اهتم الناس بشكل عام منذ عام 1925 بزيادة سرعة قراءتهم؛ وذلك عندما قُدم لأول مرة منهاج رسمي لتعلم القراءة السريعة في جامعة "سيراكوزا" في الولايات المتحدة. وقد قام باحثون بدراسة تاريخ زيادة سرعة القراءة وكيفية حدوثها. وقد ذكروا أمثلة عديدة , منها على سبيل المثال في أواسط القرن السادس عشر كان رجل يدعى "أنتونيو دي ماركو ماغليا بليتي" وقيل أنه كان قادراً على قراءة مجلدات كاملة بمعدلٍ سريعٍ واستيعابها وحفظها. ومن القمم في التاريخ الإسلامي الذين تميزوا بسرعة القراءة الإمام الشافعي فقد كان واحداً من هؤلاء الذين كانوا يضعون يدهم على الصفحة الأخرى خشية أن تنطبع كلمات الصفحة في ذهنه. ولكن برغم القصص العديدة التي رويت إلا إنها كانت قدرات فردية ليس لها تفسير علمي.

لقد كان أول من وضع الأساس العلمي للقراءة السريعة طبيب عيون فرنسي اسمه " إيميلي جافال " ، حين قام بتجارب حول حركات العينين عام 1878 , حيث اكتشف "جافال " أن العينين تتحركان في سلسلة من القفزات والوقفات الصغيرة. كما لاحظ أن العينين تتوقفان وسطياً ثلاث إلى أربع مرات أثناء قراءة الكلمات في السطر من النص المقرؤ. ويتم أثناء توقف العينين التعرف على الكلمة المقروءة . وقبل قيام "جافال " بهذه الدراسة كان يُعتقد أن العينين تتوقفان عند كل حرف أو على الأقل كل كلمة أثناء القراءة.

لقد كان اكتشافه يمثل البداية العلمية الحقيقة للقراءة السريعة ؛ لأنه وضح أن مجال تركيزنا ـ عدد الحروف الذي تستطيع العينان تحديده والتعرف عليه بلمحة واحد للعين ـ أكبر مما كان يتصوَّر سابقاً.

إذا استطاعت أعيننا الثبات على عددٍ من الكلمات في وقت ما" طبيعياً " عندها قد نكون قادرين على القراءة أسرع مما يُعتقد. ولم يستغرق الناس وقتاً طويلاً أمام هذا التحدي المعرفي للعصر, ومن ثم بدأ التساؤل حول كيفية تحسين سرعة القراءة . نُشرت مقالات في بداية عام 1894 في المجلات من قبيل " الاستعراض التعليمي" حول فوائد وطرق القراءة السريعة .

كان التعليم العام في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين مقترناً بالرغبة والاهتمام الزائدين لتحسين سرعة القراءة . وكانت في ذلك الوقت معدلات المعرفة والثقافة تتزايد بسرعة هائلة في الولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي دفع مزيداَ من الناس إلى القراءة للعمل والتعلم والمتعة. لم تولد هذه الزيادات طلباً كبيراً على المطبوعات فقط ، بل إنها زادت وحفزت على الاهتمام بالبحث في مجال قراءة النصوص وتأثير الخواص المادية لنص مكتوب ـ الطباعة التقليدية ـ على القراءة والعوامل المصاحبة لها مثل الإعياء البصري وسرعة القراءة والاستيعاب. بينما كان الناشرون يهتمون بنواحي الجودة والمظهر للمواد المطبوعة ، ركز باحثون آخرون على القراءة والعلاقة بين الخواص المادية للنص وأثره على تحصيل القارئ ونتائجه مثل ـ الإنهاك البصري والسرعة والاستيعاب ـ. وقد تم التركيزقليلا في ذلك الوقت على مفهوم سرعة القراءة والعناصر البصرية والإدراكية ؛ ولكن الإهتمام كان أكبرعلى الجهد الخالص من جانب القارئ ؛ لكي تتحسن قراءته. وقد أحدثت تطورات أخرى في سرعة القراءة من قبل جماعة غير متوقعة , وهي القوة الجوية الأمريكية , والتي تمثل اكتشافاتها الاستخدام الأول والواسع النطاق والمقبول للقراءة السريعة كظاهرة ؛ حيث نشأت من تجارب الحياة والموت لدى الطيارين. لاحظ الفنيون أن بعض الطيارين يواجهون صعوبات في تمييز الطائرة الصديقة من الطائرة العدوة من مسافات بعيدة. وكان هدف المخططون في قوات الدفاع الجوية الأمريكية هو تحسين حدة البصرلدى طياريهم. أوجد الأخصائيون النفسيون والمعلمون العاملون في قضية حدة البصر ـ الذي أصبح فيما بعد أيقونة مناهج القراءة السريعة الأولى ـ جهازاً لإسقاط الصور (التاستيسكوب), وهو آلة صممت لومض صور بسرعات متباينة على شاشة . وبدأت التجربة بصور كبيرة لطائرات يجري عرضها للمشاركين ، وتم إنقاص حجم الصور تدريجياً وزيد في سرعة الوميض. لقد وجدوا أنه مع التدريب يستطيع الشخص العادي تحديد صورا دقيقة لطائرات مختلفة عند وميضها على الشاشة لمدة جزء من خمسمائة من الثانية فقط.

لقد كان لتلك النتائج أثر واضح على القراءة , وهكذا بدأت الأبحاث في مجال تحسين القراءة باستخدام جهاز إسقاط الصور بالطريقة نفسها كما في مثال الطائرات. لقد اكتشفت القوى الجوية خلال وقت قصير أن بإمكانها ومض أربع كلمات في آن معاً على الشاشة بسرعة عالية أو بمعدل جزء من خمسمائة من الثانية مع التمييز الكامل من قبل القارئ.

لقد بين هذا التدريب بوضوح أنه بقليل من التدريب يمكن زيادة سرعة القراءة مع تحسن في القدرات البصرية ؛ لذلك كانت الخطوة التالية هي تدريب حركات العين بواسطة تقنيات حركة مختلفة كمحاولة لتحسين القراءة. وبعد ذلك استخدمت مناهج القراءة السريعة جهاز إسقاط الصور لزيادة سرعة القراءة. كما اكتشفوا أن القراء كانوا قادرين على زيادة سرعاتهم من 200 إلى 400 كلمة في الدقيقة باستخدام الآلة. لقد برزت ناحية سلبية من استخدام هذا الجهاز وهي أنه بعد استخدامها والانقطاع عنها لعدة أسابيع تبدأ سرعة القراءة بالتناقص.

بعد اكتشاف جهاز الإسقاط , أنتجت كلية إدارة الأعمال في جامعة هارفارد أول منهاج مدعوم بفيلم , صُمم لتوسيع مجال تركيز القارئ ؛ لزيادة سرعة القراءة. وكان التركيز في هذه مرة على المعالجة البصرية كوسيلة للتحسين. وكان الاتجاه العام في الأربعينيات من القرن العشرين هو زيادة سرعة قراءة الناس باستخدام الجهاز ؛ بينما كان من المؤكد أن سرعة القراءة يمكن أن تزداد بنسبة 100% وأمكن تحقيق ذلك. ومازال من المتوجب بيان النتائج الدائمة . لم يكن من الممكن اكتشاف جهاز محمول وموثوق ومناسب حتى أواخر الخمسينات من القرن العشرين كوسيلة لتعزيز زيادة سرعة القراءة.

وكان الباحث هذه المرة معلمة مدرسة لطيفة الخلق متعاطفة مع المتأخرين في تحصيلهم للقراءة اسمها "ايفلين وود" ـ التي استطاعت ليس فقط أن تدخل ثورة في مجال سرعة القراءة السرعة ـ بل إنها كرست حياتها لتقدم القراءة وتطوير التعليم . وكان اكتشافها الثوري بالصدفة نوعاً ما. لقد كانت ملتزمة بفهم سبب كون بعض الناس سريعين في القراءة بشكل طبيعي. وكانت تحاول إجبار نفسها على القراءة بسرعة عالية , وبينما كانت تزيل الغبار عن صفحات الكتاب الذي ألقته جانباً , ونتيجة لليأس اكتشفت بالمصادفة أن حركة يدها الماسحة على الصفحة لفتت انتباه عينيها وساعدتهما في الحركة بلطف أكثر على الصفحة. وكان ذلك اليوم الذي اكتشفت فيه اليد كأداة تحديد الخطوة أو الانطلاق يوماً تاريخياً بالنسبة لها , ودعت ذلك بـ "طريقة وود".

لم تستخدم السيدة "وود" طريقة يدها لتحديد الانطلاق فقط ؛ بل ضمت إلى ذلك جميع المعارف الأخرى التي اكتشفتها من بحوثها حول القراءة والتعلّم. وقدمت طريقة ثورية جديدة للتعلم سُميت بـ "ديناميك القراءة" عام 1958 والتي كان ظهورها الأول في "الخطاب 21" في جامعة "أوتا" وكانت مؤثرة بشكل دراماتيكي ؛ لدرجة أن الطلاب في الكلية وقفوا ينتظرون في الصف لساعات من أجل مقعد فارغ. قدمت السيدة "وود" "ديناميكا القراءة" للجمهور عام 1959 عندما قادت البرنامج في جامعة أوتا لمدة عام.

انتقلت إلى واشنطن dc (مقاطعة كولومبيا) وافتتحت "معهد ديناميكا قراءة وود ايفلين" الأول , وخلال وقت قصير انتشرت معاهدها في جميع أنحاء العالم. وأصبح اسم "ايفلين وود" مرادفا للـ " للقراءة السريعة" . وقد باعت حقوق العمل عام 1967 ؛ لكنها استمرت في التعليم . توفيت السيدة "وود" عام 1995 عن عمر يناهز /86/ عاماً.

يتضح باستعراض الاتجاهات العديدة لتاريخ القراءة السريعة أن هناك طريقة واحدة اُستخدمت باستمرار وهي تدريب العينين على الحركة بفعالية أكبر , سواء أكان ذلك جهاز إسقاط صور أو طريقة مدعومة بفيلم أو اليد كأداة لتحديد الانطلاق بشكل طبيعي , ما يزال هذا العنصر حتى يومنا هذا يساعد على زيادة سرعة القراءة .

أرجوا أن تكون هذه المعلومات التاريخية ممتعة ومعينة على شحذ الهمم والبذل من أجل الإبداع والتطوير لأمتنا العظيمة التي تستحق أن نبذل لها الغالي والنفيس لعلها أن تكون في موازين حسناتنا.


منقـــــول