لنظام في مصر سئ ، لا يراعى الكفاءات ، ويهدر الطاقات ، وينشر الفساد والرشوة والمحسبوية ، والشباب ضائع ، حائر ، محبط ، حزين ، بائس ، مقهور....و..... و...
أليس هذا ما نرددّه جميعاً ، فى أحاديثنا اليومية ؟!
أليس هذا ما نتحدث عنه طوال الوقت ، حتى اعتدناه ،وأدمناه ، وصار الذخيرة الوحيدة ، التى تمنحنا زاد الحياة اليومية ، وتقنعنا بأننا لسنا مقصرين فى أمور أنفسنا ، وأن العيب ليس فينا ..إنه النظام.
أمر مريح، وتفسير لطيف ، وإحساس عام بالرضا عن النفس ، ودافع لإهدار المزيد من الوقت فى ألعاب الكمبيوتر ، وتصفَّح شبكة الانترنت ، وإضافة وقت ضياع إلى وقت الفراغ .
ولكن .. دعونا نقف كثيراً عند كلمة "لكن" هذه ، ونعيد النظر إلى الأمور ، من زاوية أخرى ..زاوية معاكسة تماماً .
لقد تجاوزت أنا شخصياً مرحلة الشباب ، ولكننى أتعاون مع عدة جهات ، منها قنوات تليفزيونية، وشركات نشر، وشبكات بث عبر الانترنت ، وجهات أخرى .
وفى كل جهة منها ، أجد أن القائمين على كل الأعمال تقريباً ... شباب .... شباب يديرون شبكات الأنترنت .. وشركات الكمبيوتر ..وشركات الاتصالات ..وشركات الإنتاج السينمائى والتليفزيوني ..واستوديوهات الجرافيكس .. ودور النشر ..وكل الجهات التي تنتمى إلى القطاع الخاص ..شباب .. شباب ..شباب .
شباب مثلكم في كل مكان ..وكل عمل ..وكل اتجاه ..
الفارق الوحيد ، بينهم وبين الآخرين ، هو أنهم سعوا ، وبينما اكتفى الآخرون بندب حظهم ، والبكاء على اللبن المسكوب .. هم مثلكم ، دون وساطة أو محسوبية ..فقط بكفاءة ..وهمة ..وإصرار ..وأمل ..وتفاؤل ..وهذا فى الواقع أهم ما يميَّزهم ..التفاؤل ..وأهم ما ينقص البعض أيضاً.
القاعدة العامة ، فى الحياة والعلم تؤكَّد ، أن من يرى الحياة بنظرة أمل وتفاؤل ، يفوز دوماً بالنجاح ..ومن يراها بنظرة تشاؤم وانكسار، ينكب دوماً بالفشل .
وأنه ليس هناك سوى سبيل واحد للنجاح والتفوَّق ..أن ترى أن "بكرة" حتماً أفضل من "النهاردة"..فهل ترون هذا ..هل سعيتم بجدية ،للبحث عن عمل ، دون غطرسة أو تكبَّر أو استخفاف ، ولم تفوزوا به ؟!..هل حاولتم ؟!..هل تعبتم ؟!..هل كافحتم ؟!.
سوق العمل صار تنافسياً إلى حد مدهش ، حتى أصبح أشبه بقطار سريع ،ينطلق على قضبان زلقة ، تضاعف من سرعته ، وعلى من يود اللحاق به أن يجرى بكل قوته ..وأن يصل إليه فى موعده ..ولأن الاعداد التى ستتزاحم على بابه كثيرة ، فمن الطبيعي أن تتحقق هنا نظرية الانتخاب الطبيعى لداروين..البقاء سيكون فقط للأقوى ..والأكفأ ..والأكثر احتمالاً ..وإصراراً .. وتفاؤلاً.
دعونا نتصوَّر أن سوق العمل يحتاج إلى عشرة أشخاص، فى مجال ما، من مجالات العمل الخاص، الذى لا يعتمد على الرشوة والفساد والمحسوبية؛ لأنه ببساطة لن يضحى بمكاسبه، من أجل هذا، ولكن المتقدمين لشغل هذه الوظائف العشرة أكثر من ثلاثمائة شخص ، فكيف سيختار من بينهم من يصلحون ؟!.
أو بمعنى أدق ، من يعطونه أفضل ما لديهم ..هنا ستبدأ لعبة الانتخاب الطبيعى ..هناك من الشباب المتقدَّم للوظيفة من اكتفى بشهادته الجامعية ، وانتظر أن تعطيه أفضل فرصة ..وهناك عدد أقل ، قررَّ أن يضاعف كفاءته ، ويضيف إلى شهادته الجامعية مهارة أخرى ، فحصل على دورات تدريبية فى حرفة ما ..وعدد أقل حصل على دبلومة متخصصة ..وأقل بكثير ، حصل على دبلومتين أو أكثر ..وندرة أضافت إلى كل هذا دراسة فى اللغة ..وعليك أنت أن تختار من بين أكثر من ثلاثمائة شاب عشرة فقط ..فمن ستختار ؟!.
بالله عليك ، هل ترددَّت لحظة واحدة ؟!..ألم تنتق أولاً من حصلوا على دبلومين أو أكثر، ثم حصلوا على دبلوم واحد ، ثم وضعت على رأسهم من أضاف إلى هذا دراسة متخصصَّة فى اللغة ؟!.
الأمر إذن واضح ، ولكن معظمكم لا يراه ..إنها مسألة تفاؤل ..ونظرة أمل للمستقبل ..وسعى لبلوغ هذا المستقبل ..إنها إيمان بأن بكرة أحلى م النهاردة ..انفضوا عن أنفسكم اليأس والاحباط والكسل وغضب الفاشلين ، واغرسوا فى أعماقكم تفاؤل الناجحين ..ثم ابدأوها بتفاؤل ..وحزم ..وأمل ..وحسم .
ابدأوها ، وأنتم مقتنعون أنكم قادرون على المضى فيها قدماً ، والقفز فوق كل حواجزها ، واختراق كل سدودها ، ورفع علمكم فوق أرضها ..أبدأوها واثقين من النجاح ..مصرون عليه ..صامدون من أجله ..مكافحون للوصول إليه ..مناضلون للحصول عليه ..وسترون النتيجة .
وفى نهاية هذا المقال، دعونا نصنف كل من قرأوه إلى فئات مختلفة ، وحتماً متباينة .
فئة ستسخر من كل ما جاء فيه ، وسترى أنه مجرَّد كلام ، لا يعنى شيئاً ، ولا يحوى ذرة واحدة من الحقيقة ، ثم ستتجاهله تماماً ، بكل ما جاء فيه ، وستمضى فى حياتها ، بنفس الإحباط اليائس ، والرفض المطلق لكل ما حولها ، والإصرار على أنه ليس بالإمكان أحسن مما كان ، ولا أحسن مما حصلوا عليه .
وفئة ستهتم بما جاء به، من أجل التجربة على الأقل ، أو من باب الفضول فقط .
وفئة ثالثة ستضعه موضع التنفيذ..وستغيرَّ نمط حياتها ، وأسلوبها ، ومستقبلها .
وعلينا جميعاً أن ننتظر لخمس سنوات قادمة ، ونرى بعدها أي الفئات ستصبح أكثر نجاحاً وتفوقاً ..الفئة الأولى ..أم الثانية ..أم الثالثة ؟!.
وعندئذ، عليكم أن تتساءلوا: لماذا نتشائم، ونرى الدنيا بمنظار أسود، ونرفض الأمل والتفاؤل؟!..لماذا لا نؤمن كلنا بأن بكرة أكيد أحلى من النهاردة ؟!..طب ليه لأ ؟!.