الاختلافات النفسية والجسدية بين الرجل والمرأة
يتساءل العديد من العلماء عن الفروقات الحيوية بين ذكر الإنسان وأنثى الإنسان. فمنذ أولى أيام تطور الجنس البشري اختص الذكور بالصيد واختصت الإناث بجمع الطعام وتربية الأطفال، وما يزال ميراث هذه الفروقات باقياً حتى أيامنا هذه. فالرجال لديهم بنية جسدية أقوى في حين أن النساء أكثر رقّة. والرجال أفضل في تقدير المسافات والمساحات بصرياً، في حين أن النساء أفضل في القدرات الكلامية. فبعد دراسات معمّقة نجد أن الرجال والنساء مختلفين، لكن هذا الاختلاف لا يجعل أحدهم أفضل من الآخر، فالجنسان البشريان مختلفان لكن متكاملان ومتساويان.
تكمن الصعوبة في معرفة ما هي الأمور التي يرثها الذكور والإناث وما هي الأمور التي يفرضها المجتمع. فهل نعلّم الصبيان الرياضة التي تتطلب جهداً عضلياً بناءً على ميولهم
أم بناءً على رغباتنا، وهل تتعلم الفتاة الاهتمام بجمالها لسبب وراثي أم كتقليد لأمها.
ولكي نستطيع تحديد الأمور الوراثية وفصلها عن الضغوط الاجتماعية يجب للعلماء أن
يتوجهوا إلى مناطق على كوكب الأرض لم تتطور وتحصل على بنية اجتماعية معقدة.
فعندما درس العلماء بعض القبائل البدائية في أفريقيا، وجدوا أن دور الرجل مازال
مقتصراً على الصيد وصناعة أسلحتهم المخصصة للصيد، ودور النساء تربية الأطفال وبناء
الأكواخ البسيطة وجمع الخضروات. ورغم أن كمية الطعام التي تحضرها النساء أكبر إلا
أن لحوم الصيد ذات قيمة غذائية أكبر، مما يدفعنا للقول بأن الرجال والنساء يساهمون
بالتساوي في توفير الطعام. وهذا ما ينعكس على المساواة بين الرجال والنساء اجتماعياً،
فالرجال يأخذون القرارات في المواضيع التي تخصهم، والنساء يأخذن القرارات في
المواضيع التي تخصهنّ. ويعتقد العلماء أنه في أغلب التاريخ البشري كان التوازن بين
الذكور والإناث موجوداً بدل تسلط أحدهم على الآخر.
انعكس هذا التاريخ على الجسم البشري، فلدى الذكور جسم أكبر ويحتوي عضلات
أكثر، في حين أن جسم المرأة مصمم لحمل ورعاية الأطفال. وبالمتوسط نجد أن جسم الذكر
أقوى بنسبة 30 % من جسم المرأة، وضعف الكتلة العضلية. ويمكن للمرأة حمل نصف
وزنها في حين أن الرجل يمكن أن يحمل ضعف وزنه. إن دور المرأة التاريخي سمح لها
باختزان أكبر للشحوم وتوزيعها على كامل أنحاء الجسم، مما منح للمرأة شكلاً أكثر
نعومة وأكثر استدارة، وأصبحت هذه النسج إشارات جنسية قوية. ولا يختلف الذكور
والإناث في أماكن تخزين الشحوم فحسب، بل يختلفون في كمية الشحم المختزن أيضاً،
فعند البلوغ نجد لدى الإناث ضعف كمية الشحوم الموجودة لدى الذكور، فنسبة الشحوم
في الذكر البالغ 12 % من كتلة الجسم بينما نسبته عند الإناث 25 %.
إن كتلة الشحوم الأعلى لدى المرأة مهمة جداً في حالات المجاعة، فهي تعمل كسنام
الجمل وتعتبر مخزناً للطعام عند الحاجة، وبالتالي فإن احتمال بقاء أطفالهن على قيد
الحياة أكبر. لذا تكون الاستدارات على جسم المرأة جذّابة للرجال.

النضوج الجنسي ومظاهره:
يمكن التمييز ببساطة بين الذكر والأنثى من نظرة إلى الوجه، والسبب يعود إلى أن دور
الذكر كصياد احتاج منه رئتين أكبر وبالتالي أنفاً أعرض للحصول على كمية كافية من
الهواء. وبسبب حاجته للحماية من هجوم الضواري فإن ذقن الرجل أعرض وحواجبه
أسمك وجبهته أعلى. وطبعاً لا يجب أن ننسى مظاهر الرجولة القديمة التي تتجلى بشعر
الوجه، وبصوت خشن يعلن عن النضوج الجنسي للذكر.
أما أهم مظاهر النضوج الجنسي لدى المرأة فهو الثديين على شكل نصف كرة. وعلى
عكس ما يظنه الكثيرون، فإن الثدي ليس عبارة عن غدة لإنتاج الحليب فقط، بل إشارة
قوية على نضوج المرأة. ويتألف ثلثا نسيج الثدي من كتلة شحمية لا علاقة لها بإفراز
الحليب. وهذا الشكل المكوّر لا علاقة له بسلوك الأمومة بل فقط بالسلوك الجنسي.
مع البلوغ فإن الفتيات تصبحن أميل للاهتمام بالحيوانات مثل الأحصنة، حيث دلّت
الدراسات أن الاهتمام بالأحصنة في فترة المراهقة يزداد عند الفتيات أكثر بثلاثة مرات منه
عند الفتيان. مما يشير إلى التغيرات النفسية عند الأنثى واهتمامها بمرافق كبير الحجم،
كما يحاجج البعض أن بنية الحصان العضلية تلمّح إلى الرغبة بشريك مناسب ذو قوام
ممشوق ورياضي.

الفرق في التفكير:
يبدو أنه في مراحل تطور البشرية فإن الفروقات في تخصص العمل للرجال والنساء
قد اثر على طريقة عمل أدمغتهم. فالرجال قد تعودوا التركيز على مطاردة هدف واحد
في حين أن النساء لديهن القدرة على القيام بعدة أعمال في آن واحد. والرجال يقرؤون
الخرائط بشكل أفضل ويتعاملون مع البحث والاتجاهات بشكل أدق، فالرجال يتذكرون
الطرق بتخيل الخرائط في أدمغتهم مع الاتجاهات والمسافات، في حين أن النساء يتحركّن
اعتماداً على نقاط علاّم. فإذا أراد أحد أن يشوش الطريق على امرأة فكل ما عليه فعله
هو تغيير أماكن نقاط العلاّم.
كما يمكننا ملاحظة فرق واضح في تذكر التفاصيل التقنية، فالرجال بارعون في تذكر
التفاصيل ورسمها. كما أن الرجال يستمتعون بوضع الاستراتيجيات وتنفيذها، وهو ما
نشاهده كثيراً عند متابعة التفوق الذكوري في لعبة الشطرنج، حيث أن 98 % من اللاعبين
المحترفين فيها هم من الرجال.
إن النساء قادرات على حلّ مشاكلهن بالكلام مع الآخرين، أما الرجال فهم أفضل في
التعامل الصامت مع الأشياء، وهم على استعداد بالقيام بالعديد من الأعمال االحرفية أو
اليدوية التي قد لا تفيد كثيراً، لكنها جزء من الناحية التطورية الخاصة بهم.

الفروق النفسية والميل للمخاطرة:
يميل الرجال إلى المخاطرة بشدة، وفي كثير من الأحيان تكون المخاطرة بدون سبب
واضح، يمكننا مشاهدة أمثلة عن هذه المخاطرات في سباقات السيارات والدراجات الآلية
وفي تسلق الجبال وفي القفز مع الحبل )البانجي(. من آثار هذه الرغبة هو نقص احتمال
وفيات الإناث في الحوادث، ففي العديد من البلدان تكون الوفيات بسبب الحوادث قبل
سن الثلاثين بين الذكور أكبر بخمسة عشر ضعفاً من نسبة الوفيات عند الإناث.
إن المبادرة إلى المخاطرة كان له دور كبير على مدى تاريخ التطور، فالرجال يمكن
الاستغناء عنهم بسهولة أكبر. كما أن عملية الصيد التي يقوم بها الذكور تحتاج جداً من
وجود ذكر يخوض المخاطر.
أحد ميزات الرجال تشمل ميلهم إلى التجمع في ما يشبه مجموعة صيد، وقد بقي العديد
من هذه الرغبات في المجتمعات المعاصرة لنجد أغرب أشكال التظاهرات والحركات في
العالم، مثلاً تظاهرات الشواذ في أمريكا أو تظاهرات الطلاب الذين يدهنون أنفسهم بطلاء
أخضر اعتراضاً على ارتفاع الحرارة أو حتى تحرك الشباب في رحلة للشواء و »البسط .»
وعلى العكس من ذلك، تقوم النساء بمناقشة طويلة وأخذ ورد، ثم يرفضن كثيراً من الخطط.
هذه المواصفات تجعل من الرجال أسهل إدارةً وأكثر اندماجاً في التنظيمات والمؤسسات
مثل الجيش والشرطة، لذا نجد أعداد الرجال أكبر بكثير من أعداد النساء. كما أن
وجود إدارة قوية تجعل الرجال يميلون إلى تنفيذ أغرب الأوامر بدون نقاش. خاصة إن
وجد نظام واضح للطاعة وللعقوبات. يعزو العديد من علماء الاجتماع الكوارث الإنسانية
التي تحدث في الحروب إلى ميل الرجال للتجمع ومساندة الفريق وليس إلى عدوانية
الذكور وكرههم للعدو. هذا ينعكس في كثير من الأحيان كنقطة ضعف لدى الرجال،
حيث تستخدم العديد من المنظمات الإرهابية حالياً هذه الميول لتدفع بأعضائها لأذية
الأبرياء، والطريقة المستخدمة هي الترغيب بالانتماء للمجموعة، والمطالبة بالتضحية
لأجل المجموعة. بشكل عام فإن الرجال يميلون إلى العمل بشكل هرمي القيادة، في حين
أن النساء يملْن إلى العمل بشكل متساوي.
هذه بعض الفروقات التي تميز الجنسين عن بعضهما، وهي تؤثر على حياتنا بطرق
كثيرة ومعقدة، ومن المفيد جداً أن يعرف الإنسان لماذا تنتابه هذه المشاعر والرغبات، ولماذا
يفكر بهذه الطريقة، ولم يفكر شريكه بطريقة مختلفة.