الانحناء… ولكن لكي تزرع القنبلة!!
المهندس وائل عادل
انبطحوا أرضا..انحناء أم مواجهة.
ثورة الأفكار
الجزيرة توك
18/11/2007
*يقول الشاعر أحمد مطر:
أجل إنني أنحني تحت سيف العناء
و لكن صمتي هو الجلجلة
و ذل انحنائي هو الكبرياء
لأني أبالغ في الإنحناء لكي أزرع القنبلة
المفضلات