حاجز الدم الدماغى :
وظيفته:
يحيط بالمخ شبكة من الأوعية والشعيرات الدموية يصل طولها إلى حوالى 400 ميل، تحمل إليه المواد الغذائية والأكسجين وتزيل منه المخلفات والحرارة الزائدة. وهذه الشبكة المترابطة المتماسكة لا تسمح بمرور أى شئ تقريباً إلا ما يحتاجه المخ )إنا كل شئ خلقناه بقدر(1. ولذلك فقد أطلق على هذه الشبكة الفريدة فى تركيبها اسم حاجز الدم الدماغى Blood Brain Barrier (BBB)،
والهدف منها هو حماية المخ من السموم ومن التغيرات الكيماوية السريعة التى تحدث فى الدم، فمثلاً إذا ما تناول الإنسان كمية كبيرة من الملح ودخلت سريعاً إلى المخ فإنها تمتص كثيراً من الماء وتجعل المخ ينتفخ الأمر الذى قد يؤدى إلى عواقب وخيمة حيث لا يوجد مجال لتمدد المخ المحاط بإحكام بواسطة عظام الجمجمة Skull، وعموماً يجب ألا تفكر فى حاجز الدم الدماغى على أنه إشارة حمراء تقول قف ممنوع الدخول للمواد الغذائية، ولكن فكر فيه على أنه اشارة صفراء تقول لها احترسى أو احذرى قبل الدخول حتى لاتحدث حوادث. وتجدر الإشارة إلى أن حاجز الدم الدماغى BBB يوجد فى جميع أدمغة الفقاريات ويتم تكوينه فى حالة الإنسان فى الثلث الأول من الحياة الجنينية.
تركيبه:
فى الحقيقة فإن BBB يتكون من حاجزين متداخلين :
الحاجز الأول : يتكون من الشعيرات الدموية لقشرة المخ والتى تختلف عن غيرها فى أى مكان آخر بالجسم، فمن المعروف أن جميع الشعيرات الدموية بالجسم تكون مبطنة بطبقة من الخلايا تسمى Endothelial cells، وهى سائبة أو غير متماسكة فى الشعيرات التى تصل إلى جميع أنسجة الجسم وكأن بها ثقوب Slit-pores مما يسمح للجزيئات ذات الحجم المناسب من الدخول بسهولة إلى الأنسجة المحيطة، أما فى المخ فلا يوجد مثل هذه الثقوب حيث تكون الخلايا المبطنة للشعيرات الدموية متماسكة ومترابطة ولاتسمح بمرور أى شئ إلى المخ إلا عن طريق ما يعرف بالنقل النشط Active transport الذى يحتاج إلى طاقة والى جزيئات بروتينية تسمى حوامل Carriers وليس مجرد مرور بالانتشار خلال الثقوب الموجودة.
الحاجز الثانى : يحيط بالشعيرات الدموية الموجودة بالمخ ويتكون من خلايا دعامية تسمى Glial cells أو Neuroglia، وهى النوع الثانى من الخلايا الموجودة بالمخ (خلاف النيورونات) ويفوق عددها النيورونات بحوالى عشرة أضعاف. هذه الخلايا تعترض طريق السموم وتمنع دخولها من الدم إلى المخ، كما أنها تقوم بتنظيم مرور المواد الغذائية إلى المخ.
بعض عوامل الخطر:
-الاجهاد والضغط النفسى: يزيد من نفاذية الشعيرات الدموية فى المخ مما يسمح بمرور كثير من المواد الكيماوية إلى داخل المخ.. فى أثناء حرب الخليج الثانية اشتكى ربع الجنود تقريباً من الصداع والغثيان والدوخة وأعراض لا تحدث إلا إذا نفذت مواد كيماوية إلى المخ.
2-المعادن الثقيلة : أثبتت بعض الدراسات التى أجريت على الفئران أن الرصاص والزئبق والمنجنيز والكادميوم تستطيع النفاذ إلى المخ عن طريق أعصاب الشم. وفى دراسات أخرى على الأسماك أجريت فى كندا والسويد وجد أن الزئبق الذائب فى مياه البحيرات والأنهار يصل مباشرة خلال الأعصاب الحسية للسمكة إلى المخ مباشرة عابراً بذلك حاجز الدم الدماغى، واستنتجوا أن المبيدات تستطيع النفاذ إلى المخ بهذه الطريقة أيضاً. ويقول الدكتور كلود روليو الباحث الرئيسى فى الدراسة أن ما ينطبق على الأسماك يمكن تطبيقه على الإنسان أيضا، بمعنى أن الزئبق والسموم الأخرى يمكن أن تنتقل عن طريق الأعصاب إلى مخ الإنسان وتترسب فيه.
تأثير الكربوهيدرات والبروتين على المخ والتفكير:
على الرغم من أن المخ يشكل حوالى 2-2.5% من وزن الجسم، إلا أنه نشط جدا من الناحية التمثيلية حيث يستهلك وحده حوالى 30% من السعرات الحرارية التى يتناولها الفرد يوميا (يستهلك 90 كيلوكالورى/ساعة فى حالة العمل الفكرى)، ولا يكتفى المخ بذلك من الكربوهيدرات عالية الجودة سهلة الاحتراق مثل الجلوكوز، ولا يتوقف مخك عن استعمال هذا الوقود السريع حتى وأنت نائم لذلك فانه يحتاج إلى حوالى 120 -150 جم جلوكوز يومياً، ولأن المخ يحتوى على قليل من الجليكوجين فإنه يعتمد على الجلوكوز الواصل إليه عن طريق الدم، وعندما تنخفض نسبة جلوكوز الدم مثلا إلى نصف المعدل الطبيعى، وهو 80 ملجم/100مل، ولو لفترة قصيرة تظهر على الإنسان أعراض اختلال المخ وإذا ما وصل إلى 20 ملجم/100 مل أو أقل يصاب الإنسان بالغيبوبة، وتحدث تغيرات خطيرة فى وظيفة المخ وربما بطريقة مستديمة يصعب معالجتها، لذلك عند إجراء جراحات المخ فإنه يتم تزويده بمعدل ثابت من الجلوكوز.
ويستغل المخ الجلوكوز عن طريق الدورة الجليكولية ودورة حمض الستريك. أما الطاقة الناتجة فيستخدم المخ معظمها (حوالى ثلثى) فى الحفاظ على خصائص الجهد عبر أغشية الخلايا العصبية ومحاورها عن طريق تشغيل مضخة الصوديوم والبوتاسيوم.
ويستخدم المخ 20% من الأكسجين الذى يستهلكه الفرد فى توليد الطاقة، وهذه تعتبر نسبة كبيرة اذا أخذنا فى الاعتبار وزن المخ بالنسبة لبقية أعضاء الجسم. وإذا ما تعذر وصول الأكسجين إلى منطقة معينة بالمخ مثلما يحدث فى حالة الجلطة الدماغية Stroke فان الخلايا العصبية فى تلك المنطقة تموت، وإذا ما كانت هذه المنطقة مختصة بالتحكم فى حركة عضو ما، أصيب ذلك العضو بالشلل وإذا ما كانت مختصة بوظيفة لغوية معينة وجدنا مشكلات فى الفهم والكلام. وعلى الرغم من أن المخ غير قادر بعد النضج على بناء خلايا جديدة أو تجديد الخلايا التى تتلف، إلا أنه فى حاجة مستمرة للأحماض الأمينية لبناء البروتينات التى تدخل فى تركيب الأنيبيبات والشعيرات واللتان معا تشكلان أكثر من نصف البروتينات الذائبة فى المخ النامى وتشاركان فى النقل الأكسوبلازمى Axoplasmic flow.
ويعتبر حمضى الجلوتاميك والأسبارتيك من أهم الأحماض الأمينية التى يتم استهلاكها أثناء النشاط الفكرى ولا يستطيع الدماغ استعمالهما إلا فى وجود فيتامين B6. ويوجد هذان الحمضان بنسب متساوية تقريبا فى حبوب الصويا والعدس والفستق والسردين والبيض. كما يستخدم المخ الطاقة أيضاً والأحماض الأمينية فى بناء النواقل أو المرسلات العصبية.
يتبع
المفضلات