قال علماء نفسيون أن أسرع طريقة لعلاج المخاوف التي يعانيها البعض هي استخدام عقار يزيد ما لديهم من خوف ثم تعريضهم بعد ذلك للشيء الذي يخافونه.

ويقوم علماء النفس عادة بعلاج الاضطرابات النفسية التي يعانيها البعض مثل مرض الرهاب عن طريق أساليب سلوكية بتعريض هؤلاء المرضى إلى المواقف، أو الأشياء التي يرهبونها لفترات قصيرة، ثم يقومون بزيادة هذه الفترات كلما أخذت تلك المخاوف في الانخفاض.

وأحياناً يتم اللجوء إلى العقاقير المهدئة قبل البدء في العلاج من أجل التخفيف من مخاوفهم. وقد أثبتت تلك الطريقة العلاجية نجاحاً في السنوات الأخيرة غير أن فترة العلاج في الوضع الطبيعي تصل إلى 16 أسبوعاً.

يقول العالم تود فارشيون من مركز علاج القلق والاضطرابات المصاحبة له من جامعة بوسطن ، أن هناك ضرورة كبيرة لتسريع مدة العلاج لأن هناك عدداً كبيراً من المرضى لا يستطيعون المواظبة على حضور جلسات العلاج لفترة طويلة ويفضلون عدم الحضور على مواجهة مخاوفهم.

وبعد تجارب قام بها العالم فارشيون مع مجموعة من رفاقه على عدد من الفئران المخبرية تبين لهم أن استخدام عقار يزيد من حدة التوتر ثم تعريض الفرد إلى المواقف التي يخشاها يؤدي إلى تقصير مدة العلاج بشكل فعال.
ومن جانب آخر وحول ظاهرة الخوف فالخوف ظاهرة طبيعية يشترك فيها الإنسان والحيوان وربما النبات أيضاً، فمن منا لا يخاف ولا تنتابه حالة من الهلع ويتصبب عرقا وترتعد فرائضه، ويشعر وكأن قلبه كاد يتوقف عن النبض، أو كان أنفاسه أصبحت في آخر رمق. ومن منا لم يصرخ وهو صغير بأعلى صوته أثناء الليل بعد أن يستيقظ من كابوس مناديا: أمي أمي أدركيني.. فما الذي يحدث لنا بالفعل خلال هذه اللحظات العصيبة، وما هو هذا الحدث الجلل الذي آثار لدينا هذه الانفعالات العصبية، وهل نعرض أنفسنا لخطر الموت لحظة الهلع الشديد؟


والواقع أن الخوف، والغضب والفرح، والحزن، إحساس بشرى يرتدي أحيانا ثوبا لطيفاً، وأحيانا أخرى يكون شديدا على النفس. وجل هذه الانفعالات تحدث عندما يتفاجأ دماغنا بشيء ما.

ويقوم الدماغ بمواجهة سلسلة منطقية من الرسائل المتدفقة من الرسائل المتدفقة إليه من حواسنا الخمس، حيث يعمل على تحليها بصورة منطقية أيضاً.
ويرى علماء النفس أن الانفعال عبارة عن رد فعل نفساني وفسيولوجي، حيث تنطلق سلسلة من الهرمونات المثيرة للجهاز العصبي لكي يواجه المرء وضعا طارئاً ليس في الحسبان.

ويعتبر رد الفعل هذا عبارة عن توافق مع التغيير الحادث ببيئتنا، وليس الخوف سوى الانفعال الذي ينتابنا في حالة الخطر أو التهديد أو حالة التعرض لمحنة ما. ويعمل الانفعال على تحفيز الجسم ليتفاعل بصورة ملائمة تتناسب والموقف المخيف ليساعده على البقاء.
وعلى الرغم من أن الخوف شعور ينتاب جميع المخلوقات الحية، فإنه أيضاً من الوسائل التي تحافظ بها الكائنات على حياتها، ولذا قالوا إن الخوف يطيل العمر، والخوف نظام إنذار مبكر حقيقي لأنه يمكن الكائنات الحية من تجنب الموت عند مواجهتها الأولى مع الخطر.

والغريب أن حالة الخوف التي تنتاب الذبابة ليست كحالة الخوف التي يتعرض لها السباح، فهو عند الحشرة رد فعل انعكاسي بسيط يساعدها على البقاء على قيد الحياة حيث يطلق الشعور بالخطر، سلسلة من الاستجابات الأوتوماتيكية كي تهرب من الخطر المحدق المتمثل في حيوان ما. أما عند الإنسان فتظهر تلك الاستجابات أو التصرفات الآلية الذاتية على شكل ارتجاف ورعشة، وانتفاضة كما يضاف إلى ذلك العنصر العاطفي.
ويشير العلماء إلى أن دماغ الكائن الحي البشري يستطيع أن يترجم ما يرى، ولذلك فالخوف يتولد من الخيال ومما يمكن توقعه قبل وقوعه، أكثر مما يتولد عن الموقف الحقيقي الذي يواجهه المرء، حتى ولو كان هذا الموقف الذي يتعرض له بشكل مختلف تماما عن رد الفعل الذي يمكن أن يبديه إنسان آخر يتعرض للموقف نفسه، فعندما يتواجه أحد السباحين المهرة مع سمكة قرش مفترسة، فإنه يشعر وكأن الدم سيتجمد في عروقه.

وبينت إحدى الدراسات أخيرا وجود شذوذات وراثية غير معتادة قد تكون ذات علاقة بحالات الفزع والرهاب المرضي Phobia، فقد صرح باحثون إسبان في مؤتمر لمنظمة الوراثة البشرية أن 97% من عينة عشوائية لمرضى مصابين باضطرابات القلق كان لديهم تضاعف في المادة الوراثية على الصبغي 15 مقارنة مع 7% عند الأشخاص الطبيعيين، ويرى الخبراء أن هذه النتائج قد تقود لإيجاد أدوية أفضل لمعالجة هذه الحالات التي تصيب 10إلى 20% من السكان، ويعتقد بأن الدكتور كزافير استيفيل من مركز الوراثة الجزيئية والطبية في برشلونة قد تمكن من كشف آلية وراثية جديدة لحدوث المرض.
والرهاب هو اضطراب نفسي يتميز بوجود خوف غير منطقي أو خوف مبالغ فيه من أجسام أو مواقف أو حركات أو وظائف جسمية غير خطيرة لا تشكل مصدرا للقلق في الحالات الطبيعية. ويختلف الرهاب عن القلق بضرورة ترافق حالات الرهاب مع عامل محرض بيئي. وهو يصيب النساء أكثر بكثير من الرجال ويشاهد عادة بعد الثامنة عشرة من العمر.
ويعتقد الدكتور استيفيل بأن بعض المورثات أو بعض العوامل البيئية يمكن أن تؤدي في مراحل التطور الأولى لحدوث اضطرابات وشذوذات على الصبغي 15. ويقول الخبراء إن فكرة أن تؤدي إحدى الطفرات التي تصيب إحدى المورثات لإحداث طفرة في مورثة أخرى قد لوحظت في النباتات، لكن ليس عند الإنسان. ويقولون إن هذا الكشف الجديد مثير حقا، إذ إنه آلية وراثية جديدة كليا.
ويقول الدكتور استيفيل: "لا يبدو أن هذا الاضطراب يورث لأننا لم نتمكن من مشاهدته في جميع الخلايا عند المصابين. وقد يولد الشخص ولديه هذه الطفرة، ومن المحتمل أيضا أنه يكتسبها أثناء التطور والنمو. وقد وجد استيفيل تلك الطفرة في 25% من عينة من النطاف، لكن ليس من الواضح تماما إن كانت هذه النطاف قادرة على إحداث حمل ناجح". ويتابع استيفيل: "علينا الآن التعرف على المورثات التي لها علاقة بهذا الاضطراب والطفرات التي تحملها هذه المورثات".
وعمل استيفيل في البداية على دراسة 140 شخصا من أسر مختلفة في إحدى القرى الإسبانية، الذين كانوا يعانون إما من رهاب المجتمع Social Phobia أو الخوف من الأماكن المفتوحة، أو كانوا يعانون من نوبات هلع وفزع متكررة، ومن ثم قام بدراسة 70 شخصا لا علاقة بينهم وبين مصابين بهذه المشكلة النفسية، بالإضافة لمجموعة مراقبة مكونة من 189 شخصا لا يعانون من أحد اضطرابات القلق. وقد وجد استيفيل أن حوالي 100% من المصابين بالهلع أو الرهاب من المجموعة الأولى لديهم تضاعف في المادة الوراثية على الصبغي 15 97% من المجموعة الثانية الذين لا تربطهم أي علاقة أسرية لديهم هذا الاضطراب، مقارنة مع 7% فقط عند مجموعة الأشخاص الأصحاء.

ويوضح استيفيل: "يعتبر هذا عملا يزيد القابلية للإصابة، ولا يعني بالضرورة وجود هذا الاضطراب المورثي لديك بأنك ستصاب بحالات الرهاب أو الفزع، فليس كل الذين لديهم هذه الطفرة على الصبغي 15 يتطور لديهم المرض، فأربعون بالمائة فقط من الأشخاص تربطهم علاقات أسرية ولديهم تضاعف في المادة الوراثية على الصبغي 15 لديهم حالات رهاب أو هلع"